الاتجهات العالمية فى سباق أسلحة الفضاء

أحمد عزت سليم15 ديسمبر 2019آخر تحديث :
سباق أسلحة الفضاء

الاتجهات العالمية فى سباق أسلحة الفضاء

فى إطار التصعيد الأمريكى للصراع الدولى بإستخدام عسكرة الفضاء العالمى كأداة أمريكية للسيطرة العالمية الحاضرة والمستقبلية، وكما أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تأسيس القيادة الفضائية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية:  “هذا يوم تاريخي ، القيادة الفضائية سوف تردع بجرأة العدوان وتتفوق على منافسي أميركا إلى حد بعيد”، مضيفا أن  “الفضاء لن يكون مهددا أبدا ” ومضيفا: أن القيادة الجديدة ستتولى الدفاع عن المصلحة الحيوية لبلاده في الفضاء، الذي سيكون مجال الحرب المقبلة”. وأعلن البيت الأبيض في بيان إن القيادة الفضائية ستعمل وبشكل نشط على توظيف قوات مخصصة من كل سلاح عسكري لإنجاز مهمات مباشرة في مجال الفضاء.

ومع فاعليات الصراع الدولى الفضائى تصاعدت فاعليات التسابق الدولى الهجومى للسيطرة الفضائية ، فقد أجرت روسيا مناورات بالقرب من أقمار البلدان الأخرى وأطلقت الصين سرية ذات الاستخدام المزدوج من أنظمة الفضاء ، وحاليا قامت الولايات المتحدة بإنشاء القوة الفضائية المستقلة الخاصة والمنفصلة ، وفي مارس من هذا العام  2019 أجرت الهند أول اختبار لها لسلاح مضاد للأقمار الصناعية وجاء اختبار الهند  كبلد بلا تاريخ  فى الأنشطة الفضائية الهجومية وبما يوضح قيام العديد من الدول بالاهتمام بعسكرة الفضاء،وبشكل مستقل لحماية مصالحهم ومستقبلياتها .

ويأتى هذا فى عدم ثقة الدول فى إستطاعة المؤسسات الدولية إيقاف سباق التسلح الفضائي الجارى فى واقع الساحة العالمية وتهديده الذى يتمثل فى:

أولا: بكونه يشكل تهديدا أمنيا كإجراءات أحادية الجانب من قبل الدول القائمة بتسليح الفضاء مع عدم اليقين بحماية النظام الدولي لتهديداتها .

ثانيا:  إنه يشكل تهديدًا بيئيًا كتجارب الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية والتى أدت إلى إنشاء كميات كبيرة من الحطام الفضائي وإزدادت الصعوبة مع إجراء عمليات قريبة من الأرض.

ثالثا: وامتد الصراع الفضائى إلى الفضاء التجارى وأصبح ساحة للحرب فى ضوء الزيادة المستمرة في استثمارات شركات الفضاء ومع تصاعد قيمة سوق الفضاء والتى تقدر حاليا بـ  340 مليار دولار ومن المتوقع أن تضاعف قيمتها ثلاث مرات في حوالي عشرين سنة ومع زيادة التوترات السياسية المتنامية على مدى العقد الماضي بين القوى العالمية وعلى  رأسها  الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومع تصاعد وزيادة المساحة التجارية الجديدة كجزء من صناعة “الفضاء الجديد” وسباق التسلح الفضائى بما في ذلك الإنترنت والذكاء الاصطناعي.

وتجرى حاليا فى هذا الوقت الآنى عمليتان مختلفتان في الفضاء حيث تشير عسكرة الفضاء إلى استخدام التكنولوجيا الفضائية ( الاتصالات ، والاستشعار عن بعد والملاحة ) لدعم العمليات العسكرية، ويشير تسليح الفضاء إلى إدخال الأسلحة إلى الفضاء ، مثل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ، والأقمار الصناعية القادرة على إتلاف غيرها.

ومع تصاعد عمليات التسلح وعسكرة الفضاء تصاعدت المناشدات الدولية للمنظمات الدولية، والمطالبة بإخضاع هذه العمليات للقوانين الدولية وصياغة دليل دولى يطبق عليها، ومطالبتها بتطبيق القانون الدولي المطبق للاستخدام العسكري في الفضاء خلال أوقات السلام ، ولم تأت هذه المطالبات الدولية بنتائج حاسمة ومازالت القوى الدولية التى تمتلك القدرات الفضائية تمارس فاعلياتها طبقا لمصالحها الاستراتيجية الأساسية دون إدنى إعتبار للمناشدات الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين والتى تمثل القوى العظمى للفضاء ويمتلكون قدرات تطوير وإطلاق وتحكم مستقل للأقمار الصناعية لجميع مدارات الفضاء، وبرامج الفضاء المأهولة، وتنامى القوى الفضائية المتوسطة كالاتحاد الأوروبي، والهند، واليابان، والتي تمتلك قدرات لتطوير وإطلاق والتحكم في الأقمار الصناعية المتقدمة بشكل مستقل ولكن ليس لديك برنامج فضائي مأهول (وتخطط الهند لتنفيذ وإطلاق رحلة فضائية في عام 2022) ومع تصاعد القوى الفضائية الناشئة والتى تعتبر فى المراحل الأولية وعلى سبيل المثال باكستان والبرازيل وأستراليا.

وتتمثل القوى العظمى الفضاء فى الولايات المتحدة الأمريكية والتى تمثل الدولة الرائدة في نشاط الفضاء وكنتيجة لهيمنتها العالمية، أدمجت الولايات المتحدة أنظمة فضائية في البنية التحتية للأمن القومي، والسعى للحصول على ميزة كبيرة أكثر من منافسيها. وتصاعدت هذه الميزة في حرب الخليج ، البلقان الصراع ، وغزو العراق . وخلال الحرب الباردة، ركزت الولايات المتحدة على مواجهة الاتحاد السوفيتى بالتهديد في الفضاء ووضعت مبادرات متقدمة في 1980 ، مثل مبادرة الدفاع الاستراتيجي (التي يطلق عليها أيضًا “حرب النجوم”) لتوفيرها الحماية ضد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومع إنهيار الاتحاد السوفيتى تحددت هذه المبادرات الأمريكية وعادت مع زيادة القوة الروسية اخيرا استمرت الولايات المتحدة الأمريكية  في الحفاظ على الموقف الهجومي في الفضاء الذي انعكس في نشر وثائق السياسة التي تدعو إلى تعزيز السيطرة على الفضاء وصولا إلى توجيه الرئيس ترامب في عام 2018لإنشاء قوة فضائية مستقلة وعارضت الولايات المتحدة باستمرار مقترحات معاهدات 2002 بشأن منع وضع الأسلحة في الفضاء الخارجى، بل زادت من ما لديها من قدرات واسعة لتدمير وتحييد ومنع منافسيها من ممارسة قدراتهم في الفضاء فقد أجرت الولايات المتحدة تجربة ناجحة لتدمير الأقمار الصناعية بصاروخ أطلق من الجو (ASM-135)، صمم لموازنة الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي طورها الاتحاد السوفيتي.

واستطاع الاتحادالسوفيتى بالمواجهة للولايات المتحدة الأمريكة والغرب الأوربى ــ واستمرت الإستطاعة مع الدولة الروسية ــ القدرة على نشر الأسلحة ضد الأقمار الصناعية وضعت روسيا نظام اعتراض للأقمار الصناعية وتعطيلها مع استخدام الأقمار الصناعية السرية التي تستخدم للمناورة بالقرب من الأقمار الصناعية الأجنبية وبإستهاداف إلحاق الأذى الجسدي وتعطيل هذه الأقمار الصناعية وبأسلحة إضافية مضادة للأقمار الصناعية مثل وسائل لتعطيل الإشارات من الملاحة والاتصالات وحتى الأقمار الصناعية المراقبة ، علاوة على ذلك، تتمتع روسيا بمعرفة تقنية واسعة استنادًا إلى تطور استخدام الليزر فقد أعادت وضع خطة لتطوير ليزر محمول على متن الطائرات لاستهداف أقمار المراقبة بشكل مباشر.

وبالنسبة للصين فقد  فقد إستطاعت أخيرا إستثمار جهودا كبيرة في تطوير قدراتها في الفضاء وتولى دورا هاما بإمتلاك العلم والبرامج العسكرية المتقدمة، مثل برنامج استكشاف الفضاء ومنظومة الملاحة الفضائية التى مكنتها من المنافسة القوية للولايات المتحدة فى فاعليات النفوذ الإقليمي والعالمي، وارتكزت الاستراتيجية الصينية حرمان القدرات الأمريكية في الفضاء والسعى نحو إمتلاك الهيمنة الفضائية وتطوير أسلحة الفضاء المتقدمة والهجومية ضد الأقمار الصناعية المدارية وقامت الصين بإطلاق القمر الصناعي Aolong-1 لتنظيف الحطام المداري في 2016 ، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن استخدامه القوى المحتمل لاستهداف الأقمار الصناعية الأجنبية ولإلحاق أضرار جسدية بها.

وليقع العالم كله تحت هذه القوى الكبرى وضغوطها بإمتلاك القوى الفضائية وعلى الرغم من الإدعاءات بالسعى نحو السلام العالمى إلا أن هذه القوى تستخدم الدبلوماسية في المقام الأول للحد من منافسيها ، بينما هم أنفسهم يعملون على تمكين قدراتهم الخاصة بهدف كسب التفوق في سباق التسلح الفضائي وفق نهج هجومي ، سواء لحماية أصولها الفضائية ومكانتها الدولية أو تجنب أن تكون في وضع غير موات استراتيجيا لها.

وبالنسبة للقوى المتوسطة الفضائية تمتلك ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا جيشًا واسع النطاق البنية التحتية الفضائية، بما في ذلك الأقمار الصناعية المراقبة وغيرها من النظم، إلا انها ليس لديها لديها خطط تسليح الفضاء، وفي الواقع فإن الدفاع الفضاء يتضمن الوعي الظرفي من الفضاء وتحليل التهديدات، مثل الطقس الفضائي والهجمات الإلكترونية و تطوير عدد من المبادرات لتنظيف الحطام الفضائي.

وبالنسبة للهند كقوة متوسطة على الرغم من أن الهند بدأت تطوير برنامج فضائي في الستينيات، إلا أنها لم تفعل تحقيق أي إنجازات كبيرة حتى 1990 وكان برنامج الفضاء الهندي يستهدف تحسين الوضع الاقتصادي للبلد بالابتكار التكنولوجي وتطوير الصواريخ الموجهة المتكامل (IGDMP)،الذي كان الأساس لتطوير الباليستية كأنظمة الدفاع الصاروخي  وفى مارس منهذا العام 2019، أجرت الهند تجربة صاروخية ناجحة مضادة للأقمار الصناعية ودمرت أحد أقمارها الصناعية الخاصة.

وبالنسبة لليابان ركز برنامج الفضاء الياباني في بدايته على مدنيه المكون، واعتماد نهج أكثر نشاطا للدفاع عن الفضاء وإعادة تنظيم الفضاء العسكري والبنية التحتية لزيادة استقلالها في هذه الساحة الفضائية ومع، أطلاقها الي الأقمار الصناعية للاتصالات والمراقبة، ولا تمتلك اليابان اليابان حاليًا برنامج لتطوير أسلحة الفضاء ولكن لديها القدرة على إتلاف الأقمار الصناعية من خلال  آليات ايجيس الأمريكى كنظام للصواريخ المنتشرة في أراضيها وفى هذا الإطار فإن التقدم العسكري الياباني في الفضاء في السنوات الأخيرة يدل على أنها تتخلى عن قواعدها الدفاعية التقليدية والتحول إلى استراتيجية أكثر هجومية وفى إطار فاعليات التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ولتمتلك العديد من الأقمار الصناعية ذات الاستخدام المزدوج ، والمصممة لدعم العمليات العسكرية المتنوعة وذلك لحماية أمنها القومي من خلال تعزيز قدراتها في الفضاء.

وبالنسبة قوى الفضاء الناشئة وهي مقسمة إلى مجموعتين فرعيتين: وهى الدول التى ليس لديها تطوير الأقمار الصناعية، وإطلاق، وقدرات التحكم، وهذه تتضمن جميع البلدان غير المدرجة في البلدين السابقين واحدة تمتلك مجموعة أساسية البنية التحتية ووكالات الفضاء، مثل باكستان والبرازيل وأستراليا، والثانية الأخرى لا تمتلك البنية التحتية الفضائية الأساسية ، مثل معظمها، ومن منظور عسكري، وتمتلك بعض قوى الفضاء الناشئة أنظمة الفضاء للأمن أو الاستخدام المزدوج، مثل الاتصالات والمراقبة للأقمار الصناعية، ولكن بسبب افتقارهم إلى النضج التكنولوجي، يجبرون على البحث  المساعدة من اللاعبين الفضاء الأكثر تقدما لإطلاق هذه الأنظمة ولتطوير وتشغيلها والعديد يسعى للدعم من الصين وروسيا وأغلبها يسعى للتواجد بمبادرات للحد من تسليح الفضاء، أو عن طريق المشاركة بنشاط في المبادرات الدولية، مثل مدونة قواعد السلوك في الفضاء.

وبالنسبة للكيان الصهيونى فقد إمتلك قدرات فضائية متقدمة والقدرة على تطوير وإطلاق وتشغيل الأقمار الصناعية المتقدمة (كما هو موضح من قبل سلسلة الأقمار الصناعية “Ofeq”) ويعتمد الكيان الصهيونى على الدول الأخرى لإطلاق أقمار صناعية في مدار ثابت بالنسبة للأرض كما أن لديه القدرة التقنية على تدمير الأقمار الصناعية باستخدام نظام اعتراض صاروخ أرو، ونجح الكيان الصهيونى ومن خلال تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة تأمين الفضاء بالنسبة لأمنه الصهيونى المستهدف بحصار القوى المقاومة له والتجسس الشامل لكل محتوياتهم.

المراجع:

1ــ Karl P. Mueller, “Totem and Taboo: Depolarizing the Space Weaponization Debate,” Astropolitics 1, no. 1 (2003

2 ـــ Peter L. Hays, United States Military Space: Into the Twenty-First Century (DIANE Publishing, 2002)

3ــMike Moore, Twilight War: The Folly of US Space Dominance (Oakland: The Independent Institute, 2008)

4ــBruce M. DeBlois, “Space Sanctuary. A Viable National Strategy,” Airpower Journal, (Winter 1998)

5 ــ Alan Steinberg, “Weapons in Space: The Need to Protect Space Assets,” Astropolitics

موضوعات تهمك:

هل يحقق العالم الاستقرار والسلام السيبراني

الردع السيبراني

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة