- موسكو تعرف الآن أن إخراج الإيرانيين من سوريا أولوية أميركية لا بدّ من أخذها بالاعتبار.
- وجود إيران بسوريا يعرقل تطبيع الوضع في سوريا، لكنها تريد أولاً ضمان استمرار نفوذها هناك.
- كيف سيُخرَج الإيرانيون من سوريا؟ ضربات إسرائيلية أكثر وطلب النظام السوري الانسحاب الإيراني!
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
ربما لم يُعِد لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي وسكرتير مجلس الأمن الروسي عقارب الساعة إلى ما قبل قمة ترامب – بوتين في هلسنكي، لكنه أظهر حدود التوافق بين الرئيسين، وبالتالي بين الدولتين.
وقد استخدم جون بولتون التحذير من أي تدخل روسي في الانتخابات وعدم التسامح معه. ولم يأتِ الرد من نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف بل من الرئيس فلاديمير بوتين الذي هاجم العقوبات الأميركية التي «ستأتي بنتائج عكسية»، ووصفها بأنها «سياسة لا مستقبل لها».
واعتبر أن المشكلة ليست في موقف الرئيس الأميركي بل في موقف «ما يسمّى المؤسسات التي تتولّى القيادة بالمعنى الواسع لهذا المصطلح» في الولايات المتحدة.
وإذ لم يصدر بيان مشترك فلم يكن فقط بسبب الخلاف على مسألة التدخّل في الانتخابات بل لأن الطرفَين لم يتوصّلا إلى اتفاقات من شأنها تأكيد أن تعاونهما لم يبلغ الدرجة التي كانت تتوخّاها موسكو، وللدلالة على ذلك، عاد وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى التذكير بضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا.
في اجتماع العمل الأول بين الأميركيين والروس كان إخراج إيران والميليشيات التابعة لها من سوريا محوراً رئيساً، ومع أن الجانب الروسي وافق على مناقشة الأمر بكل انعكاساته إلا أنه ظلّ متمسّكاً بكون الوجود الإيراني «شرعياً» ومرتبطاً بطلبٍ من حكومة النظام السوري.
بل وحاجج بأن العقوبات الأميركية المزمعة على النفط الإيراني من شأنها أن تزيد الأمر تعقيداً. ويعني ذلك أن موسكو تُخضع خروج الإيرانيين لمساومة لا تبدو واشنطن مستعدة لتقديم أي تنازلات فيها.
ومنذ قمة هلسنكي، ترك ترامب انطباعاً بأنه لم يعد متعجّلاً سحب القوات الأميركية من سوريا، ورُبط ذلك بتفاهم بينه وبين بوتين:
– أولاً على تنسيق ثنائي للحؤول دون حصول فوضى في مناطق الانسحاب،
– وأيضاً على متطلّبات ما بعد إنهاء الصراع المسلح في سوريا، بما فيها مساهمة أميركية في إعادة الإعمار.
خلافاً لكل ما أُعلنته واشنطن دائماً من أن وجودها و«التحالف الدولي» في شمالي سوريا، يقتصر حصرياً على محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم «داعش»، جرى التصريح أخيراً بأن هذا الوجود سيستمر لهدفين آخرين:
– مراقبة الوجود الإيراني والضغط لانسحابه،
– والعمل لتحقيق حل سياسي وفقاً للقرار الدولي 2254 من خلال إصلاحات دستورية.
صحيح أن الصيغة الأخيرة لا تتعارض بعموميتها مع الأطروحات الروسية إلا أن تعمّد تأكيدها يتضمّن ضغطاً على موسكو التي ابتعدت كثيراً عن روح القرار الدولي وأهدافه، ولا تزال تطلق إشارات إلى أنها في صدد اعتماد «مسار استانا-سوتشي» بديلاً من «مسار جنيف».
فالأول يحصر الحل السياسي بتوافقات روسيا مع تركيا وإيران، أما الآخر فيستلزم شراكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كانت واشنطن تركت روسيا تصفّي معاقل المعارضة السورية المسلّحة واحداً تلو الآخر، بمشاركة إيرانية أو بتواطؤ مع تركيا، إلا أنها عارضت دائماً انفراد ثلاثي أستانا بهندسة الحل السياسي، تحديداً بسبب إيران.
في أي حال لم تبلغ الاتصالات الأميركية – الروسية انسداداً، بل فُتحت قنوات للتنسيق العسكري والدبلوماسي، لكن موسكو باتت تعرف الآن أن استحقاق إخراج الإيرانيين من سوريا صار أولوية أميركية لا بدّ من أن تأخذه في الاعتبار.
كيف سيترجم ذلك؟
ربما بضوء أخضر لمزيد من الضربات الإسرائيلية للبنية العسكرية الإيرانية، بالإضافة إلى وضع النظام السوري أمام خيار طلب الانسحاب الإيراني ضماناً لبقائه.
ما يجعل روسيا مضطرة لبتّ مصير الوجود الإيراني أن أهم مقوّمات تطبيع الوضع في سوريا، طرح حل سياسي حقيقي، ومساهمة الدول الغربية مالياً في إعادة الإعمار وتسهيل إعادة اللاجئين.
لكن وجود إيران على الأرض يعرقل كل ذلك، فهي تريد أولاً ضمان استمرار نفوذها في سوريا.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر: صحيفة «الاتحاد» الإماراتية