المتضرر الأول هنا هو المواطن في روسيا والغرب إذ سيعاني من موجة تضخم بأسعار سلع أساسية وخدمات خاصة الأغذية والطاقة والمواصلات العامة!
روسيا والغرب، قد حزما أمرهما وقررا الدخول في مواجهة مفتوحة معروفة الأهداف، وإن كانت غير معروفة السقف والنتائج التي يمكن أن تصل إليها.
المواجهة الأبرز بينهما هي حرب الطاقة (نفطا وغازًا)، ويعتمد عليها الطرفان اعتمادا اقتصاديا وماليا كبيرا، ويعتبره كل طرف أبرز الأسلحة في الحرب المفتوحة الحالية.
حرب الطاقة مرشحة للتصاعد مع إدراك الطرفين، الروسي والغربي، حاجة كل طرف للآخر، وإدراكهما أنه يمكن تسجيل نقاط سريعة ومؤلمة في الحرب الاقتصادية المفتوحة.
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
يبدو أن الطرفين، روسيا والغرب، قد حزما أمرهما وقررا الدخول في مواجهة مفتوحة معروفة الأهداف، وإن كانت غير معروفة السقف والنتائج التي يمكن أن تصل إليها.
والمتضرر الأول هنا هو المواطن الروسي والغربي الذي سيعاني من موجة تضخم ولهيب في أسعار السلع الأساسية والخدمات، خاصة الأغذية والوقود وفواتير الكهرباء والمواصلات العامة وغيرها.
ساحة المواجهة الحالية ليست فقط أوكرانيا حيث تدور على أراضيها حرب شرسة ودموية تقتل فيها روسيا المدنيين وتدمر الأخضر واليابس وتشعل الحرائق في المحاصيل الزراعية، لكن المواجهة الأبرز هذه الأيام هي حرب الطاقة، بشقيها النفط والغاز الطبيعي، والذي يعتمد عليه الطرفان اعتمادا اقتصاديا وماليا كبيرا، ويعتبره كل طرف أحد أبرز الأسلحة في الحرب المفتوحة الحالية.
روسيا تعتمد على الطاقة في حصد الإيرادات الدولارية، حيث تدر على خزانتها موارد تزيد عن المائة مليار دولار سنوياَ، والغرب يعتمد على الطاقة كليا في تشغيل القطاعين الصناعي والإنتاجي وتوليد الكهرباء وتسيير المواصلات العامة، بل وفي عجلة الحياة بالكامل.
روسيا قررت المضي في تهديداتها للغرب، أو ما تسميه الدول غير الأصدقاء، ووقف ضخ الغاز الطبيعي عن بعض الدول الأوروبية، وفرض شرط بيع الغاز بالروبل وليس بالدولار واليورو على المشترين، وإلا قطع الإمدادات، وهو ما حدث، رغم المخاطر الضخمة التي تحيط بتلك الخطوة ومنها فقدان الموازنة الروسية مليارات الدولارات، وسداد موسكو غرامات ضخمة للدول التي تشتري الغاز الروسي لمخالفة بنود التعاقدات التي تنص على أن تكون عملة سداد الصفقات بالدولار أو اليورو وليس بالعملة الروسية.
وتدرك روسيا أن قطع الغاز خطوة موجعة للدول الأوروبية المساندة للولايات المتحدة في الخطوات الانتقامية بحقها ومنها العقوبات الاقتصادية المتلاحقة وحظر شراء النفط والغاز الروسي وتجميد 300 مليار دولار من احتياطي روسيا لدى البنوك الغربية.
كما تدرك أن ما يوجع الغرب أكثر هذه الأيام هو شح الغاز الطبيعي، حيث إن قطعه عن أوروبا قد يدخل دول القارة في عتمة شديدة خاصة خلال فصل الشتاء، وقد يشل قطاع الصناعة وغيره من القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، خاصة مع عدم وجود بدائل سريعة أمام أوروبا، فالبدائل مكلفة جدا وتحتاج لفترة طويلة حتى يتم الاستغناء كلية عن الغز الروسي.
كما أن قطع الغاز الروسي عن أوروبا سيربك أسواق الطاقة العالمية وسيدفع أسعار الغاز لمواصلة الارتفاع القياسي، وهو ما حدث يوم الأربعاء، حيث زادت الأسعار بنسبة 24% في يوم واحد.
في المقابل، فإن الدول الأوروبية، وخلفها الولايات المتحدة، لن تقف مكتوفة اليد تجاه قطع روسيا إمدادات الغاز عنها، صحيح أن بعض شركات الطاقة الأوروبية سارعت وفتحت حسابات بالروبل لاستيراد الغاز الروسي حتى تتفادى قطع الغاز خاصة في هذه الأيام، لكن أوروبا تجهز لفرض حظر شامل على واردات الطاقة الروسية، وضم النفط والغاز الروسي للعقوبات الغربية، وهو ما سيشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي وخطط تمويل حرب بوتين في أوكرانيا.
فروسيا تحصل على أكثر من مليار دولار من أوروبا يوميا قيمة صادراتها من النفط والغاز الطبيعي لدول القارة، وهو مبلغ ضخم تحتاجه الموازنة الروسية هذه الأيام مع تجميد الغرب نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، وحاجة روسيا لتمويل حرب مفتوحة في أوكرانيا.
حرب الطاقة مرشحة للتصاعد خاصة مع إدراك كلا الطرفين، الروسي والغربي، حاجة كل طرف للآخر، وإدراك الطرفين أنه يمكن تسجيل نقاط سريعة ومؤلمة في تلك الحرب الاقتصادية المفتوحة.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: