رهان “أنان” على “بوتين” مقامرة بمستقبل سوريا

محرر الرأي27 يونيو 2012Last Update :
jimhogh landfgih 769

jimhogh landfgih 769بقلم: جيم هوغلاند 
لم يعد أمام كوفي أنان سوى أن يعقد صفقة مع الشيطان من أجل وضع حد لتلك الفظائع البشعة التي يرتكبها الجيش السوري، إلا أن هذا الشيطان في نظر أنان هو فلاديمير بوتين، وليس بشار الأسد. وهذا هو ما يسعى أنان، الذي التقيت به لأول مرة في أفريقيا قبل 4 عقود، إلى تحقيقه من خلال انتهاج استراتيجية مستميتة تتركز حول الرئيس الروسي المستدام.

والأمين العام السابق للأمم المتحدة ليس غرا ساذجا حتى يصدق تلك الوعود الفارغة، التي يقدمها الأسد، بل هو يحاول إطالة أمد بعثة إرساء السلام الفاشلة التي كلفته بها الأمم المتحدة من أجل منح الأسد الحبل الذي يشنق به نفسه، بمعنى أن أنان ينتظر اللحظة التي لا يكون فيها بمقدور أحد، حتى بوتين نفسه، أن يطيق عار تقديم العون والمشاركة في تلك الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بأوامر من ربيبهم في دمشق (ذلك أن المذابح السورية هي ما جعل من الأسد رجل بوتين في دمشق، وما تعرضه شاشات التلفزيون من مشاهد تصور سفير روسيا لدى الأمم المتحدة وهو يصوت أكثر من مرة لإعاقة فرض ضغوط على الأسد تشكل رابطا في التاريخ ما كان سيوجد في أي ظرف آخر).

وهناك مرات تضطر فيها إلى التعامل مع الشياطين، على الرغم مما في ذلك من تنازل ومذلة، ولكن لا بد أن تكون واثقا من أن شيطانك سوف يلتزم بكلمته، وهذا في رأيي ما سيقود الرهان الذي قام به صديقي أنان إلى الفشل، فحتى إذا التزم بوتين بكلمته (وهو أمر مستبعد إلى حد كبير)، فأنا أشك في أن يجبر الأسد على التخلي عن السلطة إنقاذا للنظام الذي تسيطر عليه طائفته العلوية.

وهذا هو «البديل اليمني»، وهو المصطلح الذي سمي على غرار الاستراتيجية التي استعملتها الولايات المتحدة للمساعدة في خلع علي عبد الله صالح من السلطة في شهر فبراير (شباط) الماضي. وقد كان أعقد الحلول التي سمعتها هو أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا على قائمة من الجنرالات السوريين المقبولين كي يتولوا السلطة، وأن يتعهد هؤلاء الجنرالات بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات من أجل التوصل إلى سلام مع خصومهم الذين دأبوا على قتلهم بطريقة ممنهجة طيلة 18 شهرا.

إلا أن قبضة بوتين الممسكة بالسلطة داخل روسيا بدأت تضعف، في ظل تعرض بلاده لهزة اقتصادية، وعدم وجود أي بوادر توحي بأنه يعرف ما ينبغي فعله حيال ذلك. وعلى الرغم من كل النتائج المخيبة للأمل ونقاط الضعف التي يمتلئ بها سجل السياسة الخارجية للرئيس أوباما، فهو يبدو قويا ومسيطرا في ظل غياب أي مبادرات روسية جادة على الساحة السياسية العالمية منذ 10 سنوات، ولم يعد هناك من ينصت جديا إلى بوتين فيما يتعلق بالشؤون الدولية، حتى الطغاة الذين تلطخت أيديهم بالدماء، والذين يستعينون بالأسلحة التي تزودهم بها بلاده من أجل البقاء في السلطة، أو آيات الله الإيرانيين الذين يسيرون وراء طموحاتهم النووية.

إن شعور أنان باليأس، أو بالمفارقة التاريخية، هو الذي قاده إلى بديل بوتين. وقد يكون مبعث هذا الشعور باليأس حقيقتين قاسيتين أصبحتا واضحتين الآن، وهما:

– يتحمل الأسد شخصيا المسؤولية عن حملة الأعمال الوحشية الدموية. يبدو موقفه الداخلي في غاية الوهن على نحو لا يسمح لأي شخص آخر بتولي المسؤولية. يعتبر رحيله إلى موسكو مهما لإنهاء القتال.

– لن تتدخل الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وجامعة الدول العربية عسكريا لردع وحشية الأسد بتفعيل مبدأ مسؤولية الحماية من جانب المجتمع الدولي، الذي طبق بفاعلية كبيرة في ليبيا (تعتبر ليبيا هي العامل الرئيسي في تحديد ما إذا كان التدخل الإنساني يمكن أن ينجح في دولة سوريا المجاورة أم لا. غير أن الحكومة المدنية في أنقرة لا تثق في ولاء جيشها بالدرجة الكافية لتفويض مسؤوليات جديدة إليه).

إن طمر مبدأ مسؤولية الحماية في حطام حمص وإدلب سيكون بمثابة ضربة موجعة لسمعة أنان. لقد قام أنان بدور فاعل لدفع الأمم المتحدة لتبني المبدأ في عام 2007 إلى حد أنه لا يمكن للدول إساءة معاملة مواطنيها مع التمتع بالحصانة.

خاطبني دبلوماسي أوروبي هنا قائلا: «لن يستمر كوفي للأبد في منح الحماية للآخرين». وأضاف: «قد تسمح استقالته للعالم بأن يدرك جليا ما تفعله روسيا (وما لا تفعله الولايات المتحدة) وهذا يجعلهما شريكين في إبادة أمة. لكنه يعي أيضا أن الاستقالة هي بندقية بها رصاصة واحدة فقط».

أما عن المفارقة التي ربما تشكل أساسا لبديل بوتين، فهي أن بوتين يعتبر خبيرا في الثورة المضادة، التي يشنها الأسد بوحشية. كان بوتين هو من قضى على الثورة الروسية في عام 1990، التي بدت وكأنها تفتح صفحة حقبة جديدة من الحريات واسعة النطاق للمضطهدين في العالم.

لكن أصبحت الثورة المضادة هي القوة السياسية المهيمنة في عصرنا، مثلما أظهرت الأحداث في أوكرانيا وبيلاروسيا واليمن ومصر وسوريا. بينما يبقى التحول السياسي غير مكتمل في تونس وليبيا، فقد ظهرت مجددا أنظمة استبدادية في مناطق أخرى لقمع الحريات التي قد وعدت بها الثورات.

لكل فعل رد فعل، في السياسة أيضا كما في الفيزياء. تشير المعارضة الشجاعة في سوريا إلى أن القانون العام يعد جزءا أساسيا من تكوين كل من لهم أعين يبصرون بها. ربما يتحدد أهم إنجاز لمهمة أنان بالوقت والكيفية التي يقرر إنهاءها بها.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News