يتوقع أن يقرر أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى البالغ عددهم 400 عضو تمهيد الطريق أمام شى للبقاء زعيما للصين.
سيطر الزعيم ماو فعليا على مؤسسات الحكم الصينية الثلاث: الحزب الشيوعى ولجنته المركزية، ومؤسسة الرئاسة، وقيادة الجيش الأحمر.
صمم دينغ شياو بينغ على عدم السماح بقيام ديكتاتورية مطلقة حيث رآها مفسدة مطلقة وصمم على عدم السماح بوجود سلطة لشخص مدى الحياة.
منذ وفاة ماو عام 1976 تحاول القيادات الصينية منع ظهور شخصية محورية تنفرد بالحكم على غرار الزعيم ماو الذى حكم حتى مماته مدة تتخطى ثلاثين عاما.
تبنت قيادة الحزب معادلة حكم توازن بين طبيعة وتوازنات الصين الداخلية الأيديولوجية والثقافية، وبين طبيعة بشرية يفسدها دوام السلطة والقرب من الحاكم.
لم تتبن الصين انفتاحا ديمقراطيا على النمط الغربى لكنها توصلت لمعادلة متوازنة بالمعايير الصينية تسمح بوجود ديكتاتورية سياسية لفترة محددة من الزمن.
قام شي بمحو قدر كبير من إرث دينغ وأزاح خصومه المحتملين عبر حملة واسعة لمكافحة الفساد امتدت لتخليص الحزب الشيوعى الصينى من خصومه ومنافسيه.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
عقد قادة الصين اجتماعا فى بكين هذا الأسبوع لاتخاذ خطوة إضافية تمهد الطريق أمام الرئيس شى جين بينغ لمواصلة الحكم إلى ما بعد السنوات العشر المعتادة فى منظومة الحكم الصينية.
ويتوقع أن يقرر أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى البالغ عددهم 400 عضو تمهيد الطريق أمام شى للبقاء زعيما للصين، وذلك عن طريق كتابة بعض فصول تاريخ الصين الحديث منذ سيطرة الشيوعيين على الحكم، وتعد تلك المرة الثالثة خلال 100 عام التي يعيد فيها الحزب الشيوعي كتابة التاريخ.
ويتعلق الأمر فى جوهره بخلق إطار مغاير وجديد لتاريخ الصين بحيث يبرز دور وأهمية الحزب الشيوعى والرئيس شي، أي أنه إعادة كتابة التاريخ لإبراز أهمية الشخص الزعيم.
ومنذ وفاة الزعيم الصينى الأهم خلال النصف الثانى من القرن العشرين «ماو تسى تونغ» عام 1976، تحاول القيادات الصينية منع ظهور ماو جديد، أى منع ظهور شخصية محورية تنفرد بالحكم على غرار ما قام به الزعيم ماو الذى حكم حتى مماته، وامتدت سنوات حكمه لتتخطى الثلاثين عاما.
سيطر الزعيم ماو بصورة فعلية على مؤسسات الحكم الصينية الثلاثية، سواء الحزب الشيوعى ولجنته المركزية، أو مؤسسة الرئاسة، أو قيادة الجيش الأحمر، وذلك بصور مباشرة أو غير مباشرة حتى مماته.
ورغم التقدير الكبير الذى يحظى به إرث الزعيم ماو، فإن الصين كدولة ومجتمع ونخبة توافقت على أن الزمن يتغير، وأنه لا سبيل للتقدم إلا بمنع خلق ماو جديد أولا. وعليه تبنت معادلة حكم توازن بين طبيعة وتوازنات الصين الداخلية الأيديولوجية والثقافية، وبين الطبيعة البشرية التى يفسدها دوام السلطة، ويفسد دوائرها القرب الشديد من الحاكم.
وعليه صممت الصين الجديدة على خلق مؤسسات سياسية لا تشخصن الحكم، ولا تعتمد على زعيم أوحد مدى الحياة، بل اختارت أن يكون هناك ديكتاتور، لكنه ديكتاتور يحكم لفترة محددة معلومة مقدما.
لم تتبن الصين انفتاحا ديمقراطيا على النمط الغربى، لكنها توصلت لمعادلة متوازنة بالمعايير الصينية تسمح بوجود ديكتاتورية سياسية لفترة محددة من الزمن.
وبالفعل عرفت الصين تداول السلطة بصورة جيدة، وإن كانت لا تماثل الطريقة الغربية فى اختيار الشعب المباشر للرئيس من خلال صناديق الاقتراع. ولم تعرف الصين أخيرا الانتقام أو إعدام أو اعتقال الرؤساء السابقين ممن هم على قيد الحياة. وحكم بعض الزعماء لخمس سنوات وحكم البعض لعشر سنوات كحد أقصى، والتزم الجميع بمواد الدستور الجديد الذى أُقر عام 1982.
* * *
أدرك الزعيم دينغ شياو بينغ، وهو الذى خلف الزعيم ماو، أن العالم يتغير بسرعة فائقة، وإذا أرادت الصين اللحاق بركب التقدم الاقتصادى فعليها اتباع آليات الاقتصاد الرأسمالى، وتبنى اقتصاديات السوق المنفتحة، إلا أنه صمم على أن يكون ذلك بنكهة صينية تقل فيها سلطة الدولة كمخطط للاقتصاد، مقابل الدفع بنظام مختلط لا يترك لقوى السوق حرية كاملة للحركة.
ويحسب للزعيم دينغ شياو بينغ أنه خلق وصان حركة إصلاح وانفتاح كبيرة وضعت للصين أسس التقدم الاجتماعى والاقتصادى، ويحسب له كذلك حفاظه على الخصوصية الصينية وعرفت الصين حينذاك «اشتراكية صينية» تختلف عما تصفه الأدبيات الغربية عن النظم الاشتراكية.
أدرك بينج كذلك أن من الجرم إبقاء حاكم فى منصبه مدى الحياة. واستفاد من تجربة سلفه الزعيم ماو ومن أخطائها التاريخية والتى كان منها ما يتردد عن قتل ما يزيد على 30 مليون شخص خلال الثورة الثقافية فى ستينيات القرن الماضى.
وصمم دينغ شياو بينغ على عدم السماح بوجود ديكتاتورية مطلقة حيث رآها مفسدة مطلقة. وصمم على عدم السماح بوجود سلطة لشخص مدى الحياة، وتمت صياغة ذلك فى الدستور الصينى وذلك ليتجنب زعماء الصين الجدد الفساد المرتبط بالقرب من دائرة الحكم لفترة طويلة، وعدم استيعاب دائرة الحكم المطلق لضرورات وفوائد وحتمية التغيير.
* * *
من هنا جاءت مفاجأة اعتماد اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى قبل عامين لاقتراحات حول تعديل بعض أجزاء من الدستور بمثابة نذير خطر كبير، إذ تضمن الاقتراح تعديل المادة 79 من الدستور لحذف عبارة «بقاء رئيس جمهورية الصين الشعبية ونائبه لمدة لا تزيد على فترتين متتاليتين».
وهدفت هذه الخطوة إلى تمهيد الطريق للرئيس الصينى «تشى جين بينج» للاستمرار فى الحكم بعد انتهاء فترة حكمه الثانية عام 2023. صمدت الصين أمام عواصف الانفتاح والإصلاح لأكثر من أربعين عاما منذ تبنيها سياسات الإصلاح والانفتاح الاقتصادى عام 1978، وصمدت كذلك بدستور 1982 الذى منع ظهور زعيم واحد ملهم يبقى فى الحكم حتى مماته طبقا لتصور الأب الروحى للإصلاح والتقدم فى الصين الزعيم دنيغ شياو بينغ.
من هنا يمكن تفهم ما قام به الرئيس الصينى الحالى من خلال خطوات متنوعة لتعزيز وضعه خلال سنوات حكمه بمحوه قدرا كبيرا من إرث دينغ شياو بينغ، إضافة لإزاحته لكل خصومه المحتملين، معتمدا فى المقام الأول على حملته الواسعة النطاق لمكافحة الفساد، والتى امتدت لتخليص الحزب الشيوعى الصينى من كل خصومه ومنافسيه السياسيين المحتملين.
وبالطبع انبرت أبواق النظام الصينى الإعلامية للتغنى بفكرة تعديل الدستور، وذكرت أنها جاءت فى وقتها وذلك كون هذا التعديل يعد «خطوة حيوية من الخبرة الطويلة للحزب، وتحسين مؤسسات وآليات ممارسة الحزب وقيادة الدولة، وذلك وفقا لاستراتيجية التمسك وتطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد»، كما أشارت صحيفة الشعب الرسمية.
* محمد المنشاوي كاتب وباحث في الشأن الأمريكي من واشنطن
المصدر| الشروق المصرية
موضوعات تهمك: