بغداد وكواليسها السياسية ليست غريبة على رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، لكن زيارته القصيرة والمكثفة التي اجراها إلى العاصمة، أتت في وقتها المناسب، لوضع النقاط على حروف العلاقات، بالإستناد على قاعدتين أساسيتين: انطلاق عهد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وتراكم الملفات بين الطرفين، الأمر الذي تطلب يتطلب حضوره شخصياً.
واذا كان بارزاني ابتدأ حصيلة اللقاءات مع الرئاسات الثلاث في بغداد بتصريح مقتضب، الا أن ما لم يفصح عنه في التغريدة القصيرة، أكبر من ذلك بكثير بعد أن سرده بالتفاصيل مطلقاً صفحة جديدة بالعلاقة بين بغداد والإقليم، مقاربة تقتضي حتماً تشاوراً وثيقاً لحل الإشكالات المتراكمة، بين الرجلين الأكثر تأهيلاً لمعالجتها، أي الكاظمي وبارزاني.
تلك الإشكالات متعددة وهي لا تقتصر على وباء كورونا الذي يزداد خطراً وانتشاراً، ولا القصف التركي – الايراني، بل تمتد لتشمل التأسيس لمرحلة جديدة في العلاقات بين اربيل وبغداد، تعزيز جسور التفاهم القائم مع الكاظمي، ومتابعة الأزمة المالية القاسية وتعثر قضية الرواتب، وذلك على مبادئ التفاهم والتعاون لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي ضربت الجميع.
ويحتاج الكاظمي بالتأكيد الى تضافر الجهود مع اربيل، كما الى تضافر جهود القوى السياسية في بغداد، اذا كانت الرغبة العراقية تقتضي فعلاً إيجاد الحلول الملائمة لهذه المسائل. ولهذا ربما أن نيجيرفان بارزاني يجد في ذلك لحظة سياسية مؤاتية للقيام بهذه الزيارة، واجراء هذا الكم الكبير نسبياً من اللقاءات والإجتماعات.
وبالإجمال، تعبد زيارة بارزاني الى بغداد الطريق امام التسويات والتفاهمات ووضع الخطوط العريضة لحركة المرحلة المقبلة، حول كورونا، السيادة، الملف الامني، الازمة المالية -الاقتصادية، ومرحلة ما بعد الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.
في لقاء بارزاني مع رئيس الجمهورية برهم صالح، اكدا على معالجة الخلافات والقضايا العالقة بين اربيل وبغداد وفق الاطر الدستورية والقانونية ومن خلال التعاون والتنسيق “بما يحفظ حقوق العراقيين كافة ويحقق العدالة الاجتماعية”، بالاضافة الى “مناقشة الحلول المطلوبة للخروج من الأزمة الاقتصادية في البلاد، فضلاً عن ترسيخ التكاتف والتآزر بين الجميع لمواجهة جائحة كورونا والحد من انتشارها”.
هذا اللقاء سبقته لقاءات مشابهة مع الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي. في اللقاء مع الكاظمي تناولت المحادثات الملفات ما بين الحكومتين الاتحادية والاقليم، وحل الاشكالات السابقة وفق الدستور وبما يحقق المصلحة العامة في مواجهة التحديات الحالية التي تواجه جميع المحافظات.
وعلى المحك هنا، “اشكالات” قضية الرواتب، مبيعات النفط، ما يسمى المناطق المتنازع عليها، والمادة 140 من الدستور.
هذه النقاط جسدها رئيس إقليم كوردستان خلال تصريحاته من بغداد عقب انتهاء جولة الحوارات المكثفة والتي استمرت ليومين، حيث عدّ المشاكل والمسؤوليات بأنها مشتركة لجميع العراقيين، وقال إن مصيرنا جميعاً ھو مصير واحد ومشاكل العراق وإقليم كوردستان هي مشاكل كل العراقيين”.
وأكد بارزاني”بعد التجربة المرة لسنوات من الخلافات والمشاكل بين الجانبين، علينا ألا نرجع إلى الماضي، بل حان الوقت لنتوصل إلى فهم مشترك وأن نحل المشاكل بصورة نهائية من خلال اتفاق شامل ومرضٍ للطرفین ويوفر الأمان والاستقرار والعدالة والتقدم لحاضر ومستقبل العراق”.
ووصف رئيس إقليم كوردستان الأوضاع والتحديات بالقاسية، وقال “يمكن تحويل الأزمات إلى فرص والتعاون والعمل المشترك على مواجهة المصاعب والأزمات الحالية في البلد والتي ھي مسؤولية مشتركة للجميع”.
وأوضح، أن “استمرار المشاكل ليس في صالح أي طرف، وبإمكاننا معاً من خلال التعاون أن نتوصل إلى فهم مشترك لطريقة إدارة أفضل للبلد من اجل تقدیم الخدمات لكل المواطنين”.
كما أكد بارزاني “إستعداد إقليم كوردستان لحل كافة المشاكل والملفات العالقة مع الحكومة الاتحادية على أساس الدستور ومراعیا للنظام الاتحادي والحقوق والواجبات والأولويات الحالية لحياة ومعيشة المواطنين”، عادا دور الزعماء والقوى والأطراف السياسية العراقية في دعم الحوار والحل والتوصل إلى اتفاق “مهماً وضرورياً، وواجباً على الجميع”.
وغالب الظن، فأن بارزاني سيلاقي الكاظمي في رهانه على أن “التحديات التي يواجهها البلد تتطلب تعاون الجميع للتصدي لها والعبور بالبلد باتجاه الطريق الصحيح الذي يمضي به، من أجل بناء عراق آمن ومستقر وموحد”.
كما يدرك بارزاني وهو يزور بغداد، أن الامور استتبت نسبياً للكاظمي في عملية انتقال السلطة وتولي المسؤوليات الجسيمة، وبهذا المعنى فأن التوقيت هنا يحمل دلالة مهمة. وهو لهذا اصطحب معه في الزيارة نائبيه شيخ جعفر شيخ مصطفى، ومصطفى سيد قادر.
يريد بارزاني، كعادته في العمل السياسي، مد يد التعاون المفتوحة من خلال “تدوير الزوايا” والبحث عن نقاط التلاقي المشتركة، ويدرك تماما ان الكاظمي في أمس الحاجة الى قيادات، سواء في كوردستان، او في بغداد نفسها، ممن تمتهن فن الممكن سياسيا لقيادة العراق وكوردستان الى بر الامان في احدى أكثر الفترات اضطراباً وقلقاً.
مبادرة اخرى لافتة للنظر سجلها بارزاني خلال زيارته الى بغداد، تمثلت في لقائه قادة تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، حيث اكبر الكتل النيابية في البرلمان العراقي الممر الإجباري والدستوري لكافة القضايا التي تهم بغداد واربيل.
وفي بيانه، كشف تحالف الفتح ان اللقاء تناول العديد من الملفات ابرزها دعم قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد وضرورة توحيد مواقف القوى السياسية في حماية السيادة الوطنية والدفاع عنها، مشيرا الى انه تم بحث الانتهاكات التركية المتكررة للسيادة الوطنية والتوغل العسكري في مناطق شمال العراق.
هذا على صعيد الملفات ذات البعد الخارجي، اما على الصعيد الداخلي، فقد تناولت محادثات بارزاني مع العامري عددا من مشاريع القواني.
موضوعات تهمك: