من أبرز تحديات اللحظة الراهنة، مسألة المديونية العامة التي تنذر هذه المرة بفضيحة مالية غير مسبوقة في تاريخ أميركا.
يتجه بايدن نحو معركة الرئاسة مرة أخرى رغم تقدم سنه، إلا إذا فرضت قضية الوثائق السرية ومعركة المديونية العامة تأخير الإعلان أو صرف النظر.
انتهت صلاحية وزارة الخزانة لاقتراض المال اللازم لتمويل وتسديد التزامات ونفقات حكومية مترتبة ومقررة في الموازنة، والفوائد المترتبة على الدَّين العام.
دخلت رئاسة بايدن عامها الثالث في وضع محفوف بفضائح الداخل وانتكاسات محتملة بالخارج، وتعثر احتواء الإدارة لهذه الاحتمالات وقطع طريق مضاعفاتها.
ليس صدفة أن يمتنع أهم طرفين في الناتو عن توفير أحدث الدبابات لأوكرانيا بينما تستغيث لتزويدها بهذا السلاح لمواجهة تصعيد روسي ميداني متوقع بداية الربيع القادم.
* * *
دخلت رئاسة جو بايدن، يوم السبت، 21 يناير، عامها الثالث في ظلّ وضع محفوف بالفضائح في الداخل وبالانتكاسات المحتملة في الخارج، وحتى الآن، تعثرت الإدارة في احتواء هذه الاحتمالات وقطع الطريق على مضاعفاتها، وقد يتعذر عليها ذلك في المدى القريب، ما يفتح الباب أمام المزيد من التعقيد وربما الاستعصاء.
وأصعب ما فيها أنه مطلوب وقف تفاقمها خلال فسحة زمنية ضيقة لدرء مخاطرها، التي قد ينال بعضها من هيبة أميركا ناهيك عن صورة بايدن، كما أن ضغوطها المتزامنة قد تربك حسابات الرئيس عشية اتخاذه قراراً مهماً يتعلق باستحقاق فاصل بالنسبة لرئاسته.
المديونية العامة
ومن أبرز تحديات اللحظة الراهنة، مسألة المديونية العامة التي تنذر هذه المرة بفضيحة مالية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث انتهت، الخميس الماضي، الصلاحية الممنوحة لوزارة الخزانة لاقتراض المال اللازم لتمويل وتسديد الالتزامات والنفقات الحكومية المترتبة والمقررة في الموازنة، ومنها الفوائد المترتبة على الدَّين العام.
وتجديد هذه الصلاحية موكول للكونغرس بقرار لرفع سقف الدَّين العام، بما يسمح لوزارة المالية بتوفير السيولة عبر بيع سندات الخزينة لسد العجز في الموازنة، وبالتالي ضمان استمرارية الدورة المالية العامة. وهذا تدبير تكرر اللجوء إليه أكثر من 75 مرة منذ 1960، وتحول مع الوقت إلى ورقة سياسية تلعبها الأكثرية لانتزاع التنازلات في الموازنة لصالحها.
وفي بعض الأحيان، وصلت اللعبة إلى حدود المأزق ليتم التراجع عنه في آخر لحظة خشية وقوع البلاد في حالة عجز عن تسديد مدفوعاتها، بما يوازي حالة الإفلاس مع ما يترتب عليها من انعكاسات سلبية على الدولار وامتيازاته واستثماراته والقدرة الائتمانية للولايات المتحدة.
خطاب الأقلية من الجمهوريين المتشددين في مجلس النواب ينذر هذه المرة بعدم التراجع عن حافة هذه الهاوية إذا لم تتحقق شروطها بخفض الإنفاق العام.
وترجمة ذلك هي إطاحة أجندة بايدن ومشاريعه، بخاصة تلك التي تتعلق بزيادة الإنفاق الاجتماعي ورفع الضرائب على الشركات وأصحاب المداخيل العالية والفلكية أحياناً.
وأعلن البيت الأبيض رفضه حتى التفاوض في هذا الخصوص مطالباً بزيادة المديونية، التي بلغت حتى الآن 31.4 تريليون دولار، لتلبية حاجات الموازنة، بينما يصر خصومه من النواب على عدم التزحزح، وقياساً على السوابق؛ فالموضوع محكوم بالمساومة.
لكن الظرف الحالي مختلف، حيث إن الخصومة فيها تناحر. وبدأت وزارة المالية باتخاذ تدابير احترازية لتأمين المدفوعات أو أولوياتها ولغاية يونيو/حزيران القادم، وربما إلى ما بعده بقليل، وحتى ذلك الحين، على الأقل، يبقى شبح فضيحة العجز قائما.
قضية الوثائق السرية
كذلك يبقى شبح الفضيحة، ولو مخففة، قائما حول قضية الوثائق السرية التي عثر عليها في مكتب ومنزل بايدن وكراج سيارته، حيث بدأ المحقق العدلي مهمته لنبش حقائقها وخفاياها في ظل توالي الشكوك وعلامات الاستفهام حول التأخير الذي بدا أنه متعمد للكشف عنها، بعد الانتخابات النصفية، مع أنه عُثر عليها قبل ذلك الاستحقاق بحوالي أسبوع.
كما توالى وما زال تسجيل المآخذ على “طريقة تعامل البيت الأبيض” مع الموضوع، والتي لم تخلُ من المكابرة، وزاد من الاستياء رد الرئيس بأنه “غير نادم” على ذلك، ما قلل من التعاطف والتفهم، حتى لو كان الاحتفاظ بالوثائق قد حصل نتيجة إهمال أو خطأ عادي.
خاصة أن التوقيت فرض شيئاً من المقارنة مع قضية وثائق ترامب، برغم الفارق مع هذه الأخيرة وملابساتها، التي قد تؤدي إلى توجيه تهمة جزائية للرئيس السابق.
ورافق ذلك على الصعيد الخارجي صدور أول صدمة مكشوفة لواشنطن من حليف أوروبي مهم بخصوص حرب أوكرانيا. فرفض ألمانيا تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد جرى التوقف عنده بصورة لافتة بقدر ما كان غير متوقع، خصوصاً أن رد البنتاغون حمل بين سطور لغته الدبلوماسية معالم الخيبة وعدم الارتياح لرفض برلين، الذي جرى تقديمه بصيغة أنها “لم تتخذ قرارها بعد” في هذا الخصوص، لكن حقيقة الأمر أبعد من ذلك.
ومن التفسيرات أن ألمانيا رأت في إصرار واشنطن على ليوبارد بدلاً من دبابة أبرامز الأميركية مؤشراً على بداية توجه لتحميل الأوروبيين مسؤولية الشق الأكبر من تسليح أوكرانيا. وهو تفسير محتمل في ضوء الاعتراضات العالية من جانب الجمهوريين في الكونغرس، وبالتحديد في مجلس النواب، على تزايد كلفة الحرب وتحميلها “لدافع الضرائب الأميركي”.
ومن جهة ثانية، وجود مقاربة تفيد بأن القضية أوروبية في الأساس، وبالتالي على أوروبا النهوض بالقسم الأكبر من المهمة وأكلافها. وتمثل هذه الأصوات أقلية، لكن قد يكون لها تأثير على المدى الأبعد لو طالت الحرب.
ومن التفسيرات أن الموقف الألماني يندرج في إطار التعبير الصريح عن تنامي الخلافات المتزايدة تحت السطح بين الحلفاء حول التعامل مع حرب أوكرانيا، والدليل أن الدعم الذي قدمه حلف الأطلسي، على أهميته ونوعيته، حصل وما زال “بالتنقيط والتقسيط “.
ولا يبدو من باب الصدفة أن يمتنع أهم طرفين في التحالف عن توفير الدبابات الأحدث لأوكرانيا، في وقت تستغيث فيه هذه الأخيرة لتزويدها بهذا السلاح لمواجهة تصعيد روسي ميداني متوقع مع بداية الربيع القادم.
وهو تطور يؤشر في أحسن حالاته إلى التباسات مربكة لإدارة بايدن، الذي يقف على عتبة الإعلان عن قراره بخصوص انتخابات 2024، والمرجح أن يكشف عنه بعد خطابه السنوي عن “حالة الاتحاد” في السابع من فبراير القادم.
وحسب التلميحات المسربة عن عائلته كما عن بعض المفاتيح الانتخابية المقربة جداً منه، مثل النائب جيمس كلايبورن، يتجه بايدن نحو خوض معركة الرئاسة للمرة الثانية رغم تقدمه في السن، إلا إذا فرضت عليه تداعيات قضية الوثائق السرية ومعركة المديونية العامة التأخير في الإعلان أو صرف النظر عنه في آخر لحظة.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: