ألقى رأس النظام السوري خطاباً بعد سبعة أشهر منذ آخر ظهور له واختار مكاناً قريباً جداً من مقر سكنه. وفي الوقت الذي كانت الكلمات تتحدر من فمه كانت راجمات الصواريخ والمدافع تدك مساكن السورين وتزهق المزيد من الأرواح البريئة الطاهرة.
لم يستطع رئيس المافيا الحاكمة بسوريا أن يفاجئنا بأي جديد، فكان خطابه محاولة لرفع معنويات أتباعه، والتظاهر بثقة موهومة ناتجة عن التواطؤ الدولي والعربي على الشعب السوري، بالإضافة للأداء الضعيف الباهت للمعارضة الأنانية، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً حين ظهر مهتزاً، متشنجاً حاقداً. فاشلاً في السيطرة على الوضع مستعداً للحوار مع أي كان إلا شعبه.
ربما يكون الجديد في خطاب بشار الأسد هو ظهور أعرض البارانويا بشكل واضح في خطابه، حيث أكد بأن الشعب والثوار ومن يقف معهم، لا مع المافيا الحاكمة ليس إلا عدو للوطن ولله وسيحرق بنار جهنم بعد الموت. وبما أن الثوار والشعب بزعمه:
- فنة من المجرمين ومن التكفيريين المنتمين للقاعدة، لذلك فقد أسقط عنهم الجنسية السورية عندما اعتبر أن من يسكن في سوريا؛ ليس سورياً إلا إذا دافع عن المافيا الحاكمة، وأنه لم يستخدم الحل الأمني ودليله على ذلك عدم تصريح أي مسؤول سوري بذلك. وأنه لم يجد سورياً واحداً مفكراً او يستحق أن يتحاور معه خلال٤٠ سنة من حكم عائلته العميلة. كما لوح بتقسيم سوريا وأن الربيع العربي ليس إلا فقاعة صابون وطائفية بغيضة، وأكد أنه ماض بتقسيم سوريا من خلال هتافات عناصره الأمنية التي ألغت كلمة سوريا من هتافاتها (الله، بشار والجيش المغوار).
كما رفض أي مبادرة تختلف عن رؤيته، وأن أي تفسير غير تفسيراته ما هي إلا أحلام، لذلك فقد شدد كثيراً على قضية التفسيرات والتأويلات والتفصيلات ظاناً أنها ستطيل عمر نظامه، وبرأيه ان أهم نقطة في مبادرته المزعومة هو إيجاد آليات لمراقبة المساعدات للشعب.
كما اعترف بجلاء شديد مرة أخرى أن الثورة كانت سلمية. وأن سلميتها لم تكن إلا قناعاً تسترت به لمدة ٦ أشهر ثم سقط القناع وظهر السلاح. وأن من يعارضه إمعة يعمل بأوامر غربية (وإسرائيلية) لذلك فهو سيحاور السادة وليس العبيد.
-
ولعل أغرب المفارقات “والمصادفات” أن يتزامن كل هذا الشذوذ مع زعمه بأنه لا تنازل عن الجولان الذي تم بيعه من قبل والده للكيان الصهيوني، حيث أعلن نتينياهو عن إنشاء سياج على الحدود السورية بدلاً عن الجيش السوري الأسدي الذي تراجع وانكفأ، وهذا يؤكد صحة رؤية ورشتنا ورؤية الوطنيين السوريين منذ أكثر من ٤٠ عاماً، بأن عمالة هذا النظام هي هويته الحقيقية.
-
لم يحتوِ الخطاب على أية مبادرة حقيقية بقدر ما كان محاولة لتثبيت حكمه حيث ابتعد عن أهم نقطة يطالب بها غالبية السوريين ألا وهي تنحيته عن الحكم، ما يشير بوضوح إلى رغبة وعزيمة متأصلة لدى النظام باستمرار التصدي لمطالب الشعب بالقتل والتدمير والتهجير. لقد أضاف الخطاب الأخير دليلاً جديداً على صدق وصواب مطالب الشعب وحقه في الحرية والكرامة وإقامة دولته الديمقراطية التعددية المدنية على أسس العدالة والمساواة واحترام القيم والحقوق الإنسانية.