مَا حُكْمُ ذَبْحِ العَتِيرَةِ (الذَّبِيحَةِ) في رَجَب (الرَّجَبِيَّةِ)؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأما ذبح العتيرة “الرجبية” فقد قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص117): “..كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة، واختلف العلماء في حكمها في الإسلام: فالأكثرون على أن الإسلام أبطلها، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» ومنهم من قال: بل هي مستحبة، منهم ابن سيرين، وحكاه الإمام أحمد عن أهل البصرة ورجحه طائفة من أهل الحديث المتأخرين ونقل حنبل عن أحمد نحوه. وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن مخنف بن سليم الغامدي –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعرفة: “إِنَّ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً، وَعَتِيرَةً” وهي التي يسمونها الرجبية، وفي سنن النسائي (7/ 169) عن نبيشة –رضي الله عنه- ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنَّا نَعْتِرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: «اذْبَحُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيِّ شَهْرٍ مَا كَانَ، وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا» وفي المعجم الكبير للطبراني (3/ 261) بسنده عن الحارث بن عمرو–رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعَتِيرَةِ، فقَالَ: «مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ»،
وفي سنن النسائي (7/ 171) عن أبي رزين–رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله كنا نذبح ذبائح في الجاهلية يعني في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لَا بَأْسَ بِهِ” وخرج الطبراني في المعجم الكبير(11/ 232) بإسناده عن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ: اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشٌ فِي الْعَتِيرَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَعْتِرُ فِي رَجَبٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعِتْرٌ كَعِتْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنْ مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَذْبَحَ لِلَّهِ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ فَلْيَفْعَلْ».
وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث وبين حديث: “لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ” بأن المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الذبح لغير الله، وحمله سفيان بن عيينة على أن المراد به نفي الوجوب، ومن العلماء من قال: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أصح من هذه الأحاديث وأثبت، فيكون العمل عليها دونها، وهذه طريقة الإمام أحمد، وروى مبارك بن فضالة عن الحسن قال: ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية، كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه” اهـ.
فالمسألة خلافية، وللمرء أن يقلد من أجاز، ولا إنكار في المختلف فيه.
على أن الذي يترجح لدينا هو الجواز، وأن المنع مقيد بالوصف الذي كان يوقعه أهل الجاهلية، والله أعلم.
عذراً التعليقات مغلقة