ذكري تحقيق وعد الحبيب محمد بفتح القسطنطينية

أشرف السعدني30 مايو 2019آخر تحديث :
ذكري تحقيق وعد الحبيب محمد بفتح القسطنطينية

ذكري تحقيق وعد الحبيب محمد بفتح القسطنطينية

 

صدق النبي صلي الله عليه وسلم، ستفتح لكم قسطنطينية ورومية، وقد تحقق وعد الحبيب محمد، وفتحت القسطنطينية، وإن شاء الله ستفتح رومية كما وعد الصادق المصدوق صالله عليه وسلم.

فقد فتح المُسلمون مدينة القُسطنطينيَّة، في 29  (مايو) 1453م، بِقيادة السُلطان مُحمَّد خان بن مُراد العُثماني، الذي اشتهر مُنذ ذاك الوقت بِالسُلطان مُحمَّد الفاتح، أو أبو الفتح مُحمَّد خان.

حاصر المسلمون المدينة لما يزيد عن شهر، بدايةً من 5 (أبريل) 1453م، وحاول البيزنطيُّون الاستعانة بِالغرب لِنجدتهم لكنَّ تلك المُحاولة فشلت، وكان لِلكفائة العسكريَّة وآليَّة الحرب العُثمانيَّة المُتطوِّرة القول الفصل في نتيجة هذا الحصار.

وفي صبيحة يوم 29  (مايو)، وبعد صلاة الفجر، بدأ الهجوم الإسلامي العام على القسطنطينيَّة، فبدأت المدفعيَّة تُطلق نيرانها مع بزوغ أشعَّة الشمس الأولى، وبدأ الجُند تحت ستار هذه النيران بالضغط على الأسوار، ومُحاولة تسلُّقها من جميع الجهات (على أنَّ الهجوم تركَّز على بوَّابة رومانوس بشكلٍ أساسيّ)، وأخذت فرق «المهتر» الموسيقيَّة العسكريَّة تضرب طبولها وتدوي أبواقها لإثارة حمية الجنود، ورجال الدين ومشايخ الطُرق الصوفيَّة يتجوَّلون بين صفوف العُثمانيين يُشجعون المُقاتلين ويتلون الأدعية ويُنشدون الأشعار والمنظومات الدينيَّة، ويُرددون الآيات القُرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي تحثُّ على القتال والجهاد في سبيل الله.

 

كانت الفرقة العسكريَّة الصربيَّة هي أوَّل من انقضّ على الأسوار، تلتها فرق «العزب» غير النظاميَّة، ثُمَّ الفرق العسكريَّة الأناضوليَّة، حيث تركَّز الهجوم على ناحية بلاشرنيا شمال غرب المدينة حيثُ تخلخلت الأسوار وتضعضعت بشدَّة واكتست بالثغرات بفعل القصف المدفعيّ العنيف. وقد نجح الأناضوليّون بدخول المدينة عبر تلك الثغرات، لكنَّهم ما كادوا يفعلون ذلك حتّى ردَّهم المُدافعون على أعقابهم. وأخذ البيزنطيّون يُخلون بيوتهم والشوارع ويلتجئون إلى الكنائس بعد أن هالهم رؤية العُثمانيّون وقد تخطّوا الأسوار، وامتشق بعض المواطنين السلاح ودافعوا مع إخوانهم الجنود عن المدينة.

استمرَّ الضغط العُثماني وتابع السُلطان يُعزِّزُ وحدات الجنود بصورةٍ مُستمرَّة، ولم تستطع أحجار المجانيق التي تُلقى عليهم أو قذائف المدافع أو النار الإغريقيَّة أن تُثني موجاتهم المُتتالية عن مُحاولات تسلّق الأسوار، وعندما ظهر للسُلطان أنَّ المعركة قد احتدمت دفع بخيرة الجُنود إلى القتال، وهم نُخبة الإنكشاريَّة، فانقضوا على الأسوار وألحقوا بالمُدافعين خسائر كبيرة، وأُصيب في هذا الهجوم القائد الجنوي يوحنَّا جوستنياني في ذارعه وفخذه، فانسحب ناجيًا بحياته، الأمر الذي سبب هلعًا كبيرًا في صفوف المُدافعين.

ويُقال أنَّ الإمبراطور البيزنطي توسَّله ليبقى، لكنَّه أجاب: «سَأَسْلُكُ الطَّرِيقَ التي فَتَحَهَا اللهُ للتُرْكِ». حُمل جوستنياني إلى جزيرة خيوس مُقابل الأناضول حيثُ توفي بعد أيَّام مُتأثرًا بجراحه. بقي الإمبراطور وحفنةً من جنوده المُخلصين يُقاتلون الإنكشاريَّة بعد انسحاب الجنويين ناحية المرفأ، فنجحوا في صدِّهم لفترةٍ قصيرة، لكنَّ فشلهم كان محتومًا، ففي تلك اللحظات تمكَّن ضابط عُثماني حديث السن يُدعى حسن الألوباطلي (ألوباطلي حسن) مع 30 جُنديًّا من رفاقه، تمكنوا من الوصول إلى أعلى نُقطة في السور الأوسط حيثُ ركَّزوا الرَّاية العُثمانيَّة، وفي تلك اللحظة انهالت عليهم السهام والنيران والرصاصات، فقُتل حسن الألوباطلي و18 جُنديًّا آخرًا، لكن الاثنا عشر البقيَّة حافظوا على الرَّاية فلم تسقط من أيديهم. ويُقال أنَّ الإمبراطور لمَّا شاهد الرَّاية السُلطانيَّة تخفق على الأسوار، أيقن أنَّ الأمر انتهى، فألقى برايته البنفسجيَّة أرضًا وانقض مع بقيَّة جنوده على العُثمانيين، فكانت تلك نهايته، حيثُ سقط قتيلًا مع جنوده دفاعًا عن وطنه. وأشار مؤرخون آخرون أنَّ الإمبراطور جُرح في الهجوم وسقط أرضًا حيثُ سُحق سحقًا تحت أقدام جنوده المُتدافعين، ثُمَّ رآه بحَّارٌ عُثماني فعالجه بضربة سيفٍ قطعت رأسه، بالمُقابل، قال نقولا باربادو الذي عاصر الحدث أنَّ قسطنطين شنق نفسه ما أن رأى العُثمانيّون قد اقتحموا بوَّابة رومانوس، لكنَّ ذلك يبقى أقل الآراء شيوعًا.

فتح الجيش العُثماني الذي دخل المدينة أبواب القلاع الواحدة تلو الأُخرى ويسَّر دخول كافَّة الوحدات العسكريَّة الأُخرى، ثُمَّ أخذ الجنود بالقضاء على أوكار المُقاومة الأخيرة، وساروا في تشكيلٍ نظاميّ نحو ميدان آيا صوفيا حيثُ تجمهر أهالي المدينة. وخصص السُلطان فرقًا عسكريَّة لحراسة بعض مواقع المدينة وأهمَّها الكنائس، مثل كنيسة الحواريين، كي لا يتعرَّض لها أحد الجنود بضرر. وفي عصر ذلك اليوم، دخل السُلطان المدينة على ظهر جواده الأبيض «جان بولاد» (أو جانبولاد = جانبولات = جُنبُلاط، أي ذي الروح الفولاذيَّة)، وقد بلغ من العُمر 22 ربيعًا، ونشر راية السّلام، وأُشير إلى أنَّهُ سجد على الأرض شاكرًا الله أنّ نبوءة الرسول مُحمَّد تحققت على يديه، ثُمَّ سار إلى كاتدرائيَّة آيا صوفيا حيثُ تجمَّع خلقٌ كثيرٌ من النَّاس فأمَّنهم على حياتهم ومُمتلكاتهم وحُرِّيتهم، وطلب منهم العودة إلى بيوتهم. بعد ذلك توجَّه إلى مذبح الكاتدرائيَّة وأمر برفع الآذان فيها، وأدّى صلاة العصر داخلها إيذانًا بجعلها مسجدًا جامعًا للمُسلمين، ثُمَّ أمر بالبحث عن جُثَّة الإمبراطور قسطنطين، فأُحضرت وسُلِّمت إلى الرُهبان ودُفنت بعد إقامة المراسم الروميَّة المُعتادة. وسُميت المدينة بعد فتحها إسلامبول ثُمَّ أصبحت إستانبول.

كان سُرور العالم الإسلامي بالفتح كبيرًا، فأُنيرت القاهرة، عاصمة الخلافة الإسلاميَّة آنذاك، وزُيِّنت شوارعها أيَّامًا طويلة، وأُقيمت فيها احتفالاتٌ عظيمة، وكذلك حصل في دمشق وسائر الحواضر الإسلاميَّة الكُبرى، وأرسل السُلطان المملكوي سيف الدين إينال، والسُلطان البهمني علاء الدين أحمد شاه، وحُكَّام مُسلمون عديدون سُفراء خاصّين لتهنئة السُلطان مُحمَّد الفاتح بهذا النصر.

تابع المزيد

مبادرات لحماية التراث الاسلامي للأجيال القادمة

المصدر ويكيبيديا

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة