اضطرت وزارة المالية مؤخراً لطرح اكتتاب محلي للحصول على القسط الأول من قرض داخلي بقيمة 150 مليون دولار يخصص لتمويل نفقات الموازنة.
يشترط صندوق النقد الدولي توفير استقرار سياسي وتوسيع الشراكة بين مختلف الأطراف والتوافق على إصلاحات مطلوبة تمهيداً لصياغة اتفاق يتضمّن برنامج قروض.
تواجه تونس صعوبات تمنع الخروج لأسواق عالمية نتيجة تراجع تصنيفها السيادي بعد ما خفضته وكالات التصنيف مع آفاق سلبية وتحذير من احتمال تخلفها عن سداد ديونها إذا لم تتمكن من تأمين تمويل كبير.
* * *
خلافاً للسنوات الماضية، حيث كانت تونس تحتفل بذكرى استقلالها بلقاء في قصر قرطاج، يجمع فيه رئيس الجمهورية شملَ الأطياف السياسية والشخصيات الوطنية، فقد تميز الاحتفال هذه السنة في 20 مارس الجاري بمرور 66 عاماً، والبلاد تشهد انقساماً سياسياً في ظل تباينات وخلافات متعددة ومتنوعة، ما حمل كل جهة أن تحتفل على طريقتها وفي مكان اختارته للدلالة على «رمزية» سياسية معينة.
واكتفى الرئيس قيس سعيد بتوجيه كلمة للشعب إثر جلسة وزارية أكد فيها أن «الاستقلال التام هو أن يمارس الشعب سيادتَه كاملةً داخل أرضه المستقلة».
ويبدو هذا المشهد مناقضاً لرغبة صندوق النقد الدولي الذي يشترط ضرورة توفير «الاستقرار السياسي»، وتوسيع الشراكة بين مختلف الأطراف في البلاد، والتوافق على تحقيق الإصلاحات المطلوبة، تمهيداً لصياغة اتفاق يتضمّن برنامج مساعدات وقروض لتونس.
لكن الرئيس سعيد استثمر المناسبةَ لفتح نافذة للحوار (رغم أنها ما تزال غامضة) معلناً أنه «سيتم إشراك الجميع في إبداء آرائهم ومواقفهم بالنسبة للنظام السياسي المقبل، قبل أن تبدأ لجنة صياغة التوجيهات العامة للإصلاحات الدستورية» عملَها، مؤكداً أنه «سيمضي في خطته بإجراء استفتاء في موعده المقرر في 25 يوليو المقبل».
وتشهد تونس هذه التطورات، بينما تستعد لاستقبال فريق مصغر من الصندوق قبل نهاية الشهر الحالي، للحصول على قرض بقيمة 4.3 مليار دولار، لتمويل عجز موازنة العام الحالي، وللوفاء بالتزاماتها الدولية.
وفي انتظار نتائج هذه المفاوضات التي قد تطول، بسبب شروط الصندوق القاسية، اضطرت وزارة المالية مؤخراً لطرح اكتتاب محلي للحصول على القسط الأول من قرض داخلي بقيمة 350 مليون دينار تونسي (نحو 150 مليون دولار) يخصص لتمويل نفقات الموازنة.
وذلك في وقت تواجه فيه البلاد صعوبات تمنعها من الخروج إلى الأسواق العالمية، نتيجة تراجع تصنيفها السيادي، لاسيما بعد ما خفضته وكالة «فيتش» للتصنيف الإئتماني إلى درجة «ccc» مع آفاق سلبية، وبعد التحذير الصادر عن وكالة «موديز» من احتمال تخلف تونس عن سداد ديونها في حال لم تتمكن من تأمين تمويل كبير، إضافة إلى قرار المؤسسة اليابانية «رايتينغ أند إنفستمنت» التي خفضت الترقيم السيادي لتونس إلى درجة«+B» مع آفاق سلبية، فضلاً عن تحذير بنك «مورغان ستانلي» من تخلفها عن سداد ديونها الخارجية، في العام المقبل، نتيجة تدهور ماليتها العامة.
ولذلك فإن تونس تعلق آمالاً كبيرةً على إمكانية إبرامها اتفاقاً مع صندوق النقد، لأن عدم تحقيق ذلك سيضطرها للاقتراض من البنوك المحلية التي بدورها ستلجأ إلى البنك المركزي، مع العلم أن عجز الموازنة يزيد على 3.2 مليار دولار، وينتظر أن يتضاعف مع تزايد فاتورة الاستيراد بسبب ارتفاع أسعار النفط، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وقد اعتمدت الموازنة الحالية على سعر 75 دولاراً لبرميل النفط، بينما تجاوز سعره الآن حدود 115 دولاراً، وتشير كل التوقعات إلى تواصل صعوده مع غياب النفط الروسي، مما يبرز خطورة هذا التطور على الأزمة المالية التونسية.
إذ أن كل زيادة دولار واحد في سعر البرميل تكلف صندوق الدعم وميزانية الدولة ما يوازي 120 مليون دينار (41.3 مليون دولار) إضافية، مما يتطلب المزيد من القروض لتغطية العجز، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع حجم الدين العام البالغ نحو 39 مليار دولار (73% منها ديون سيادية خارجية)، والتي تعادل 85% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
* عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية
المصدر: الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: