1- تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية، حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الأحادية.
2- تحولت أقاليم عديدة في هذا الكوكب إلى مسارح إستراتيجية مضطربة بدأت، أو أنها في انتظار دورها على البرنامج، وهي مسارح أو أزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفي جميع القارات كما جرى في يوغسلافيا أو البلقان وألبانيا والشيشان وبعض بلدان العالم العربى الآن، وما أصاب هذه البلدان من تفكك وخراب أعادها سنوات طويلة إلى الوراء، وكذلك الأمر في إندونيسيا وأزمة بلدان آسيا الاقتصادية والسياسية ، وفي الباكستان والهند وبنغلادش وسيريلانكا ، وفي أفريقيا : الصومال وجيبوتي وموريتانيا والكونغو وغيرها ، وصولا إلى بلدان أمريكا اللاتينية وتزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيها، بدءاً من المكسيك إلى كوبا إلى الأرجنتين وكولومبيا والبرازيل . وفي منطقتنا العربية تتفاقم هذه الأزمات ، حيث يتفجر صراع الوجود بيننا وبين العدو الصهيوني من جهة ، و تتفجر الأزمات الداخلية والصراع الدموى في العراق والجزائر والسودان ومصروليبيا وسوريا واليمن بين الأوطان والقوى الإرهابية المسلحة والمدعومة من الأمبريالية العالمية ، إلى جانب الاحتلال الإمبريالي الأجرامى الصهيونى لفلسطين .
3- إضعاف وتهميش دول عدم الانحياز ، ومنظمة الدول الأفريقية ، وجامعة الدول العربية ، و منظمة الدول الإسلامية ، و كافة المنظمات الإقليمية التي نشأت إبان مرحلة الحرب الباردة والتي تفقد اليوم بوصلتها ودورها .
4- إسقاط المنطقة العربية و دورها ككتلة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي ، و تجريدها من أي دور سوى الخضوع السياسي واستمرار تأمين المواد الخام ، وإقامة القواعد و الأحلاف العسكرية وفق ما حددته التوجهات والمخططات الإمبريالية الأمريكية لمنطقتنا العربية ، و نكتفي هنا بالإشارة إلى المجالات الرئيسية لهذه التوجهات طالما بقي الوضع العربي على حاله الراهن:
أ- تزيد تفكيك الدول العربية بتأجيج الصراع الداخلى والمسلح وضرب البنى الأساسية للدولة ومقوماتها وتفتيتها كما فى النموذج السورىوالعراقى والليبى .
ب-استمرار عملية التسوية والتطبيع مع إسرائيل و الدول العربية ، وفق الشروط الإسرائيلية – الأمريكية من ” واي بلانتيشن” إلى “خارطة الطريق” وصولا إلى “خطة شارون/أولمرت” الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بعد تحطيم ثوابته و أركانه الأساسية و مقوماته التاريخية و الشرعية الدولية .
ج-استمرارتدمير العراق لضمان السيطرة على ثروته النفطية ، وإخضاعه للسياسات الجديدة وتعريضه لمحاولات التفتت الداخلي، علاوة على إخضاع وتكريس تبعية معظم الدول العربية الأخرى بل وعمالة بعضها الفاضحة للنظام الأمريكي وحليفه الصهيوني المسيطر في بلادنا. وكما هو متضح بقوة فى إدخال التنظيم الإرهابى داعش إليه .
د-استمرار الهيمنة أو السيطرة المباشرة على الخليج و الجزيرة العربية كمنطقة نفوذ أمريكية بصورة شاملة و كلية واستخدامها كمثبط لهمم الأنظمة الوطنية وممول لحركات ضربها وتفكيكها لصالح الهيمنة الأمريكية .
هـ – الوقوف في وجه أي إمكانية لأي شكل من التحالفات أو التكتلات العربية الاقتصادية و السياسية إذا حملت في طياتها حداً أدنى من التعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكي والأهداف والمصالح الصهيونية .
و- فرض السياسات الاقتصادية وفق مقتضيات الخصخصة وأيديولوجية الليبرالية الجديدة عبر مركزية دور القطاع الخاص في إطار تحالفه العضوي مع البيروقراطية العليا أو النظام الحاكم المعبر عن الطبقة السائدة في بلادنا، خاصة وأن القطاع الخاص في بلادنا العربية قد تحول- إلى حد كبير- إلى جهاز كومبرادوري كبير في خدمة النظام السائد ونظام العولمة الإمبريالي في آن واحد، بعد أن ألغى هذا القطاع ( الخاص ) ـ في معظمه – كل علاقة له بالمشروع التنموي الوطني أوالقومي بل وتفريغه من أية محتوى إنتاجى إستراتيجى إلى المحتويات الاستهلاكية والخدمية بل والأقل جودة وصلاحية عن مثيلاتها الأخرى عالميا واستخدامه كأداة تهريب للنقد إلى خارج الدول وتهريب الممنوعات والنفايات إليها وإعادة تصنيعها بها والقيام بالمشروعات المضرة بالبيئة داخل بلادنا بالإضافة إلى تجنيد العملاء من الداخل وتوطين العملاء من الخارج بداخل البلاد ، وأصبح همه الوحيد الحصول على الربح ولوعلى حساب مصالح وتطور وحياة مجتمعاتنا العربية واستقلاله الاقتصادي.
ى- دعم دولة العدو الإسرائيلي كركيزة إمبريالية متقدمة في المنطقة تضمن استمرار حماية كافة المصالح الأمريكية والغربية في بلدان وطننا العربي، بل وصارهذا الكيان الصهيونى يتمتع بتأييد القوى العربية العميلة والدفاع عن مصالحها ومناهضة المقاومة العربية والدعوة إلى حصار هذه المقاومة فى الأوساط العربية المتنوعة الرسمية وغير الرسمية حيث ترى هذه الأنظمة أن المقاومة خطر عليها بالتساوىمع الكيان الصهيونى .
وكما يقول “بات روبرتسون: لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية ، لقد أصبح وكأنه إنجيل.” و بات واضحاً أن تطبيق مبدأ “القوة الأمريكية” و بمشاركة أوروبية ساهم بصورة مباشرة في تقويض النظام الدولي في عالمنا المعاصر ، خاصة و أن حالة القبول أو التكيف السلبي بعد أن فقدت دول العالم الثالث عموماً ـ عبر أنظمة الخضوع والتبعية – إرادتها الذاتية و سيادتها ووعيها الوطني ، و كان استسلام معظم هذه الدول أو رضوخها لقواعد و منطق القوة الأمريكية ، مسوغاً و مبرراً ” لشرعية ” هذه القواعد من جهة ، و الصمت المطبق على ممارساتها العدوانية في كثير من بقاع العالم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أخرى ، كما يجري اليوم في بلادنا عبر تحكُّم العدو الصهيوني في مستقبل قضيتنا الوطنية ، ومحاولته المشاركة في السيطرة على مقدرات شعوبنا العربية كلها ، بعد أن أصبح النظام العربي في معظمه مهمشاً وفق شروط الهيمنة الأمريكية المتجددة التي جعلت دور الدولة في بلادنا ـ كما في بلدان العالم الثالث أيضاً- يقتصر على الجانب الأمني والقمعي لحماية المصالح الرأسمالية الخارجية والداخلية المتشابكة ، بعد أن نجحت هذه الشروط في تصفية دور الدولة الإنتاجي و الخدماتي الذي كان مخصصاً في المرحلة السابقة لتغطية بعض احتياجات الجماهير الشعبية فيها . وبتراجع دورالدولة الوطني والاجتماعي ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية و الكومبرادورية و الطفيلية ، باسم الخصخصة و الانفتاح ، مما أدى إلى تفكك الروابط الوطنية والقومية والإقليمية ، إلى جانب عوامل التفكك و شبه الانهيار المجتمعي الداخلي المعبر عنه بإعادة إنتاج و تجديد مظاهر التخلف بكل مظاهره الطائفية والإثنية والعائلية والدينية …الخ ، التي ترافقت مع تعمق الفجوات الاجتماعية ومظاهر الفقر المدقع بصورة غير مسبوقة فيها .
5 ــ ومن تطورات مجمل كل هذه السياسات الواقعية التى تم تنفيذها يعيش العالم العربى حالة التآمر الكبير والعلنى والذى يستهدف الآن مباشرة وحدة بلدانه وتقسيمها وتفتيتها إلى دويلات واستهداف الثقافة العربية وجذورها وخطابها التاريخى ، وتحطيم الانتماء العربى ومن ثم ندمير وطمس الهوية العربية وطنيا وقوميا وتدمير بنيتها المدنية والقضاء على كافة نواحى القوة فيها ، وما يحدث الآن فى سوريا وليبيا والعراق ومحاولات ضرب مصر ، هى خير مثال على ذلك ، بتسييد الفكر التكفيرى بفاعلياته الدموية الإجرامبة تحت مسميات إقامة الدولة الإسلامية ، إقامة الخلافة الإسلامية ، إقامة إمارة إسلامية ، الجبهة الإسلامية ، المشروع الجهادى للدولة الإسلامية ، الجهاد أولا وتأجيل بناء الدولة إلى مابعد إسقاط الإنظمة الكافرة ، نصرة الحق ضد العلمانية الكافرة ، وبمخطط تنفيذى استعمارى يستهدف إعادة الاستيلاء على العالم العربى وبتوظيف الجماعات الإرهابية”وباستحدام التنظيمات الإرهابية” العابرة للقارات والبلدان ” كداعش التي تجعل منها تهديدًا خطيرًا لكل المنظومة الإقليمية ، وفى صراع الإسلام مع الإسلام لصالح سيطرة الحكومة العالمية “السوبر باور” على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر وبما تعنيه لديه “الحكومة الصهيوأميركية العالمية” وبعدما فشل الغرب الاستعمارى فى حربه الصليبية كما صرح الرئيس الأمريكى جورج بوش والتى نفذها على عراق صدام حسين وباستغلال تنظيم القاعدة الإرهابى فى غزو أفغانستان ، وبكونها “الحرب الأيديولوجية للقرن الحادي والعشرين” كما صرح بوش الإبن وفى “صراع المجابهة الكبرى مع الدول الإسلامية” كما صرح الجنرال جون كاليفان الذي شغل منصب القائد الأعلى لقوات حلف الأطلسي منذ يناير 1987 حتى يونيو 1992 ، وكما أوضح الكاتب المفكر محمد حسنين هيكل أن الغرب الأمريكى الأوربى يستهدف الزحف على خطين وبحركة كماشة على الجناحين تطوق وتحاصر، الخط الأول مرئي مسموع محسوس ومسعاه اغراق المنطقة في صراع اسلامي – اسلامي، وبالتحديد سني شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات، عندما سقط النظام الامبراطوري في ايران، وحل محله نظام الثورة الاسلامية.أما الخط الثاني لهذا المشروع الامريكي – الأوروبي فهو الخط الموازي لخط الفتنة والذي يزحف بسرعة لافتة حتى يسبق غيره والمتمثل بتقسيم المنطقة على طريقة “سايكس بيكو” مع تعديل ما تقتضيه متغيرات الاحوال .
لمطالعة المقال الأول من هذه السلسلة من هنا: الواقع العالمي