نجح الفلسطينيين في فرض قواعد اشتباك جديدة تعود إلى الأحداث التي شهدتها فلسطين العام الماضي.
دوائر صنع القرار في إسرائيل أصبحت تخشى من أي تدهور أو تصعيد في القدس، وتحسب له ألف حساب.
“معركة سيف القدس” دفعت الاحتلال إلى تجنب التصعيد الكبير وإن كان قد واصل اعتداءاته على الفلسطينيين وعلى المقدسات في القدس.
رابط أكثر من ربع مليون فلسطيني في الأقصى وزقاقه بالأيام الأخيرة من رمضان ما يؤكد أن إجراءات الاحتلال فشلت في منع الفلسطيني من الوصول للحرم.
إسرائيل تريد مواصلة الاعتداء على المصلين والأقصى وكنيسة القيامة لتأكيد سيادتها لكنها تقوم بذلك بدقة بالغة وتتجنب تصعيدا كبيرا كـ”مسيرة الأعلام” أو اقتحامات كبيرة.
* * *
بقلم: محمد عايش
انتهى شهر رمضان المبارك بجملة من الدروس الجديدة، التي أرسل بها الفلسطينيون من القدس والمسجد الأقصى إلى الاحتلال، كما انتهى الشهر الكريم، من دون أن تندلع حربٌ جديدة كما كان يتوقع الكثيرون، فضلاً عن أن قوات الاحتلال وإن كانت قد اقتحمت الحرم الشريف وقامت بتدنيسه، إلا أن المستوطنين فشلوا في المقابل في ما كانوا يخططون له هناك.
ما حدث في المسجد الأقصى العام الحالي هو أن الفلسطينيين نجحوا في فرض قواعد اشتباك جديدة، وهذه القواعد تعود إلى الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية العام الماضي، بما فيها “معركة سيف القدس”، وهو ما دفع الاحتلال إلى أن يتجنب التصعيد الكبير، وإن كان قد واصل اعتداءاته على الفلسطينيين وعلى الأماكن المقدسة في القدس.
المعادلة الجديدة التي أصبحت مفروضة اليوم في القدس، هي أن إسرائيل تريد أن تواصل الاعتداء على المصلين وعلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، من أجل القول إنها صاحبة السيادة على المكان، لكنها في الوقت ذاته أصبحت تقوم بذلك بدقة بالغة وتحاول أن تتجنب التصعيد الكبير، بما فيه السماح للمستوطنين بتنفيذ “مسيرة الأعلام”، أو إدخالهم باقتحامات كبيرة، وهذا معناه أن دوائر صنع القرار في إسرائيل أصبحت تخشى من أي تدهور أو تصعيد في القدس، وتحسب له ألف حساب.
القواعد الجديدة التي طرأت في الأرض الفلسطينية اعتباراً من العام الماضي تتلخص في أن القدس لم تعد وحدها، وأن الفلسطينيين أينما كانوا لا يُمكن أن يتعاملوا مع هذه المدينة المقدسة على أنها ليست لهم.
وهذا ينسحب أيضاً على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، الذين هبوا العام الماضي (2021) لأول مرة مع هبة المقدسيين وانتفضوا ضد الدولة الإسرائيلية، لأول مرة، إذ لم يسبق أن حدث سابقاً ما شهدناه العام الماضي بما في ذلك خلال انتفاضة الأقصى في العام ألفين، التي بدأت عندما اقتحم أرييل شارون الحرم القدسي الشريف.
ثمة ملاحظة أخرى مهمة وردت من المسجد الأقصى هذه المرة أيضاً، وهي أن أكثر من ربع مليون فلسطيني كانوا يرابطون فيه وفي زقاقه خلال الأيام الأخيرة من رمضان، وهو ما يعيد التأكيد على أن كل إجراءات الاحتلال فشلت في منع الفلسطيني من الوصول إلى الحرم، سواء من كان منهم في الضفة الغربية، أو داخل الخط الأخضر.
بل حتى الجدار الفاصل لم يحل دون وصول الآلاف من أبناء الضفة الغربية الذين وجدوا الطرق والوسائل التي تجعلهم يصلون إلى المسجد الأقصى، رغم كل الإجراءات ورغماً عن الجدار.
تأتي كل هذه الدروس والإشارات من المسجد الأقصى، رغم أن الاحتلال يقوم بعمل ممنهج من أجل طمس أية معالم عربية في القدس، إذ تشير الأرقام الرسمية والإحصاءات إلى أن أكثر من ثلث أعمال الهدم التي تستهدف منازل الفلسطينيين تتم في القدس المحتلة، كما أن أعداد الفلسطينيين الذين أصبحوا بلا مأوى خلال العامين الأخيرين زادت بأكثر من 20%، إضافة إلى الكثير من البيانات والحقائق التي تؤكد وجود هذا المشروع الإسرائيلي.
والخلاصة أنه رغم كل إجراءات الاحتلال ومشاريعه في القدس المحتلة، فإن شهر رمضان المبارك ينتهي بجملة من الدروس أهمها أن ثمة شعبا فلسطينيا أصيلا على هذه الأرض موجود ويُدافع عن القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
وقد نجح في فرض معادلة جديدة وقواعد اشتباك جديدة يفهمها الإسرائيليون اليوم جيداً، ويحسبون لها ألف حساب، ولذلك منعوا “مسيرة الأعلام” وحاولوا اختصار التصعيد، ولم يتصدوا لربع مليون إنسان احتشدوا للصلاة في الأقصى المبارك في ليلة القدر.
* محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: