دراسة نقدية فى قصيدة “نقود الملاحم” للشاعر أبوزيد بيومى

الشاعر ع6 يناير 2019آخر تحديث :
دراسة نقدية فى قصيدة "نقود الملاحم" للشاعر أبوزيد بيومى

الشاعر الدكتور أبو زيد بيومى ،من كبار شعراء العامية ،فى مصر وسبق ان صدر له مجموعة دواوين شعرية مختلفة، وهو عضو اتحاد كتاب مصر ،وعضو النادى الادبى بمدينة سوهاج ،ولة صوتة المتميز فى مجال شعر العامية، وتشم فى قصائدة رائحة العبق والمجد للاوطان ،والاخلاص للمفردة الشعرية والصورة المتكامله للقصيدة العامية ،التى تحمل اكثر من معنى ،والتى يعبر من خلالها عن قضايا وطنية ملحة ، نقدم اليوم احدى الدراسات النقدية حوالين اعمال بيومى، وهى للناقد الاستاذ “وليد صابر شرشير ” والذى يتناول فيها قصيدة ” نقود الملاحم ” بالنقد والتحليل .

نقود الملاحم
في قصيد حصان حلاوة.. من نرفزة الذكريات..
تحليلٌ أصاليّ لشعر أبي زيد بيّومي

يبدو أنّ الحقيقيّين يريدون منّا عناء البحث؛ وأصالتهم تجعلنا ندأب على الحرص على متابعتهم وتقييم نتاجهم.. لكي لا يختلط الحابل بالنابل..
القصيدة: حصان حلاوة..
ــــــــــــــــــــــــــ
كان معاها عروسة لعبة
كان معايا حصان حلاوة
كان حصاني خيَال بيرمح
و فْ عنيها بساط شقاوة
نسبق العقل الصُغَيّر
نِخْلِق الحدوتة رايحة
ناحية الحلم اللي جاي
***

بهذا يبدأ شاعرنا ملحمة التذكّر والتداعي.. ناسجًا من خيوط وعيه إرهاصات القادم بما في يد الوعي السالف.. والمدخل السابق به تيمات واعية من سبكٍ إيقاعيٍّ سلسٍ بألفاظٍ متحرّرةٍ شجريّةٍ تلقائيّة؛ فبدء التيمة الحكواتيّة بـ “كان” خلق الوعي بمدى الزمان الضامّ الأقدم في نشوئه الأحدث؛ بمعنى أنّ التداعي يبدأ من حيثيّة التذكّر، والإمعان في التشوّف، وكأنّ اللفظة الشجريّة هنا تقول لك بدءًا فُرادى ومثنى: كُن.. تكون.. كنتَ.. كون..
وبتلك اللفظة السحريّة الأصاليّة يُدخلنا الحكّاؤون دنيا المشيئة والسحر، وينغزل الإطار بعدُ عند شاعرنا بالتعدّد الذي يظهر التلقائيّة في: معاها ومعايا.. الملكيّة التي توقف الحدث وتوثّقه في إمكانيّة التلاقي؛ على أنّ الملكيّة ستبدأ تتأطّر بكنه المملوك هنا: عروسة لعبة.. حصان حلاوة..
يبدو الفلكلور والأصالة في عناصر صميميّة؛ وتنشأ الجدليّة والرتم الإيقاعيّ.. بين عروسة لعبة وحصان حلاوة.. إيقاع الحفل والصخب والملحميّة الدافقة من أبسط العناصر وأعقدها في عين الـ”كان”.. والتداعي الأصيل في عين الـ”الكائن” الشاعر ووعيه/قناع الفكر..
لكن الابتكار الأصاليّ ينشأ متمرّدًا ضاخًّا ضاجًّا بمركّب شاهق:
و فْ عنيها بساط شقاوة
نسبق العقل الصُغَيّر
نِخْلِق الحدوتة رايحة
ناحية الحلم اللي جاي

فبساط الشقاوة يسبق العقل الصغيّر.. يخلق الحدوتة رايحة ناحية الحلم اللي جاي.. تصفيق حادّ.. ونجمة أصاليّة بازغة، فالشاعر سيعقد بذلك التركيب المبهر ملحمة السحر، ويأخذنا لحضن الحكاية الوارف؛ فالتضاد الأخّاذ يبتدره الشاعر ويوظّفه في روعة الأداء الشعريّ هنا.. حيث: رايحة وجاي.. والتقابل الحميد والمنعش معًا في: الحدوتة رايحة.. الحلم اللي جاي..(أوّل المبتكرات هنا)..
________________
يستأنف الشاعر ملقيًا ما سيأتي على كتف المبتكرات المتضافرة؛ لنعلم أنّ الحكي يجب أن نمهّد له بقوّة، وهو بهذا من ذوي الملكات الحكواتيّة والروائيّة التليدة؛ يقول الشاعر:-
ننسى دنيانا اللئيمة
نلعب اللعبة القديمة
والخيال يملا سماها
طير يرفرف في سماي
يلقى جوّة قلوبنا عشة
كلها ضلة و طراوة

وعلاوة على قفلة الدور والدفقة برويّ دالّ كالياء الساكنة، وتوقّفنا عنده منبهرين نلتقط الأنفاس؛ نجد الشاعر المسافر بنا على بساط الشقاوة للحلم القادم بمتواليات وإيقاعات الحدث الأصيل الباذخ يعزف بأصالة على خيال الصغار بمنهج وإحساس الـ(كان/كائن)..
جاء “التمويل” ونهجه كعنصر أصيل في مجالات الزجّال والشعر المحكيّ ليملأ خيالنا وقلوبنا بالشغف.. وقد أكّد على ذلك بقوله: والخيال يملا سماها
طير يرفرف في سماي.. والجناس التامّ بين سماها وسماي خلق الموسيقى التى يريدها ذوّاقة الشعر؛ فليس بدعًا أن يأتي الشاعر بهذا – فهو كثيرٌ في شعرنا العربيّ فصحى وعامّية – ولكن كنه الإتيان والصياغة!.. الأمر هنا في يد موهوبٍ يعرف للصناعة حقّها.. والجناس أتى متوائمًا مع الفارقيّة الناتجة؛ فالخيال الذي يملأ سماء المحبوبة الصغيرة حينذاك كان في الوقت ذاته طيرًا يرفرف في سماء المحبوب حينها!.. فارقيّة أصاليّة كبرى.. كثيرون يقدرون على جلب عشرات الجناسات ولكن ليس كمن يعلم مواضع الخطو فيخطو واثق الشعر..

___________
نقسم الأدوار ما بينّا
انتي سِتّ البيت حبيبتي
وانا راجل مَلْو عينك
انتي راضية باللي حيلتي
نور عنيّا من جبينك
ينزل الفارس بسرعة
من على حصانه الحلاوة
والعروسة تروح لحضنه
تبتدي اللعبة بهداوة

تبدأ الملحمة والتي ستحدّد الأطر الراسمة لمعالمها ودنياه وأبعاد الحدث والإحساس به أمرًا خارقًا وطبيعيًّا في الحين ذاته؛ بتقسيم الأدوار من خلال اللعبة الساذجة التي يقيمها الصغار في كلّ مكانٍ تقليدًا للكبار.. تمثيلًا حكائيًّا للبعد البيئيّ الضامّ.. استطاعة التقليد بأوليّات الإحساس العفويّ.. الزوجة والزوج/العروس والعريس في بيئتنا المصريّة وخصوصًا الأرياف..
وهنا الدراما كلّها إيقاع غير مسبوق.. ويعلو الإيقاع بلفظة: بهداوة.. على غير المتوقّع؛ وهنا أصالة ونجمة تقييميّة على مستوى الإيقاع والنقل النوعيّ..
وإن كنّا لا نرضى للشاعر أن يتحذلق بشيء أبعد عن دنيا الصغار في: انت راضية باللي حيلتي.. بعيد كلّ البعد عن أفقٍ غضّ حتّى لو أدرك يفاعةً.. وحتّى لو انتقل الأمر لحيّز التخييل؛ فقد فصلنا هذا عن روعة الملحمة المتوالية بإيقاعها الزاخر..
تحت بير سلّمنا نشطح بالخيال
من تلك النقطة سيبدأ الحكي، وسينطلق العنان لرسم التأطير الزمانيّ والمكانيّ وأبعاد الحلم/الخيال، وسيتّضح ذلك في قوله مفصّلًا بعد إجماله السابق:
ديّة أوضة نوم و دِيّة …
تبقى أوضة للعيال
والسرير حتّة شوال
جنبه هيكون الدولاب
ديّة حيطة و ليها باب
أما لما نحب ناكل
نعجن العيش بالتراب
نجمع الطوب م الشوارع
نقسمه بينّا غموس
ثمّ المفارقة الدالّة.. عنصر اللعب:
أعمل إنّي هاروح لشغلي
لجل أجمعلك فلوس
نيجي آخر الليل بتاعنا ننام شويّة
كل يوم ع الحالة ديّة
لينا غير الناس حياتنا
المواسم دي براحتنا
ليلنا غير الليل
ويومنا … ليه نـهار غير النهار
والأصالة المبتكرة في: يومنا ليه نهار غير النهار.. مقابلة حيّة دسمة مع ليلنا غير الليل (وإن كانت غير موازيّة لإيقاعيّة ووفرة الأخرى)..
وثمّة أمور في الدفقة عاليه؛ وهو الرضى بالمقسوم وضبط الأعصاب وإيقاع الحياة.. كجمال الناس البسطاء الذين لا يجرون كجري الوحوش.. الحياة طيّعة.. المهمّ الراحة والطمأنينة والحبّ/السلام..
ثمّ يستأنف شاعرنا ملحمته ليدخل عقدة الرواية وذروتها بـ:
مرت الأيام خَضَار
ع العروسة والحصان
إّلا مرة شافنا صدفة واد جبان
حَب يدخل في الحكاية غصب عنّا
خد حصاني وحَب يلعب
دوري قدام العروسة
إيد حبيبتي جت في إيدى
دمّها راح ساب عروقها
واستخبّى فى وريدي

الأصالة المبتكرة في هذا الأصاليّ المميّز.. (دمّها راح ساب عروقها.. واستخبّى في وريدي).. ائتلاف وروعة.. موقف مشحون مصوّرٌ بعناية، يتلاطم.. يندغم في فواصل عدّة واتّصالات مبهرة؛ والروعة في الصورة البكر عندما تنحدر من أقيانوس عليم درب.. فالدمّ هرب من عروقها خوفًا كقول العامّة (دمّه هرب من الخوف).. ثمّ الروعة عندما يختبئ في وريد الحبيب ذي الدور الأساسيّ في الملحمة.. ثمّ يتنامى الحدث رويدًا رويدًا ليتسامى:
قال لنار القلب قيدى
وفْ عنيّا بان وعيدي
من إيديه خدت الحصان
قلت له بشوك اللسان(أصاليّة مبتكرة)
ف حكايتنا مفيش مكان . . لحدّ تالت

كان على الشاعر أن يرسم فارسه خالد الطلعة والطوالع؛ في سكناته وحركاته؛ فالفارس النبيل شجاعٌ لا يرضى بالهوان، وهو كأبي زيد سلامة وعنترة العبسيّ في الحكي الشعبيّ لا يجفل ولا يتراجع.. وقد وضّح ذلك الشاعر بألفاظ كـ: وعيدي.. خدت.. شوك اللسان(المبتكرة أصاليًّا).. وانتصار الفارس يتبدّى بكلّ إرهاصاته ود

ودلالته وقوّته الضمنيّة والمحكيّة والمأمولة!؛ في التالي:
من كسوفه عيونه مالت
نَفْسُه حَطّت غيظ وشالت
راح بسرعة لسانه فالت
قال لابويا ..
وطبعًا فدور اللئيم والزنيم الأضعف الوسوسة وإرباك المشهد؛ وهذا ما فعله المتطفّل على هناءة البطل والبطلة في ملحمتنا الهاتفة.. وذهب لينقض غزلًا سماويًّا، ويفتّت قمر الوجد والهيام والوصل بـ: قال لابويا.. أبو زيد كشاعر يحوي المواقف وكحكّاء يبدرها.. ويعقّد الحدث ليصل لذروته دون إخلال بإيقاعٍ عظيمٍ يتنامى، ودون هدر لروح الشاعريّة المتطلّقة تخييلًا وانسجامًا وعذوبة.. ويستمرّ في رسم خساسة البطل النقيض/الدخيل:

و قال لابوها
راح جابونى … و جرجروها
حذّروني…. وخوّفوها
قطّعوا هدوم العروسة
كسّروا منّي الحصان
هل البطل الفارس يستسلم لمثل هذا؛ في ملحمته الحكائيّة يأبى أبو زيد على فارسه الرضوخ لمثل هذا؛ يعاند ويتبلور عناده في التالي:

جوّة منديلي جَمَعتُه
بالدموع والذكريات
مهما عمري بيّا عدّى
والزمان عليّ فات
كل حاجة عندي ترخص
إلا هوّ يزيد غلاوة

فتجميع عنصر الجمال لمواجهة القبح.. للتمرّد على الفصل بوصل الذكر والذكرى.. للوقوف بالزمان في خانته الجهنّميّة لصناعة البرزخ الموازي المواصل دنياه جذبًا وطروقًا.. ويكمل لفارسه بنبل:
مهما طعم الدنيا مرّر
أو في وشّي الكون يكشّر
والعقول تزداد غباوة
مهما الاقي الكون أناني
أو فِ بير غدره رماني
أفتكر دايما حصاني
لعب أيام الشقاوة
والأصالة المبتكرة في تكشيرة الكون وأنانيّته وبئر غدره، وهو الأمر الذي يستدعي أنّ الملحمة تواجه هولًا ضخمًا.. مواجهة الزمان والمكان والشخوص وأطياف الماضي ومرارة الحاضر؛ جعل الفارس متمرّدًا بحصانه الدالّ كتميمة باقية تصنع التصميم والجمال رغم كلّ شيء.. وعلى هذا يستمرّ لينهي الأمر في سلاسة تعبر الحدود.. يقول:
آخد الأحلام فِ حضني
وافرد المنديل و اغنّي
كان معايا حصان حلاوة
كان معايا حصان حلاوة

بهذا ينهي أبو زيد ملحمته المشحونة والمشحوذة، ويترجّل الفارس؛ وإن كنت أصاليًّا أرجو للعمل هنا أن يزداد كمًّا؛ فهو يحتاج في وسطه الكثير؛ فهو كعملٍ عظيمٍ لا تجب فيه الخطفة والومضة والإبراق؛ بل يجب أن يعمل عليه الشاعر.. فنفسه الملحميّ الرائع يمنح عملًا كهذا تميّزًا إنسانيًّا يتخطّى المحلّيّة ويصل للعالميّة بكلّ اقتدار..
أصالتي..
وليد صابر شرشير/مَجْمَع الأصالة

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة