دراسة نقدية فى ديوان قصص “ثمة حارس يفزعه الوقت”

الشاعر ع28 يناير 2019آخر تحديث :
دراسة نقدية فى ديوان قصص " ثمة حارس يفزعه الوقت"

دراسة نقدية فى ديوان قصص ” ثمة حارس يفزعه الوقت”

السردية الذاتية بين فزع الوقت ووقت الفزع ،قراءة في ديوان قصص : ثمة حارس يفزعه الوقت  ،للقاص والروائي الكبير : إيهاب الورداني
بقلم
المستشار صالح شرف الدين
عضو لجنة النقد باتحاد كتاب مصر
…………………………..

Image 003 16

الاديب : ايهاب الوردانى          الناقد صالح شرف الدين

المحتويات

فيديو أغنية ” بالحلم ” للفنانة اللبنانية آنجي شيّا


أ-المقدمة :
-الإنسان إنسان منذ خلقه الله من طين الأرض ،وخلق له زوجا ،وأسكنه الجنة ،وقال له :افعل ولا تفعل ،وفتن به إبليس الذي رسب في الامتحان ،وعصى أمر الخالق غرورا ،فلما انتبه لفعلته ،طلب مهلة حتى لا يذهب إلى العذاب وحده ؛فأمله الله ،وحفظ الإنسان من فتك إبليس المباشر بالحفظة ، ومن فتكه غير المباشر بتتابع الرسل وبرسالات السماء التي تهدي وترشد ،وتؤكد تفضيل الله للإنسان بالرحمة والغفران ومحبته له ،وكان السلطان الذي لا يخشى شيئا من يلوذ به ، هذه المحبة من الرحمن تمتد زمانا حتى يوم القيامة ،وتمتد مكانا بعرض السماء والأرض ، ولا يمنع ذلك من سعي تلك القوى التي ترانا ولا نراها كي تضلنا ،وتجعلنا نذهب معها إلى الجحيم ، وتستعين في إضلالنا بكل الوسائل ، وكم سقط الكثيرون في جب الخطيئة ،ولم يصمدوا أمام إغراءات الشجرة الممنوعة ،التي كانت ومازالت جوهر الصراع بين الطاعة والمعصية ،هذا الصراع المستمر إلى ما شاء الله ،وهذا الصراع دافع من أهم دوافع الإبداع ، يحفز الإنسان ليقاوم القبح رغبة في زيادة مساحة الحق والخير والجمال ،وما أروعه من هدف للإبداع في كل زمان ومكان ؛حتى لو كان الإبداع ذاتيا لا يحمل أبعادا إنسانية ،فهو إبداع إنسان خلقه الله وكرمه وسخر له ما في البر والبحر ، لكنه يعاني في الدنيا لأنها دنيا ،يبتلى فيها بالخير أيشكر أم يكفر؟ ،وبالشر أيصبر أم يكفر ؟
ومن منا يقدر على أن يوفي الخالق عز وجل شكر نعمه التي لا تعد ولا تحصى.؟

أهم وأحدث أخبار الفنانين والفنانات العرب


،ومن منا يقدر على الصبر مهما كان البلاء .؟
-خواطر ومشاعر استدعتها قراءتنا لكتاب :ثمة حارس يفزعه الوقت ،والتي لم تقف عند حدود النص الشكلية ،ولا حتى المضامين ،وإنما أبحرت في عوالم غير محدودة تستدعيها الانزياحات والمعادلات الموضوعية والرموز والواقع المأزوم ،والمساحات التي تتسع بين الحلم وبين واقعه على الأرض ، وبين الأقوال والأفعال ،وبين العادات والعبادات …
-ما تحت أيدينا مصنف إبداعي قد يستعصي على التصنيف التقليدي :أهو مجموعة قصص قصيرة أو خواطر إبداعية شاعرية أو ديوان قصص كما سطر المؤلف أو نثر فني بلا أطر محددة ؟
-مهما كثرت التساؤلات ،ومهما كانت الإجابات فالواقع يقول :إن ما بين أيدينا نص بكل ما تحمل كلمة النص من معان.
-نص يعتمد على السرد ،نص روائي ، ولا نقصد الرواية التقليدية بعناصرها :الزمان والمكان والأشخاص والعقدة والحل والبناء الفني ،ولا الرواية الذهنية ،ولا حتى الرواية التجريبية ، فالرواية هنا أقصد بها: الحكاية والسرد المنطلق من أطر التصنيف المسبق ، الذي مهما انطلق من هذه الأطر يظل نصا له عنوان هو عتبته الأولى ،وله بداية ووسط ونهاية ،وهناك شخوص يحكي عنها ،وأحداث يتناولها ترتبط بزمان ومكان ، وينقل كل ذلك بلغة نفهمها ، تتكون من: حروف وكلمات وجمل وأساليب ،وفقرات ،ونصوص ،وعلى أساس ذلك سيتم تناول نصوص الكتاب.

أخر أخبار نيللى وهيثم ومنة وعزمى


………………………………..
ب-التقديم :
إن منهج تناولنا للنصوص منهج يلتزم بالنصية ومنطلقاتها لا يفرض على النص أفكارا مسبقة ،ولا يُنطق النص بما لا يوحي به عقلا ،يتناول النصوص ككائن حيّ له رأس وقلب وجسد ،النص هنا الكتاب ،والنص هنا الحكاية المعنونة ، والنص هنا العنوان ،والنص هنا البداية ، والفقرة الدالة على معنى كلي منفصل عن بقية النص أو متصل به ،ونعني بالرأس هنا :الأفكار والخواطر والمعاني والمضامين والهواجس والأهداف والغايات ،ونعني بالقلب هنا :المشاعر والأحاسيس والوجدانيات :الحب الكرة الثقة اليأس الخوف القهر الأمل…
،ونعني بالجسم :الصورة التعبيرية التي تحتوي العقل والقلب ،وتنقلهما لنا ، والتي دونت لنا في مصنف لغوي :ألفاظ جمل أساليب فقرات نصوص كتاب .
– إن قوة التماسك بين رأس النص وقلبه وجسده ،نبحث عنها بعد أن نحدد ملامح الرأس ، ومدى قوة نبضات القلب ، ومدى جمال الصورة التعبيرية وتوفيقها في نقل ملامح الرأس ودفقات القلب إلى المتلقي ،ولابد أن نجيب عن بعض التساؤلات للوقوف على ملامح هذا الكائن النص :
أين رأس النص ؟
ما حدود هذا الرأس ؟
هل هذا الرأس تكونه أفكار إنسانية سامية ؟
هل للنص قلب يبنض بصدق واستمرارية ؟
هل طغى الرأس على القلب وعلت الذهنية ؟
هل تمدد القلب فأخفى الرأس وعلت الانسيابات العاطفية ؟
هل تتناسق ملامح الجسم وتتآزر لتبرز الرأس فاعلا والقلب نابضا ؟
هل هذا الكائن يحمل سمات التميز أم التشابه مع أقرانه ؟
ستجيب السطور التالية عن هذه التساؤلات فتتسع أطر التلقي رغبة في زيادة مساحة الحق والخير والجمال كهدف سام يسعى إليه الماجدون من المؤلفين ،ومن المتلقين .

مهرجان الأغانى “عشاق وطن” ينطلق مع أعياد الكويت الوطنية


…………………………..
ج-المتن :
أولا :العتبة الأولى :العنوان ،وهو عتبة قديمة حديثة ، غاية في الأهمية عند الولوج إلى عالم النص ،عتبة عندما نجتازها ستمنحنا مفاتيح كثيرة :
“ثمة حارس يفزعه الوقت ”
،رغم الإشارة بـ(ثمة ) إلى (حارس ) هناك حارس ،رغم هذه الإشارة القوية لغويا يبقى الحارس الذي لم يُعرّف دالا على العموم والشمول والتعظيم ،ويفتح أطر التأويل ، أنا حارس ،هو حارس ،أنت حارس ….
فما الذي يحرسه هذا الحارس ؟
ومن كلفه بالحراسة ؟
وهل نجح في حراسته هذه ؟ !
أسئلة كثيرة تستدعيها كلمة (حارس ) ،ودلالات كثيرة تنبثق من كون التعبير جاء دون تعريف ،وتأتي جملة :يفزعه الوقت بما فيها من تجدد واستمرار في الحاضر والمستقبل وما توحي به من حيوية ،وما تستدعيه من تساؤلات ،ويفجأنا أن سبب الفزع الوقت ؛ ليزيد من تعميق الدهشة والحيرة :
لماذا الفزع والهلع المستمر من الوقت ؟
ومتى يكون الوقت مخيفا للحراس ؟
هل يحرس الحارس قافلة وتحيط بها الأخطار التي تزيد بمرور الوقت ؟
هل وصل الحارس إلى آخر العمر ويخشى أن تأتي النهاية في أي وقت ؟
هل يعاني الحارس من ظلم طاريء ، ويخشى أن يمر الوقت فيثبت الظلم أقدامه ، ولا تنجلي الغمة ؛ فيفزعه مرور الوقت ؟
هل الوقت فقط هو ما يفزع الحارس أم الوقت رمز لأشياء أخرى مخيفة الوقت يشير إليها ؟
لماذا يفزع الحارس من الوقت وهو القوي ، وهو من يمنح الآخرين الأمان ؟
هذه التساؤلات وغيرها تجعل دائرة التلقي للعنوان تتسع وتفتح لنا أفاقا كثيرة ،
ولا يعد ذلك مبالغة ،فنحن نتأمل الجمل القصيرة ذات الدلالات اللامحدوة ،ونتذكر في هذا المقام ما قالة الروائي العالمي أرنست هيمنجواي عن قصته القصيرة جدا :”حذاء طفل جديد للبيع “من أنها أفضل عنده من كثير من رواياته ، ونتذكر كيف احتفى بها النقاد وكتبوا فيما توحي به صفحات كثيرة.
-وأحسب أن العنوان : “ثمة حارس يفزعه الوقت ” ما هو إلا قصة قصيرة جدا ،عنوانها من جسم القصة ، وفيها مفارقة :بين حارس ويفزعه ،وتنتهي بدهشة ختام :الوقت ؛ فالفزع من الوقت مدهش .
العنوان الذي من جسم القصة ، والمفارقة ،ودهشة الختام :أهم أسس القصة القصيرة جدا كما أشار لذلك (د مسلك ميمون ) وهو من المعاصرين القلائل الذين قعدوا للقصة القصيرة جدا .
-وعندما يكون عنوان ديوان القصص ما هو إلا قصة قصيرة جدا ذلك يجعلنا نحرص على التوقف عند كل كلمة ،وكل جملة ،نتأمل ونتلقى ما يتوارد على خواطرنا من إيحاءات ودلالات ،فتزيد مساحات الفهم والإحسا س بالجمال .

السينما الأمريكية فى أسبوع وفيلم “جلاس” الأعلى إيرادات


…………………………
ثانيا : الكتاب يضم :الغلاف ،الإهداء ،الفاتحة ،واحدا وثلاثين نصا حكائيا معنونا بكلمة واحدة غالبا أو اثنتين ،ويضم عنوانين فقط أربع كلمات :لا عاصم منهم غيري ،الوقوف على ما يحدث .
-ألوان الديوان درجات من البني ،وساعة رملية .
-الإهداء بيت من الشعر شهير :
بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام
غير فيه الكاتب بعض الكلمات فقال :
بلدي وإن ضاقت عليّ عزيزة ..قومي وإن ضنوا علي كرام
ثم بيت آخر لقريته مجول يقول فيه :
أهذي مجول التي أراها أو وجودي في الوجود رماد ؟
،وهذا الإهداء غير تقليدي في حب البلد والقوم مهما حدث ، وقوة الارتباط بهما ،والاستفهام الذي يثير مشاعر الحيرة ،فرغم قوة الارتباط ،يشعر أن قريته التي يعرفها والتي تنداح لتشمل رمزيا كل البشر والحجر لم تعد موجودة ،وكأن الفناء الذي أصاب مجول أصابه فصار وجوده في الوجود فناء .
-فاتحة الكتاب :أعتبرها العتبة الأساسية له ،وفيها نجد الهدف من التدوين ،ونضع أيدينا على جوهر الصراع في إيجاز شديد وسرعة ،قد يمر عليها كثير من المتلقين مرور الكرام ،ونحن لن نغادرها حتى نتأمل ،ونفهم ،ونسطر ما تلقيناه ،يقول في فاتحة الكتاب :
“-افعل.
-لا فعل يجدي .
-آثم إذا سكنت .
-لا حول لي .
-ما استحق أن يولد من عاش لنفسه ورضي به .
-أعلم .
-عش إذن ولاعزاء فيك .
-يا الله…
وقتي ..معتم بالوجوه المنهوكة
قلبي ..مثخن بالتاريخ والواقع
عمري ..المشوش دائما
وما ملكت يداي ..مثلكم أنا
أجمع شموسي وأخبئها للقادمين عل وعسى “

جديد حسن الرداد وجديد نادية خيرى


……………………………………….
حوار داخلي يؤطر لصراع بين الأنا الراوية وبين كل مفردات الوجود :
كيف يفعل ،والفعل لا فائدة منه ؟!
كيف يبرأ من الإثم وهو مستضعف لا حول له ولا قوة تمكنه من أن يفعل ما يدفع عنه وزر السكوت عن الحق ،فيأثم ويظلم نفسه بهذا السكوت ،وهو يعلم
،ولا يجد إلا الله يستجير به ويستغيث “يا الله”
الوقت الدال على المكان والزمان مظلم لأن المتعبون يملأونه ،القلب مثخن بجراج تاريخ مؤلم وواقع أكثر إيلاما ، وهو خالي الوفاض لا يملك شيئا من حطام الدنيا مثل كثير من المتلقين ..
-ومع كل هذه العتمة والظلمات وعدم القدرة تأتي الجملة الفارقة التي تبرز الفرق بين المبدع الذي لا يستسلم لقبح – المبدع القوي بإبداعه هذه الجملة ،رغم كونها أقل من سطر ،ستكون محور البحث والتلقي ،وهي التي يقول فيها :” أجمع شموسي وأخبئها للقادمين عل وعسى ”
إنه يفعل ،إنه يستطيع ،إنه يملك ،إنه يأمل ،يملك الشموس ،ويجمعها ،ويخبئها ، الشمس هداية ،ونور ،ونار…
ما هذه الشموس ؟
ولماذا يخاف عليها ؟
وأين أخفاها ؟
وإن كان القادمون يستطيعون أن يهتدوا إليها ، بها ،فمن الطبيعي أننا نستطيع ذلك ،سنوالي البحث لاكتشاف الشموس ،ولدينا الأمل نفسه :”لعل وعسى “

العثور على مقبرة رومانية تعود إلى ألفى عام


…………………………..
ثالثا :النصوص :
النص الأول :(هو) نص غاية في الأهمية فقد جعله الكاتب على الغلاف الخلفي للكتاب ،وكان مفتتحا لثلاثين نصا ضمها الكتاب .
هذا النص أعتبره رواية امتد فيها الزمان والمكان وتعددت شخصيات الرواية
ولها حبكة ،وحل.
هذه الرواية اختُزلت وأُوجزت وكُثفت لتوثق سيرة الإنسان على الأرض منذ آدم وحتى اللحظة الآنية ،الإيجاز واضح في تعدد مستويات السرد والقفزات الزمانية ،وواضح في عودة الضمير (هو) على مجهول ،وفي التفرد والتشابه ،في كلام الأم ،في أحوال هذا المخلوق المتناقضة ،يقول عنه في بداية النص :
“وحده يعرف ..وحده يحرس ..منذ وطأ قلبه اليابسة ..مفتوح العينين ،شامخ كنخلة ،مشع صامد ”
-ما الذي يعرفه وحده ؟
-ما الذي يحرسه وحده ؟
-كيف وطأ قلبه اليابسة ؟
-لماذا لم يقل :”وطأت قدمه اليابسة ” أفي اليابسة رمز ؟!
هذه كلمات معدودة توحي بالكثير ،وربما تشير للإنسان الأول ،ويؤكد ذلك قوله :”ملامحه تشبه الكثير ،كأنه :أنا أو كأنه أنت أو كأننا هو ”
((أو كأننا هو )) توسع أطر الحكي لتكون هو الكل ،والكل هو
-وعندما نبتعد عن الإنسان الأول يعيدنا السرد إليه يقول :” وحينا يرسل عينيه في السماء ،يقينا ليتزود ،أو يشكو ،أو يرنو لفضاء كان ساكنه قبل أن يهبط أو يطرد ..لا علم لي ..”
-بدأ النص بسرد غير مباشر بالضمير( هو) ، وهنا تتدخل الأنا في :”لا علم لي ”
فهل صحيح أنه لا يعلم :هل الإنسان الأول هبط أم طرد ؟
-إن التحول من السارد العليم إلى السرد المباشر ،وحضور الأنا الراوية في كل النصوص بصورة مباشرة كثيرا وبصورة غير مباشرة قليلا تجعل ملامح السيرة الذاتية التجريبية تبدو أمامنا واضحة .
-يعود مرة أخرى ليحكي عن أل (هو) يقول :” من المؤكد أن ما حوله يعنيه ،وما يراه يضنيه …وما يفعله هو نبوءة أمه ..”
طبعا الإنسان الأول لم تكن له أم ،وسواء كانت الأم هنا رمز للأصل ،أو أم حقيقية للحارس أو أم لإنسان معاصر حر فذلك يجعلنا نتأمل كلامها ونبحث عن تأويل له يقول على لسان الأم التي نثرت وجعها عليه:”يابن بطني في عنقك طائرك فلا تجعلهم يصحرون واحتك ..واردعهم مهما تكالبوا عليك ..”
الأم الأرض الأصل الرحم ،ومن أل (هو) ؟ ومن أل (هي ) ؟ ومن أل (هم ) ؟
وهذا التناص المبدع “طائرك في عنقك ” !
-من (هم) الذين سيقف في وجوههم حتى لا يصحرون واحته ؟
– ما تلك الواحة التي توصيه الأم بالدفاع عنها ؟
-ولماذا يريدون تصحير الواحة ،ولماذا يتكالبون عليه ؟
-إنها حكاية ممتدة بامتياز في مائة كلمة أوجزت معاناة الإنسان والصراع بين الخير والشر منذ بدء الخلق حتى نهاية العالم – الصراع بين أل (هو) الحارس
و أل(هم )الأشرار ،رفض القبح (التصحر ) وحماية الجمال (الواحة )
إنها قصة بين الذهنية والواقعية قصة معاناة الإنسان منذ الخروج من الفردوس وإلى ما شاء الله .
إن تماهي الإنسان الآن مع الإنسان الأول ما هو إلا تماهي مع الذات الراوية
ومقاومة الشر كفصل من فصول حكاية الإنسان على الأرض ،وصراعه الدائم مع الشر ،رغبة في الفوز والعودة إلى الفردوس .
-النص الأخير :(ويطلع النهار ) مطالعتنا له وتأملنا رسالاته يؤكد حدسنا :إن ما بين يدينا كتاب يعكس ملامح رواية سيرة ذاتية تجريبية :في النص الأول كان الصراع مع (هم) الأشرار ،وفي الختام يحصحص الحق ويحسم مع طلوع النهار يقول في بداية النص :”أدركت أنني لست منهم ،ولا أشبه أحدا فيهم ”
فيتعجب ويتألم ويقول :” لماذا أكون معهم وأعيش بينهم ،وكيف تسنى لي أن أحتملهم كل هذه السنين ؟”
-في النص الأول(هو) الأم تحذره من الأشرار(هم) وتنصحه بالوقوف في وجههم وردعهم ،وفي نص (طلع النهار ) الأم حكيمة توصيه أن يتحملهم وتقول له :” الناس بالناس وللناس ” في النص الأول الأم رمز وأصل ونبوءة ،وفي النص الأخير الأم صاحبة حكمة ،في النص الأول يوجز وفي النص الأخير يبسط كيف هم أشرار ،وكيف هو نبيل وحسن السلوك والظن لدرجة أن الجميع يسخرون من طيبته .
-ويصل إلى الحقيقة :”المسألة ضروري لها حل “،يبسط مشاهدا عبثية من الواقع المر لكنه يتمسك بـ”المسألة ضروري لها حل ”
-مجول صارت رمزا وصارت تشبه كل الأمكنة ،وهو يرسم لنا صورة صادمة لكنها مشرقة بأمل لا يمكن أن يطاله اليأس يقول في ختام النص الأخير :
” ليس عدلا أن تتنازل ،تدثر بالذي ينبح فيك ..
الجثث على الأرض نباتات مدهوسة ..والغربان في السماء تنعق ..
أبي مات ،وأمي رحت ،وأختي طلقت مرتين ،ومجول صارت مرتعا للوافدين الجدد من المدن المجاورة ..
لا رعد ..لا برق ..لا مطر ..
خلعت جلبابي ،رميته ..الأولاد يضحكون ..
كنت أجري خلفهم وأنادي :”المسألة ضروري لها حل”
صور تتتابع :صوت ينبح يرفض الظلم ،كثرة القتلى ،وكثر الناعقين ،مآس متعدد طالت البشر والحجر ، فقدان العقل ،ورغم كل ذلك يبقى الأمل :”المسألة ضروري لها حل ”
هذه شمس من الشموس التي خبأتها الذات الراوية في ثنايا السرد :لعل وعسى

ملتقى بصمة إبداع يكرم “علاء ولى الدين


-النص الثاني (لماذا أنا ) نص يؤكد على الاختلاف ،والمعاناة النابعة منه ،من يقبض على إنسانيته ،ويرفض السير مع التيار ،ويرفض أن يجرفه ،الأنا التي تنكفيء على نفسها ،ورغم ذلك لاتُترك لحالها ، إنها معاناة الأنا
والصراع مع أل (هم ) الأشرار ،تتواصل الحيرة ،ويتواصل الاختلاف
ووتواصل التساؤلات بلا أجوبة يقول ”
“لابد أن أعرف .
-لماذا أنا وحدي .؟!
-لماذا أنا أجري ؟!
-ولماذا أنا بينهم وهم يحاصرونني ؟! ”
نص يؤطر للغربة وسط مجتمع لايدرك أن الاختلاف شيء طبيعي ،وينبغي ألا تضيع حقوق لمجرد الاختلاف ،ولا أن يحاصر المختلف ، فرغم وجود الكثير من ملامح التشابه فالاختلاف موجود ،وشيء طبيعي لكن الكثيرين لا يدركون ذلك فتكون المعاناة والغربة والألم .
-في النص الثالث (تهيؤ) تنداح الدائرة إقليميا وتدور حول ال(هي) وأل (أنت) وال(هم ) وال(أنا) والمعاناة تزيد من تمدد القبح وآثاره السيئة :”غلقوا الأبواب دوني ودونك ” ثم جملة محورية دالة وموحية :
“هنا كانت داري ”
من هي ؟
من هم ؟
من المخاطب ؟
لماذا أزيلت الدار ؟
ومن سيدة الرمل والحجارة ؟
ما طيور الأبابيل ،وإلى أي شيء ترمز ؟
ولماذا تحمل الحجارة في يدها وفي أرجلها وفي مناقيرها ؟
وكيف تحول ركام الحجارة إلى دار ؟

مسرح باتاكلان بباريس يتعرض للنهب للمرة الثانية


-هنا يظهر بطل جديد من أبطال هذه النصوص غير :الإيجاز بالحذف والتكثيف ،وغير التناص ،وغير عبقرية الضمائر التي تنداح دلالاتها ،وغير حيوية الصراع ،والحوار الداخلي ،والتحليل النفسي والاجتماعي – البطل يطل علينا من بداية العنوان :إنه الغموض وهو بطل طبيعي لمن يكثف بشدة ،ويجرب في التناص ،وكسر أفق التوقع ،والإغراق في الذهنية ،والتحليق في اللامعقول للوصول للمعقول ،الغموض بطل طبيعي لكثرة الرموز ،ولتحقيق الهدف :إخفاء الشموس .
-رابع النصوص :(وفيما بعد ) تتعمق الذهنية التي تنطلق من واقع يبدو فيه اللامعقول معقولا (هم) يفعلون ما يحلو لهم ،يجربون في المستضعفين أسلحتهم ،ويكممون مالا يعجبهم من الأفواه ،وتتكرر المسألة تكرارا عجيبا
العنوان (وفيما بعد) مرتكز دلاليّ تنبثق منه المعاناة ،يقول في ختام النص :
“مازالت ضحكته تجلجل من هول الرؤية ،والصورة انقطعت ،ودخان كثيف غشى الشاشة ..والصوت يقول : كأنما هم يعيشون الحالة من زمان ..
وفيما بعد
وفيما بعد
وفيما بعد
وفيما بعد المشهد نفسه يتكرر …كم مرة ومرة تابعناه ،والفرس تحمحم ..ودوامات الريح تصفر ..الرجفة نفسها ..الشهقة ..اللهفة نفسها ..الملالة نفسها ..
دون أدنى تغيير كأنما للمرة الأولى اشتهاء .”
ذهنية يستدعيها واقع مر ،يُقتل فيه الصحفيون لا لشيء إلا لأنهم يدعمون الوعي ،وينقلون الحقيقة ،والظلام لا يهوى الضوء ،وتغييب الحقيقة صار هدفا ،إنه معادل موضوعي من مخزون الأنا الراوية ،يبرز قبح ال(هم) وغفلة الكثيرين من الناس .
-النص الخامس (حنين ) ذهنية أخرى ،وحكائية ،وجلد للذات ، وتحليل نفسي ،ينادي عليها : “جميلة “،تلتفت ثم تواصل السير ، فيسير وراءها
ويواصل النداء وأحلام اليقظة يقول : ” ابطأت سيرها تشجعت ،وحين اقتربت شعرت بيدها تحويني ،ويدها تتحسسانني ،فتعالت دقاتي وازداد دوراني في فلكها ،وفكرت لحظتها ،أنني يمكنني أن أستظل بها وأتوقف عن الصياح ”
يتعجب من نفسه ،ويقول :”هل أنا شخصان مختلفان إلى هذا الحد ،أم أشخاص كثر يركبونني وقتما يشاؤون ”
من جميلة ؟
ومن (هي ) ؟
وما سر التعلق ؟

انطلاق “مهرجان جمعية الفيلم” بالقاهرة أمس


يقول في ختام النص :كانت تنظر إلي بدهشة ،وتسألني وقد انفرجت سماؤها :خير يا أبو بسمة
لجمني الصمت وتهت ،وشاخت بي السنون ،وريح شردة تكاد تقتلعني ..
لم أر وجهها ولا ابتسامتها ،هالة من نور كانت ..
قلت : ظننتك هي ”
الذهنية والذاتية معا في توتر السرد بين التحليل النفسي ،وحكاية الواقع بحيوية الحوار الحكائي .
-النص السادس (بركان ) نص سردي اجتماعي يضوي على المعاناة من ضيق ذات اليد ،تنفجر فيه زوجته كالبركان ،يسايرها في انفجارها ثم يتساءل :”لكن انفجارهما في من ؟”
يقول:”أب لولدين وبنتين ومدير في مصلحة حكومية ،وزوج لأم تمحو أمية الكبار لا يملك جنيها واحدا يعطيه لها لتقضي مأموريتها !
ياه…..”
يتحسر على نفسه ،ولا يفعل شيئا سوى الذهاب لضريح سيدي يوسف للشكوى من سوء الحال.
رسم اجتماعي للذات الراوية ،ومعاناة الطبقة الوسطى التي تئن من وطأة تغييرات اجتماعية تطحنها وتسحقها ،واقع اجتماعي مرير ومعاناة تنداح دوائرها ولا يشعر بها إلا من عانى من ويلاتها.
-النص السابع :(لاعاصم منهم غيري ) نص روائي بامتياز يمتد فيه الزمان والمكان،وتتعدد الشخوص ، وتنداح عقدته لتتجاوز القرية إلى المدينة وإلى الوطن كله وإلى الإنسانية بقضها وقضيضها رغم ملامح الإغراق في الواقعية ،والمحلية ،وجملة محورية دالة لا تقال إلا في الريف المصري ،لإبراز شدة حب المرأة للابن أو الزوج أو الأب :”ياليتني أنا بدالك ” عند العجز عن معالجة المريض ،تتمنى أن تأخذ هي المرض ليتعافى حبا له ،وتفانيا في الحب .
“لاعاصم منهم غيري ” تناص قوي مع قصة نوح عليه السلام وقوله لابنه :”لا عاصم اليوم من أمر الله إلامن رحم ”
“لاعاصم منهم غيري ”
من هم ؟
وعلى من يعود ضمير المتكلم في (غيري)
وهنا يأتي الجواب في ثنايا النص :
أطنان من الديناميت تتساقط فوق رأسك ..تتصاعد ألسنة النيران ..أنت المطارد .. لا عاصم منهم غيرك ..”يا الله”
وكأن العنوان خطاب من الله للإنسان ،وتذكير له أنه لن يحميه من القوة الباطشة للأشرار (هم) إلا هو عز وجل .
وكأن المريض تماهى مع الوطن الكبير الذي يسعى الأشرار لتدميره ،وهو كرجل مريض ،لا حول له ولا قوه .
ويؤكد ذلك فشل كل محاولات العلاج،حتى أصحاب البركة ومريدوهم فشلوا في علاجه ، وهي مصرة على الذهاب للدكتور لتعالجه ،وهنا يأخذنا إلى ما يؤكد العمق الرمزي يقول :
“دكتور مجول على مر السنين واحد ..يتغير ..يتبدل ..لكنه يظل واحدا مفردا ..

فيديو أغنية ” أنا لو” باللهجة المصرية للفنانة زينة الداودية


هل يفلح في تنزيل حرارتك ؟
ومن ينزل حرارة مجول ؟
هل يمكنه إعادتك إلى سابق عهدك ؟
لم يعد هناك أمل في أن تجد مجول وناسها ..ضربوك على أم رأسك ..
من عشرة قرون وهم يضربونك ”
-اتضح تماما أن المخاطب رمز ،وأن مجول رمز ،وأن الطبيب رمز ،وأن ال(هي) رمز أيضا ،ويؤكد ذلك ختام النص الذي يعود للتكثيف الشديد :”..لا عاصم منهم غيري …
“فداك حياتي”
ضمته بقوة ..كانا كجسد واحد ..خرجت الكلمات من عينيها :
“كلانا مرهون بصاحبه” ..”
-(غضبة سومة) النص الثامن :يأخذنا إلى بانوراما اجتماعية واقعية تصف الواقع المر للفقراء ،وبطش القوة الغاشمة ،والثورة غير المتوقعة عليها ،والعمق الرمزي في (سومة) واضح يقول في ختام النص :” قامت بخطى وئيدة سارت ..شبل على كرسي أمام دكانه ،يضع ساقا فوق أخرى ..
اقتربت منه ،ليس ثمه ما يخجل يحدث ..الاصفرار وجه آخر للسماء ،في لمحة وبطء شديد متوجس :استماتت على مابين فخذيه ..
هل رأى الناس شبل بعدها ؟
هل سمعت الحكومة عن غضبة “سومة”

طفل سورى للفنانة “شيماء سبت”: برد وطنى دفئاً لى


ربما ..وربما لا ..غير أن المؤكد في اليوم التالي أحرق دكان شبل والمنازل المجاورة ،وتوقف الطريق السريع ..وأحرق القطار القادم من سكة طنطا..وقيل إنه السادس من إبريل ”
– سومة رمز لثورة المقهورين الذين لا يوجد لديهم ما يخسرونه ،
والسادس من إبريل وهبة عمال المحلة حاضرة بقوة والرسالة مخبوءة باحتراف لكنها تصل لمن يتأمل : لا يجب أن نصب اللعنات على الغليان ،ولكن علينا أن نطفيء النيران ،وإلا احترق كل شيء كما حدث حولنا ،علينا أن نتعلم الدرس ،ونحذر من غضبة (سومة)
-ويؤكد انحراف البعض في استخدام القوة والاستهانة بإنسانية إنسان كرمه الله وفضله على جميع مخلوقاته يؤكد ذلك نص (رجفة) وهو النص السادس عشر :عم كمال بائع الجرائد المسن يحكي عنه في ست فقرات مؤلمة غاية الألم ،وتلك الجملة العبقرية التي التقطها الكاتب من واقعية مؤلمة : “خد ياله ” التي ينادي بها البعض على يريدون إهانته أو إلقاء القبض عليه دون تهمة ،ودون تلبس بخطأ
،ورغم أن النص يحكي عن عم كمال ،نجد الأنا الراوية حاضرة بقوة فتزيد من تعميق القضية ،حيث الإساءة لبعض من يتم توقيفهم ،بالمخالفة للقانون الذي يعتبر كل متهم بريء حتى تثبت إدانته
يقول :” لماذا إذن أرتجف ،ويسقط قلبي تحت قدمي ،وأتذكر أبي الذي مات قبل أن يسرد لي ؟

الفنانة الأمريكية “ماريا كارى” تغنى بالسعودية


ويجري أخي – الصغير – بضحكته التي غابت معه
“ابعد عنهم على قد ما تقدر”
وتقول أمي :”الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح ”
وأنا الآن .
ارتجف ..
أرتجف ..
أرتجف ..
غير مستريح ..”
تداخلت الأنا مع مأساة عم كمال لكي تصل الرسالة من خلال عبقرية الضمائر التي تلعب دور البطولة ،وخصوصا الضمير (هم)
وهذه الجمل التي تأخذنا إلى عوالم من التصورات الذهنية ،وإلى تأويلات بلا حدود :
لماذا مات الأب قبل أن يسرد ؟
لماذا غاب الأخ الصغير ؟
ولماذا نصحته الأم ؟
ولماذا يرتجف وهو لم يجرم ؟


– نصوص أربعة تتوالى :رغبة ،روحان ،برهومة ،وجه :تمنحنا مزيدا من ال

مهرجان الأغانى “عشاق وطن” ينطلق مع أعياد الكويت الوطنية

رسم الاجتماعي ،والفيزيائي ،والنفسي للذات الراوية ،وترسخ لدينا أن ما بأيدينا ملامح سيرة ذاتية بامتياز تدور حول الأنا ،يقول في آخر نص وجه :
” في العنين حسن رغم صغرهما وضيقهما ،حتى بالكاد تعجب .
كيف يتساوى الجمال والحسن في الضيق والاتساع ؟
ضع الصورتين جانبك ..
هذا ورد سافر ونساك ..
وهذه بسمة بالكاد تذكرك في بيتها ..
ولمياء وإبراهيم مشغولان عنك بشبابهما ..
كيف ترى نفسك الآن ؟
ما أنت إلا نقطة آخر السطر تكاد تتلاشى ..
فلا جمال كنت ولا جمال الآن .”
نص قال الكثير ،الكثير جدا :نفسيا واجتماعيا وإنسانيا
تتماهى فيه الأنا الراوية المتضجرة إنسانيا مع جيل من الآباء والأمهات ،وصل بهم الحال إلى أنهم يفضلون دور الرعاية على البقاء في بيوتهم أو بيوت أبنائهم حتى لا يثقلون عليهم ،وهذه الواقعية الصريحة والعميقة ترسل رسالات كثيرة للأجيال الحالية والقادمة “لعل وعسى”
– تتماهى الأنا الراوية مع قضية في غاية الأهمية (قضية الرفق بالحيوان ) في نص دوامات ،وعلى لسان واحد من الخرفان تتشابه قضيته مع قضايا الإنسان الجائع المقهور ،الخروف يؤلمه الجوع فيقفز على سطح الجيران ،ويأكل طعام دواجن الجار ،فيقبض عليه ،ويلقيه من فوق السطح عقابا له ،وكان يعلم أن ذلك ممكن أن يحدث ،ولم يبال يقول :”ما قيمة أن تعيش في الدنيا محروما ”
،وكعهد الذات الراوية فقد جاءت الحكي بالسرد المباشر والتماهي مع هذا الحيوان المسكين ،وكم كان الختام مؤثرا :
” سرت في جسدي من حلاوة الروح قشعريرة ،عندما انساب الدم خيطا متصلا غامقا من فمي ..قال صوت عابر توقف برهة :
ياناس حرام ..انهضوه ..راح على الأرض .
كانت أطرافي المسحوقة تتمدد في صلابة .
وثمة راحة تتفشى في مسامي ..
بينما العيون المبحلقة مكتفية بالفرجة .”

أهم وأحدث أخبار الفنانين والفنانات العرب


النص زاده الحكي المباشر عمقا واتساعا ،فوحشية الإنسان تمتد إلى ماحوله فيتعس الكائنات المسالمة ،ويحاسبها على مالا تدركه ،والعجيب أن الإنسان الذي يعاني من القهر وسوء المعاملة يقهر ويسيء معاملة من يقع من الضعفاء تحت يده ،رسالة مخبوءة في ثنايا النص :”لعل وعسى”
-تتوالى النصوص الذهنية ذات الرؤى العابرة لحدود الزمان والمكان ،تصور لنا واقعا وكأنك تشاهد أفلاما سينمائية خاصة بالمستقبل ،وبعد عشرات أو مئات السنين ،وينطلق الخيال فيحلق في اللاواقعية ،ويغرق فيها ،وبين الواقع المأزوم والخيال مساحة تضيق وتتسع حسب ما تراه الذات الراوية ،ويستمر التحليل النفسي والاجتماعي في نص(عطش ) ونص (إلا المتقون )
حيث يحوم حول الحمى لكنه لايقع في المحظور ،يقول في نص عطش:”كانت ابتسامتها عريضة -عرض البحر – وصافية كمائه .وهالات الطيف المشعة تتلألأ حولها ..
لم أدر ما بي وما قلت ، وكيف هكذا وجدتني – أنا وهي –وجها لوجه ؟!
وهي تقول :تعال .
انتبهت ..
التلصص على الجيران من شيم الحمقى ،نزلت مسرعا الدرج .
وبدنها –الفرس-الفوار يشدني .
،وفي نص (إلا المتقون ) يقول :
“تتماوج في وجهك الطفل كهروماغناطيسية الجذب ؛ فتبدو آخرا لا تعرفك ،ترتد عنك بخفة ،وتلم بقبضتها صدرها ،وهي ترغرغ :
وماذا بعد
وماذا بعد
وماذا بعد
لا هي اقتربت ،ولا أنت كففت عن الدوران ”
لوحات إنسانية من مخزون الذات الراوية بالسرد المباشر وبضمير المتكلم ،ورغم صعوبة فصل ما هو ذاتي عن ما هو رؤية ،ففي كل الأحوال هي ظل من ظلال السيرة الذاتية .
– في نص (دوامات) تماهى مع الخروف ، وحكى عنه بسرد مباشر ، ونص (للخنازير ) من أقوى النصوص دلاليا والتي تتماهى مع الواقع المأزوم وأزماته ،وتشير للذات الراوية
يقول في البداية :” الذين هم في مثل سني ، والذين لهم عين مثل قلبي ..لابد وأنهم يدركون حتمية التلقي لإشارات إلهية ..(نظرا لقلتهم )”
ثم اللا معقول يقول :” ظل ضوء يفترس القاع مرة أخرى ،كومة من الجثث المهلهلة تنقلب بين الفينة والأخرى إلى صفائح صدئة سرعان ما تلبث أن تعود إلى حيوان خرافي ،معوج ..وملتوٍ..”
ثم يقول :” إنهم يشبهونك ..كأن الزمان يسع أو يتوقف ..كل الملصقات خنازير ..كل المكملات لأية طقوس نمارسها ..(أو مارسناها )..خنازير ..(ليس حبا في الخنازير )بل نوع من الواقع لممارساتنا المغموسة في وحل التفاصيل .”
،يوجه نقدا لاذعا للجميع ،الجالسين على مقهى ريش ،ومن على مقاهي مجول ،ومن يشاهد التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي ،
ووتتسع المسألة أكثر فيقول :” لا تزال الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنعقد جلساتهما الواحدة تلو الأخرى بحثا عن مبررات أخرى لعواصف أخرى لنزع رمال الصحراء ”
إيجاز مبدع ساخر لقضايا إقليمية ودولية ،كُتب و يُكتب عنها آلاف الصفحات.
ويختم بفقرة دالة موجزة ومكثفة وساخرة وغامضة في الوقت نفسه ، حيث تتداخل مستويات السرد الدلالي للجمل يقول :”
..ترفع يدك المقطوعة الأصابع وتوجه لكمة قوية ..في محيط الرزية ..قد تصيب أحد وجوه الخنازير ؛فتتحول بفعل اللكمة ..إلى ما كانت عليه ..ربما ..وربما تستحلب عينيك الرؤية ..فتقهقه ..
بل وتؤكد : هذى اللوحة لخنزير ”
-أل (هم) حاضرة في :إنهم يشبهونك
،ومجول تنداح وتتسع لتشمل العالم كله ، والنقد اللاذع للذات :” بل هو نوع من الواقع لممارستنا المغموسة في وحي التفاصيل ”
ومازال الغموض بطلا ، والشخوص الرامزة حاضرة بقوة .
والنص التالي (الوقوف على مايحدث ) نقد مر للآخر ،وللذات ،ولقناعات كثيرة ،صور من المعقول واللامعقول في بدايتها فقرة قصيرة كاشفة ومغرقة في الدلالة :
“شيوخ مجول ارتاحوا للنساء وللرقاد ،وعلينا وحدنا مطاردة الذئاب ،والذباب ،وآكلي لحوم القرى ،الفرجة وحدها لا تكفي ..”
مجول رمز ، وشيوخ مجول رمز ، والذئاب والذباب وآكلولحوم القرى رمز أيضا ،وحتى أل (نا ) في( وحدنا ) رمز
،وبعد أن فعل المحتلون ما يريدون ،وبعد اكتشاف أن كل الأسلحة خشب ، يختم بعبارة قاسية ،ومؤلمة إنسانيا واجتماعيا يصفع بها وجوه كل المتخاذلين يقول :” على شاطيء المصرف وقفنا ..نخلع ملابسنا ونلفها على رؤوسنا ،بانت قريتنا -على البعد – عجوزا خطها الحزن .
في الليلة نفسها وللمرة الأولى لم نجتمع .
في الليلة التي تلت ،اكتشفنا أننا شيوخ ،الذئاب في آذاننا تعوي ،والذباب على وجوهنا يحط ، ونساؤنا تضاجع آكلي اللحوم على مرأى منا ”
هزيمة وانهزام واستسلام في لوحة رسمت بالكلمات التي تفيض ألما ولوعة ،وقهرا .
رابعا :الرؤى:بعد عرض موجز لنصوص الكتاب التي تعد منطلقنا لتدوين هذه الرؤية ،وبعد أن عرضنا العديد من التساؤلات حول ما نتناول ليشترك معنا المتلقي فيما يُثار نحسب أن رأس الكتاب قد اتضحت ملامحه :الأصالة وحب الرشاد والهداية للآخر، الصمود في وجه القبح والصبر ،رفض القهر ،التمسك بالأمل ، رفض الواقع غير المرضي ،تقدير الأسرة ،والقرية ،والوطن ،والإنسانية ،نقد الذات وكل التغيرات للأسوأ في محيط النفس والأسرة والقرية والعالم والبشرية ومن آدم وحتى اللحظة الآنية ، الرأس ليس رأسا صلبا بل راس يتأثر بمحيطه ،يتأثر بالزمان ،والمكان ،وشخوصه ،وحوادثه
وكأنه رأس وقلب معا .

-أما القلب فهو قلب مصري طبيعي مشاعره مشاعر إنسانية فهو يحب ويكره ويفرح ويصيبه الضجر ،وهو قلب حارس شجاع ،يكتئب إذا لم يستطع فعل شيء إن أساء له شخص حتى دون أن يقصد الإساءة ،قلب يشعر بما حوله من كائنات ،قلب شجاع مملوء بالثقة والأمل والألم ،والحزن ،والضجر ،تسيطر عليه مشاعر اللحظة والحدث ،مشاعر الزمان والمكان ،وسلوكيات الإنسان ،حتى نفسه ومشاعره الذاتية تعمقها الإنسانية المصرية التي صبغها النيل ،بانسياب مياهه وتدفقه ، وقوة فيضانه أيضا ،تعمقها المعاناة والظلم والصراع مع الآخر المرئي والخفي ،الصراع مع الفكرة والفعلة مهما كان مرتكبها ،مشاعر تنداح لتشمل كل كبد رطبة ،فيشعر بما حوله ومن حولة ويتماهى معهم ومعها كأنها هو فينطق بلسانها ،ويفزع لما يحدث لها ،الصدق الإنفعالي والوجداني مؤثر يسري في ثنايا الكتاب حيث نقد الذات ،ونقد التحولات ،ونقد انحرافات القوة ،وهنا يمكن أن نقول إنها المشاعر العاقلة .
-الجسم الذي يحمل هذه الرأس وهذا القلب جسم متماسك ،قد يبدو أن هناك توترا من المنظور التقليدي لكنه توتر مقصود لأن الهدف إخفاء الشموس ، ولن تختفي الشموس إلا في اللون البني ومشتقاته ،وفي المياه العميقة التي يصعب الوصول إلى أغوارها ،فمنذ أول عتبات الديوان يبدو في جسمه التكثيف الدلالي ،وكسر أفق التوقع ،هناك شموس تختفي في ثنايا الجمل والفقرات انتظارا لأن تخرج من بين الغيمات مشرقة وهادية ،اللغة الفصحى داله وموحية ،وتقود إلى الغموض المقصود ، هذا الجسم يسري فيه رتم داخلي قوي يقرب جملا وفقرات كثيرة من لغة الشعر ،فاتساق الفكر مع الإحساس مع الصورة التعبيرية يشعرنا بالشاعرية ،واللغة الساردة التي تحكي وتصف بدقة ،وترسم الأشخاص فيزيائيا ونفسيا واجتماعيا في الزمان والمكان وتجذبنا بنقلها المتقن لتشابك الأحداث ،فتدهشنا بعقدها التي تحل والتي تترك لنا لنفكر في حلول لها، وتعدد هذه العقد في النص الواحد – تدهشنا بسرديتها ،هذا الجسم نجح في أن يخفي في جيوبه شموس الذات الراوية أخفتها ببراعة في العناوين التي تحتاج تأملا ودراسة مستقلة ،وفي التناص ،وفي الرموز ،والجمل الدالة بموقعها ،وبوقعها :
“المسألة ضروري لها حل ” ،”ياريت أنا بدالك ”
“لاعاصم منهم غيري ” ،”طائرك في عنقك “…
– الجيوب التي تخفي الشموس كثيرة أحسب الأكثر أهمية والتي إن تأملناها ،واستطعنا أن نزيح الغيوم عنها طلعت الشموس وملأت أيدينا وعيوننا – أحسبها الضمائر فقد تعددت ،وأخذتنا إلى أعماق بعيدة منذ أول نص :(هو) هذا أل (هو ) غاية في الأهمية تتكوثر فيه كل البشرية بفعل قوة السرد ، ثم (هم) هؤلاء ال(هم) رغم حضورهم الذي يرتبط بالشر -غائبون عن قصد من الذات الراوية ، ويلي ذلك ال (أنا ) وال (هي ) وال(أنت) ،كاف الخطاب ،ونا المتكلمين .
ال(أنا )التي تروي ،ال (هو) تحرس ، وال(هي ) التي تساند وتتداخل مع ال(هو) وال(هي) وال(أنت) ،لكنها لا تتداخل مع ال(هم) إلا في الشبه فقط ،فالفرق كبير ،وتحتاج هذه الضمائر
إلى دراسة أكثر إحصائية وأكثر شمولية ،دراسة رأسية لكل نص وأفقية للكتاب كلة كنص واحد ،وتعدد المستويات الدلالية للضمائر ،يمنحنا الكثير من القدرة على التأويل .

جديد حسن الرداد وجديد نادية خيرى

د- الخاتمة :
هذه الرؤية السريعة لكتاب “ثمة حارس يفزعه الوقت ” أختمها بالتأكيد على أن تداخل الذاتية والشاعرية والسردية والتجريبية
والتكثيف على مستوى الجملة والعبارة والنص ،وكسر أفق التوقع يوسع دوائر التلقي والتأويل حسب ثقافة المتلقي ،ورغبته في الفهم السريع أم المتعمق ،وأحسب أنه كلما زادت مساحات الوعي ،وتم تناول الكتاب على أنه نص تجريبي يحمل ملامح سيرة ذاتية من خلال فصول تبدو كنصوص منفصلة على السطح لكنها متصلة في الأعماق الإنسانية وفي مخزون الذات وفي التجارب الثرية ،
وأحسبه ديوان روايات من الحياة وللحياة ،تتقافز فيه الشاعرية ،وتقنيات السرديات ،وصراعات المسرح بين الخير والشر ،وأن الخير لابد أن ينتصر ،رغم اختفاء الشموس ،التي لن تلبث إلا أن تشرق فالمسألة كما ختم الكاتب كتابه :”ضروري لها حل ”
نبارك للكاتب هذا المنجز القيم ،ونتمنى أن نطلع على المزيد سائلين الله دوام التوفيق للجميع .
الجيزة
يناير 2019م

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة