داليدا، الفنّانة العظيمة التي أعطت للشهرة معنىً آخر بعد تقديمها لأعمالٍ مُذهلةٍ مازالت تُسمع إلى اليوم. وُلِدَت في مصر واكتشفت حبّها للفنون عندما كانت صغيرة حيثُ شجعها والدها الذي هو بدوره كان موسيقي مشهور.
غنّت داليدا بالكثير من اللغات الأمر الذي منحها جمهوراً غفيراً في كُل دول العالم. تمتّعت الفنّانة بشهرة كبيرة في مصر خصوصاً وفي العالم العربي عموماً، حيثُ قدّمت لجماهيرها العربيّة مجموعة من الأغاني المميّزة التي لاقت نجاحاً منقطع النظير. مرّت داليدا بالكثير من الأزمات العاطفيّة خلال حياتها، الأمر الذي سلبها بهجتها وحماسها كما دفعها لزهق روحها في الثّاني أيّار عام 1987.
بدايات داليدا
ولدت الفنّانة العالمية داليدا في السّابع عشر من كانون الثاني عام 1933 في شبرا الخيمة؛ داليدا هو اسمها الفنيّ بينما اسمها الحقيقي فهو يولاندا جيغليوتي Yolanda Gigliotti حيثُ أنّها تعود بأصلها لعائلةٍ إيطاليّة انتقلت للعيش في مصر.
كانت داليدا الطفلة الوحيدة بين ولدين، الأكبر اسمه أورلاندو Orlando والأصغر اسمه برونو Bruno بينما والدها فاسمه بياترو Pietro وهو موسيقيّ معروف في مصر فقد كان عازف الكمان الرّئيسي في أوبرا القاهرة.
عشقت داليدا الفن منذ صغرها، كما أنّها تقدّمت عام 1951 للانضمام إلى مُسابقةٍ للجمال مُبقية على الأمر سرّاً، بينما انضمّت بعد ثلاث سنوات إلى مُسابقة ملكة جمال مصر وفازت بالمركز الأوّل.
أمضت مراهقتها بالعمل كسكرتيرة، لكن وبعد فوزها بلقب ملكة جمال مصر، انهالت عليها العروض للتّمثيل في القاهرة، التي تُعتبر هوليوود الشرق الأوسط حيثُ اكتشفها منتج أفلامٍ فرنسيّ نصحها بتغيير اسمها بدايةً إلى داليلا Dalila وذلك قبل أن يُصبحَ داليدا في نهاية المطاف.
دائماً ما حلمت داليدا بالسّفر إلى باريس للتمثيل هناك، حازت على لقب ملكة جمال مصر عام 1954 ولم تدع أحد يقف في طريق حلمها حيثُ ركبت في الرّابع والعشرين من كانون الأوّل عام 1954 على متن طائرة واتّجهت إلى فرنسا على الرّغم من معارضة عائلتها التي لم تكن مُرتاحة لفكرة سفرها.
عانت داليدا كثيراً بعد وصولها إلى باريس، حيثُ أنّها لم تجد لنفسها مكان في السينما الفرنسيّة، لذا وفي محاولةٍ منها لتحسين حظوظها، قرّرت أن تتعلّم الغناء وبدأت تأخذ دروساً فيه حيثُ تمتّعت بصوتٍ خارق، وسرعان ما تمّ اختيارها لتقديم العروض في الشانزيليزيه ولاحقاً في فيلا ديست حيثُ باتت تعرف بلقب ثورة الأغنية الفرنسيّة.
في تلك الفترة، اشترى رجلاً يُدعى برونو كوكاتريكس Bruno Coquatrix مسرح الأولمبيا الفرنسيّ، وأقام فيه عرضاً فنّياً منوّعاً اسمه The Number Ones of Tomorrow، ودعا داليدا للمشاركة والغناء فيه.
قبلت داليدا دعوة برونو وقدّمت أغنية Stranger in Paradise، كما تعرّفت خلال تلك المناسبة على المدير الفني لإذاعة Europe 1 لوسيان موريس Lucien Morisse والمنتج الموسيقيّ إيدي باركلي Eddy Barclay اللذين أُذهلا بأدائها وقرّرا تبنيها فنيّاً، القرار الذي تبيّن أنّه كان صائباً حيثُ كانت داليدا عاملاً أساسياً في نجاح أعمالهما مستقبلاً؛ وفي تلك الفترة غيّرت الفنانة اسمها لتستقر على اسم داليدا.
إنجازات داليدا
جاء التّعاون الأوّل لداليدا مع شركة باركلي بعد أن أطلقت أغنيتها المنفردة الأولى Madonna والتي لاقت نوعاً من النّجاح، إلّا أنّ نجاحها الحقيقي جاء بعد إطلاقها أغنية Bambino التي جعلت منها نجمة لامعة بين ليلةٍ وضحاها.
حمل العام 1956 نجاحاً كبيراً للفنّانة الشابة، حيثُ بدأت بالغناء بشكل دائم من على منصّة الأولمبيا أمام جمهورٍ غفير، حيثُ كانت تُغنّي قبل بدء الفنّان العالمي شارلز آزنافور Charles Aznavour بأدائه؛ فكانت تُقدّم أغنيتها Bambino وتسحر الحاضرين بموهبتها وطاقتها على المسرح حتّى أنّهم كانوا يطلبون منها أن تغنّيها أكثر من مرّة.
مع حلول شهر أيلول من ذلك العام كانت داليدا قد دخلت فعليّاً عالم الشّهرة، وعندما كانت تقيم حفلاً، كانت الجماهير تتزاحم على أبواب المسرح للدّخول كما بدأت تظهر على أغلفة جميع المجلات الفرنسيّة.
حازت الفنّانة عام 1958 على جائزة أوسكار من تقديم الإذاعة الإيطاليّة Monte-Carlo وحقّقت الفوز بها مجدّداً على مدّى سبع سنوات متتالية.
واصل داليدا ولوسيان (الذي تزوّجت منه عام 1961) تحقيق النجاحات واحداً تلو الآخر، وبعد أن أصبح لها قاعدة جماهيريّة كبيرة بدأت الفنّانة بجولتها الموسيقيّة الأولى حول العالم وأصبحت المُغنية المُفضّلة للجمهور الفرنسي مُتصدرةً لوائح تصنيفات الأغانيّ هناك ومتفوّقة على أهمّ الأسماء أمثال إديث بياف Edith Piaf وجاك بريل Jacques Brel.
اعتلت داليدا مسرح الأولمبيا مجدّداً في كانون الأوّل عام 1961 لتجد جمهورها بانتظارها فهي قد أصبحت نجمة لامعة، ولم تعد جديدة في عالم التّرفيه حيثُ ظلت تغني هناك كُلّ ليلة على مدار شهر ضمن القاعة التي تستقبل ألفي شخص يوميّاً، لتعاود بعدها السفر في جولتها الموسيقيّة الجديدة والتي كان من أبرزها حفليها في هونغ كونغ وفيتنام حيثُ استقبلها جمهورٌ غفيرٌ من محبّيها.
واصلت داليدا نجاحها، حيثُ أطلقت في صيف 1962 أغنيتها Petit Gonzalez والتي تلقّاها المستمعون حول العالم بحفاوة شديدة، وفي نفس العام انتقلت للعيش في منزلٍ اشترته تلك الفترة في أشهر مناطق باريس.
لم ينجح زواج لوسيان موريس من داليدا، وبعد طلاقها منه وانتقالها للعيش في منزلها الجديد، قرّرت التّركيز على نفسها وزيادة ثقافتها بقراءة الكثير من الكتب، كما أنّها غيّرت من إطلالتها أيضاً حيثُ أطلّت على جمهورها في الرّابع من آب عام 1964 بمظهر مختلف تماماً وذلك بعد أن غيرت لون شعرها إلى الأشقر.
قرّرت داليدا العودة إلى جماهيرها الذين انتظروا ظهورها على مسرح الأولمبيا بفارغ الصّبر، الأمر الذي يُثبت مكانتها كواحدة من أهم مُغنيات فرنسا وأوروبا كاملةً، و في عام 1965 حقّقت الفنانة من جديد نجاحاً هائلاً بتقديمها لأغنية رقصة زوربا Zorba’s Dance للملحّن ثيودوراكيس Theodorakis الذي ألّف أيضاً ألحان فيلم Zorba the Greek.
حظيت داليدا بفرصة المشاركة في أحد البرامج التّلفزيونيّة في إيطاليا الأمر الذي عزّز من صلتها مع جمهورها هناك، وفي الخامس من تشرين الثّاني عام 1967 بدأت بجولة موسيقيّة جديدة حول العالم.
قدّمت داليدا في آب من عام 1970 أغنية Darladir ladada والتي حقّقت نجاحاً ساحقاً حول العالم، وفي خريف ذلك العام نفسه التقت بليو فيرّي Léo Ferré وذلك خلال مشاركتها في أحد البرامج التّلفزيونيّة، وعندما عادت إلى باريس سجّلت أغنية Avec le temps التي حقّقت نجاحاً كبيراً حالها كحال باقي أغانيها.
مع حلول تلك الفترة، قرّرت داليدا تغيير أسلوبها الغنائيّ واتّباع نمط معيّن بانتقائها لأغانيها فامتنعت عن تقديم بعض الأعمال الأمر الذي لم يُعجب برونو كوكاتريكس مالك مسرح الأولمبيا وشكّك بأنّها ستحافظ على نجاحها، فأصبح يمتنع عن إفراغ المسرح لها لتقدّم حفلاتها، الأمر الذي دفعها عام 1971 لاستئجار صالة لتقدّم فيها عروضها لمدّة ثلاثة أسابيع وعلى نفقتها الخاصّة.
إنّ تخلّي برونو عنها وإقدامها على استئجار المسرح بنفسها قد زعزع من ثقتها بنفسها، لكنّ المفاجأة كانت عندما حقّقت المزيد من النّجاح وتمتّعت بالمزيد من الشّهرة.
التقت الفنّانة مجدّداً بصديقها القديم آلان ديلون Alain Delon، والذي ربطته معها خلال السّتينات علاقةٌ رومانسيّةٌ الأمر الذي جعل من صداقتهم أقوى وأمتن، تعاون الاثنان على العديد من الأعمال وغنّوا معاً في عام 1973 أغنية Paroles Paroles التي وصلت للمراكز الأولى ضمن لوائح تصنيفات الأغاني في أوروبا واليابان.
على العموم، حملت فترة أوائل السبعينات نجاحاً عظيماً للفنّانة، لاسيّما بعد التقائها بريشار شانفري Richard Chanfray الذي أعاد لها ثقتها بنفسها فدخلت بمرحلة النّجمة الهوليووديّة وأولت أنوثتها اهتماماً خاصاً من جديد.
مع نهاية العام، أطلقت داليدا أغنيتها He Must Have Been 18، والتي وصلت للمركز الأوّل في تسع دول مختفة من بينها ألمانيا حيثُ وصلت مبيعاتها هناك إلى 3.5 مليون نسخة.
عاودت الفنّانة في الخامس عشر من كانون الثّاني عام 1974 الظهور على مسرح الأولمبيا واختتمت أداءها بتقديم أغنيتها الجديدة Gigi l’Amoroso التي دامت لسبع دقائق ونصف جمعت فيها بين الغناء والكلام المحكي وكانت هذه الأغنية من أنجح أغانيها حول العالم على مستوى المبيعات ووصلت للمركز الأوّل في اثني عشر دولة.
باشرت بعدها بجولتها الموسيقيّة، حيثُ زارت اليابان كما قدّمت مع نهاية عام 1974 حفلاً في كيبِك في كندا.
بعد عدّة أشهر، عادت إلى فرنسا قبل أن تعاود جولتها وتذهب إلى ألمانيا، كما تلقّت في شباط عام 1975 جائزة الأكاديميّة الفرنسيّة للأسطوانات الموسيقيّة.
قرّرت بعد فترة الانضمام إلى موجة أغاني الدّيسكو التي اجتاحت البلاد وقتها؛ وحقّقت نجاحاً هائلاً في ذلك القطاع وتصدّرته بأغنيتها J’attendrai version 75 أغنية الديسكو الفرنسيّة الأولى من نوعها.
شهدت فترة السّبعينات انطلاقة العديد من برامج المنوعات الفنيّة، وبما أنّ داليدا كانت تمتلك اسمها وشهرتها الخاصّة، فحلّت ضيفةً دائمةً على تلك البرامج سواءً في فرنسا أو في دول أخرى.
نجاحها في الدّول العربيّة
امتلكت لداليدا مكانتها الخاصّة في قلوب مُحبّيها العرب، وبما أنّ أصلها يعود إلى مصر، فذلك الأمر عزّز من مكانتها وصلتها مع جمهورها في مصر والعالم العربي أجمع.
عادت داليدا خلال فترة السّبعينات إلى مصر، كما أنّها سافرت مرّات عديدة إلى لبنان الأمر الذي شجّعها على تسجيل أغانٍ باللغة العربيّة لجماهيرها في تلك المنطقة.
وبالفعل اعتمدت داليدا عام 1977 على أغنية مصريّة فلكلوريّة اسمها سالمة يا سلامة، وأطلقت مستوحيةً منها أغنية في فرنسا والشّرق الأوسط، مُحقّقةً نجاحاً لم يخطر على البال الأمر الذي دفعها لتسجيلها بخمس لغات مختلفة.
النّجاح في أمريكا
كان للفنّانة أيضاً حضورها الخاصّ في أمريكا، فالجماهير هناك كانت شغوفة بالفنّانات اللواتي يجمعن بين الموهبة والأناقة، وداليدا كانت خير مثال على ذلك، الأمر الذي دفع منظميّ الحفلات للتواصل معها ومنحها عرضها الخاصّ في نيويورك، وبالفعل ظهرت في التاسع والعشرين من تشرين الثّاني على المسارح هناك سالبة قلوب وعقول كُلّ الحاضرين.
هناك أيضاً أطلقت داليدا أغنيتها الأوّلى Lambeth Walk، والتي ذكّرت كل من سمعها بفترة العشرينات حيثُ هلّلت الصّحافة المحليّة بعملها الأمر الذي أعطاها دفعة جديدة من النّجاح هناك.
واصلت الفنّانة تسجيل الأغاني بعد عودتها إلى فرنسا، حيثُ أطلقت في صيف 1979 أغنيتها النّاجحة Monday Tuesday والتي تصدرت من خلالها قوائم الأغاني مجدّداً.
في حُزيران من ذلك العام، عادت إلى مصر لتقديم العروض هناك، حيثُ استقبلها محبّيها بحفاوة لا مثيل لها، حتّى أنّ الرئيس المصري من ذلك الوقت أنور السّادات قد استقبلها شخصيّاً وبعد أن أنهت حفلاتها في مصر، قدّمت عروضاً في الإمارات العربيّة المتّحدة قبل أن تعود إلى فرنسا مجدّداً.
بدأت داليدا فترة الثّمانينات بنجاحات مُبهرة، حيثُ قدّمت بكل عظمتها في قصر Palais des Sports في باريس أهمّ عروضها على الإطلاق، فعلى مدار الفترة الممتدّة ما بين الخامس إلى العشرين من كانون الثّاني عام 1980، قدّمت حفلاً مهيباً بكل ما للكلمة من معنى حابسةً أنفاس الجماهير لمدّة ساعتين متواصلتين، حفلاً تميّز بقربه من النمط الأمريكي حيثُ بدّلت ملابسها خلاله اثني عشر مرّةً مختارةً ملابساً برّاقة وأخرى مزيّنة بالرّيش، إلى جانب وجود أحدى عشر راقصاً وثلاثين عازفاً شكلوا بمجملهم لوحةً متكاملةً ذكّرتنا بعروض مسارح برودواي.
بعد إنّهائها لتلك الحفلات، أصبحت داليدا الفنّانة الوحيدة التي تُحقّق نجاحاً على هذا المقياس الخارق، كما أنّها بدأت بعدها بجولة عالمية كُبرى انتهت في الخريف.
أطلقت داليدا عام 1983 ألبوماً جديداً تضمّن أغانٍ مثل Mourir sur scène و Lucas، كما بدأت عام 1984 بجولتها العالميّة وذلك نزولاً عند رغبة محبّيها.
خلال مهنتها التي امتدت على مدى 37 عاماً شهدت فيها نجاحاً منقطع النّظير، وشاركت في عددٍ من الأفلام، إلّا أنّ دورها الأهم جاء بمشاركتها في فيلم اليوم السّادس ليوسف شاهين، حيثُ لعبت دور امرأة عجوز وأظهرت قدرة مُميّزة على التّمثيل حائزةً على إشادة رائعة من النّقاد.
حياة داليدا الشخصية
لم تكُن العلاقة التي تجمع بين داليدا ولوسيان موريس علاقة عمل وحسب، بل بدأت تأخذ منحىً آخراً، و بدأ الاثنان بخوض علاقة رومانسيّة فانتظر المعجبين بشوق أن يعلنا عن زواجهما، وبعد الكثير من التّأجيل، أعلن الثّنائي عن زواجهما في الثامن من نيسان عام 1961 والذي أُقيم في باريس حيثُ دعت عائلتها للقدوم إلى العاصمة الفرنسية.
انطلقت داليدا في جولتها الموسيقيّة بعد انتهاء العرس مباشرةً دون أن تقضي شهر العسل حتّى، حيثُ أنّ زوجها لوسيان كان مُدمناً على العمل ويدفعها للعمل معه بشكل متواصل دون أن تلتقط أنفاسها الأمر الذي انعكس سلباً على علاقتهما الشخصية كما بدأت داليدا تشعر بالإرهاق الدّائم.
بعد عدّة أشهر، تعرّفت خلال أحد الفعاليات في مدينة كان على جان سوبيسكي Jean Sobieski ووقعت في غرامه من النظرة الأولى وكان الشعور متبادلاً من قبل جان الأمر الذي قضى على فرصة الحفاظ على زواجها من لوسيان؛ وعلى الرّغم من أنّها تُدين له بشهرتها التي وصلت إليها، إلّا أنّها أرادت أن تمتلك حريّتها الشخصيّة، ما كان أمراً صعباً على الاثنين.
خلال فترة النّجاح الذهبي التي تمتّعت بها داليدا، عاودت الحلم بالزواج مجدّداً، إلّا أنّها لم تجد الشخص المناسب كما أنّها كانت مُنهمكة بالعمل في تسجيل الأغاني وحضور الحفلات وخلافه، ومع نهاية عام 1966 تولّى شقيقها برونو مسؤولية إدارة أعمالها بينما أصبحت قريبتها روزي Rosy سكرتيرتها الخاصّة وبذلك تكون أصبحت كل شؤون أعمالها ضمن العائلة الأمر الذي أراحها كثيراً.
في تشرين الأوّل عام 1966 قرّرت شركة التّسجيل الإيطاليّة RCA المشاركة في مسابقة للأغاني خلال مهرجان سان ريمو في إيطاليا، وذلك عبر أغنية اتّفق أن تغنيها داليدا بينما يكتبها ويلحّنها لويجي تانكو Luigi Tanco وهو مُؤلّفٌ شاب لم يكُن مشهوراً في تلك الفترة؛ لذا خلال العمل على الأغنية اجتمعت داليدا بلويجي عدّة مرّات فوقعا في غرام بعضهما.
خلال المهرجان، قامت داليدا بدعوة لويجي ليشاركها الغناء على المسرح حيثُ غنّوا Ciao Amore الأمر الذي وضع لويجي تحت ضغط كبير خلال التّقديم لاسيما أنّ داليدا كانت نجمة مشهورة بينما هو لم يسمع أحد باسمه من قبل.
استغّل الثّنائي تلك المناسبة وأعلنا أنّهما سيتزوّجان في نيسان، إلّا أنّ الأمور لم تمرّ كما هو مخطط، حيثُ أنّهما قد خسرا في المسابقة الأمر الذي دفع لويجي لشتم لجنة التّحكيم والتّشكيك بنزاهة الحفل بالكامل وذلك لأنّه كان تحت تأثير الكحول والمُهدّئات.
من سوء الحظ أنّ الأمور لم تنته هنا، حيثُ أقدم لويجي على الانتحار في غرفته في الفندق ما حطّم داليدا نفسيّاً ودفعها هي أيضاً لمحاولة الانتحار عن طريق الإفراط بتناول الحبوب المنوّمة.
لم تشأ العناية الإلهية أن تفارق داليدا الحياة، وبعد أن أفاقت من غيبوبتها قرّرت البدء بمرحلة جديدة من حياتها حيثُ لم تعد ترتدي سوى الفساتين البيضاء الطويلة إلى أنّ أصبح الجمهور يناديها بالقدّيسة داليدا، كما أنّها انهمكت بالقراءة لاسيّما في مجال الفلسفة وعشقت فرويد وبدأت بممارسة اليوغا أيضاً.
لم تكن هذه الأزمة الوحيدة التي مرّت بها داليدا، حيثُ أنها قد فُجعت بانتجار شريكها السّابق ريشار بتاريخ لعشرين من تمّوز عام 1983 في مكان إقامته بجنوب فرنسا؛ السّابق الأمر الذي أفقدها حماسها الذي دائماً ما تميّت به، حتّى أنّ النّاس بدأت تلاحظ تغيرات جسديّة واضحة عليها.
وفاة داليدا
لم تتمكّن الأسطورة العالميّة من تجاوز كل الآلام والمآسي التي أحاطت بها من كل مكان، لاسيما أنها كانت تشعر بوحدة لا توصف كونها بقيت من دون زوج أو أطفال، ومع كل تلك الآلام المتراكمة عبر السنين شعرت داليدا أنّها قد وصلت إلى نهاية مسدودة وأن كل تلك العظمة التي حقّقتها كانت قد جاءت على حساب كونها امرأة؛ وعلى الرّغم من أنّ آخر أغانيها قد حملت عنوان Mourir sur scène أو الموت على المسرح، إلا أنّها لم تشعر أنّها قادرة بعد على المحاربة والاستمرار فاختارت إنهاء حياتها بيدها منتحرةً في ليل الثّاني أيّار عام 1987 بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة تاركةً للعالم كلماتها الأخيرة: “لم أعد أُطيق الحياة، سامحوني.”
وكالات