- تساؤل عن سبب لاعقلانية وطيش سياسات سلطات السعودية في استهداف إصلاحيين من قبل حكم يزعم الإصلاح!
- تتدهور خطط الإصلاح الاستراتيجية لولي العهد إلى خطط لإرهاب الشعب السعودي.
المحيّر في قضية اختفاء جمال خاشقجي
في مقاله الأخير في «واشنطن بوست» تحدث الكاتب السعودي جمال خاشقجي عن الاعتقالات في بلاده والتشهير بمثقفين «كانت لديهم الجرأة ليعبروا عن رأيهم»، وعلى أن ولي العهد، محمد بن سلمان، وعد مع صعوده إلى قمة السلطة بجعل البلاد «أكثر انفتاحا وتسامحا»، وبمحاربة ما يعيق تقدم المملكة «كحظر المرأة من قيادة السيارة» ولكن «كل ما أراه الآن هو الاعتقالات».
أشار خاشقجي أيضاً إلى الاتهامات الكاذبة التي توجه للموقوفين «باعتبارهم جزءا من مؤامرة مدعومة من قطر»، واضطرار البعض منهم، مثله هو شخصيا، باللجوء إلى النفي الطوعي، ولم يكن يتنبأ حين قال إنه «ربما نواجه القبض علينا في حال عودتنا إلى الوطن»، مشيراً إلى أحد أصدقائه، الذي يعتبره أحد مشاهير المثقفين، عصام الزامل، الذي تعرّض بدوره للاعتقال لمجرد توجيه ملاحظات اقتصادية مهمة ومفيدة على خطة خصخصة شركة أرامكو، فاتهم بدوره بالانتماء للإخوان والتعامل مع قطر.
الأمر المحيّر، على حد قول خاشقجي، أن الكثيرين، إن لم يكن أغلب من طالتهم الاعتقالات، كانوا، إضافة إلى كونهم من أصحاب الآراء البناءة والعلم والثقافة، حتى وقت قريب، في خدمة الدولة التي تقوم حاليّا باعتقالهم وتوجيه التهم السخيفة إليهم، فخاشقجي نفسه كان رئيس تحرير صحيفة «الوطن»، وبعدها عمل مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل، سفير السعودية في بريطانيا ثم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأغلب المعتقلين، وهم دعاة دينيون وكتاب وأشخاص مشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي، أيّدوا الخطط الإصلاحية لوليّ العهد السعودي، ولم يكونوا، وخاشقجي من بينهم، معارضين للحكومة بأي حال، أو مرتبطين بالإخوان المسلمين، لكنّ ذلك لم يمنع آلة البطش العمياء من اعتقالهم واختراع الاتهامات الخطيرة لهم، فما هو السبب؟
يطرح اختفاء خاشقجي وعدم خروجه من قنصلية بلاده في إسطنبول «تطويرا» مذهلا على أداء السلطات السعودية في التعامل مع الاختلاف في الرأي، الذي كان دائما، في حالة خاشقجي، أقرب للنصيحة لحكام المملكة، فالاختفاء جرى جهارا نهارا وعلى عيون الأشهاد.
وإذا كان طول خدمة خاشقجي للدولة السعودية وحكامها لم يكن كافياً لاستثنائه من البطش، ولا ليبراليته ورجاحة آرائه الفكرية والسياسية، فالأولى بمقرّري شؤون الحياة والموت في المملكة كان أن يراعوا أنه جاء إلى سفارة بلاده برجليه في قضية عائلية، وأن الواقعة تجري في تركيا، وأنه اختار المنفى الطوعي إلى آخر ما هنالك من ضرورات لتعقّل السلطات السياسية والأمنية وتبيّن خطورة أفعالها على سمعتها التي لا تني تتنكّس وتسوء يوما بعد يوم.
قصة خاشقجي تدفع المرء للتساؤل عن سبب هذا الابتعاد الفظيع عن العقل في سياسات السلطات السعودية، وهذا الطيش غير المحدود المتمثل في استهداف مثقفين معتدلين وإصلاحيين من قبل حكم يزعم الاعتدال والإصلاح.
وبدلا من استقطاب السلطات لهم وتوظيف خبراتهم تقوم بمطاردتهم والبطش بهم ليس في حدود المملكة الجغرافية فحسب بل (على ما تشير الأمور في اختفاء خاشقجي، وفي الاعتداءات المباشرة على سعوديين في بلدان أخرى) في مشارق الأرض ومغاربها.
تتدهور خطط الإصلاح الاستراتيجية للأمير محمد بن سلمان، على ما تكشفه الوقائع، إلى خطط لإرهاب الشعب السعودي عبر استهداف مثقفيه ودعاته وعلمائه وناشطيه، في «رؤية» استراتيجية لتجويف الفضاء السياسي والفكري في المملكة، وهي ديناميّة خاسرة وفاشلة سلفا وتكسر أي أمل بإصلاح وتنمية ناهيك عن العدالة التي هي أكبر ضحايا ما يجري في السعودية.
المصدر: القدس العربي