وعد لم يترجم حتى الآن بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية وهذا أقل المطلوب.
يتمسك بايدن بمعادلات ومفاهيم ومقاربات الماضي التي لم تعد صالحة كأدوات للتعامل بها مع تحديات العصر.
الخلاصة أن هناك شيئاً من الاستضعاف للإدارة في الداخل وحتى في صفوف الديمقراطيين، كما في الخارج.
اتسمت سياسات إدارة بايدن بتراجعات وغموض وتدوير الزوايا كما في مشروع البنية التحتية بالداخل والتزامات شرق أوسطية بالسياسة الخارجية.
العمل بمقاربات الماضي انتهى إلى خسائر تجمعت مع نهاية العام لتشكل فاتورة عالية بالنسبة إلى إدارة تقاتل من موقع الدفاع على أكثر من جبهة.
* * *
ينتهي عام 2021 على عكس بدايته مع الرئيس بايدن. فبعد انطلاقة واعدة وفّرتها ظروف مواتية في الأشهر الستة الأولى من توليه الحكم، دخلت رئاسته وساهم هو بإدخالها أيضاً في مطبات عاصفة، حوّلت الوعد إلى كابوس.
تواطأت متحورات كورونا مع إخفاقاته في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية، لتراكم خسائره وتكشف عن ضعف وتخبط وصل إلى حدّ عجز معه البيت الأبيض عن احتواء تمرد سيناتور واحد من حزبه (جو مانشن)، إذ أصر على إطاحة مشروع الرئيس الحيوي للبنية التحتية الذي ارتبط به مصير رئاسته.
كذلك يتوقف تمرير هذا القانون في مجلس الشيوخ على صوت هذا السيناتور، حيث يرفض مساندة المشروع بدوافع سياسية ضيقة، رغم أن المشروع قد يساعد على تعويم رئاسة بايدن ويضمن إلى حد بعيد فوز الحزب الديمقراطي بانتخابات الكونغرس في الخريف القادم.
الخطأ في التقدير وفقر الأداء، مع شيء من سوء الحظ، تتضافر معاً لتؤدي إلى زيادة خسائره وهبوط وضعه وإمساك خصومه بالمبادرة في الساحتين المحلية والدولية، أمور تنذر بالمزيد من تعثر رئاسته واضطراب سياساتها في السنة القادمة.
انتقال رئاسة بايدن من حال إلى حال مغايرة، جرى بصورة متسارعة فرضها توالي الأحداث والنكسات. صعودها جاء مع كورونا من خلال حملة التطعيم الناجحة التي أطلقتها إدارته فور مجيئها، فيما بدأ هبوط رصيدها بعد ظهور متحور “دلتا” وانتشاره، ثم أخيراً متحول “أوميكرون”.
ثم تفاقمت الطفرة في الحالتين إلى شبه ما كان عليه الوضع مثل هذه الأيام الأولى للجائحة بسبب رفض أكثر من 50 مليون أميركي حتى الآن الاستجابة لنداءات لرئيس والمجتمع الطبي، بأخذ جرعات اللقاح اللازمة.
في الوقت الحالي وصلت الإصابات إلى معدل 120 ألفاً والوفيات إلى 1200 يومياً. ترتب عن ذلك تداعيات اقتصادية تجلّت في أزمة الإمدادات والنقص في اليد العاملة، وبالتالي في العرض مقابل زيادة الطلب، ما أدى إلى جنون الأسعار وارتفاع معدل التضخم لاحقاً إلى 6.8% لأول مرة منذ أربعين سنة، بينما يتوقع استمرار هذا الارتفاع طوال 2022، وربما لسنوات أخرى، وبنسبة أعلى.
وكالعادة، يتحول التضخم إلى نقمة على الرئيس الذي ازداد تآكل الثقة بقيادته بعد فشله في احتواء السيناتور مانشن لتمرير المشروع البنيوي الهام في مجلس الشيوخ.
ويسود اعتقاد بأن هذا الفشل كان نتيجة محتومة للسذاجة التي حكمت تعامل الإدارة مع مناورات السيناتور المستمرة منذ الصيف الفائت، والتي نجحت في قتل المشروع ما لم تحصل معجزة لإحياء شيء منه. وهي السذاجة نفسها التي تسجلها بعض الأوساط والدوائر، ومنها مقرّبة من الديمقراطيين أو محسوبة عليهم، على البيت الأبيض في تعاطيه مع ملفات خارجية، مثل مفاوضات فيينا التي انفضّت جولتها الثامنة أواخر الأسبوع الماضي وبقيت مفتوحة على المجهول.
أما في موضوع الديمقراطية، فعقد الرئيس بايدن قبل أسبوع قمة افتراضية شاركت فيها 110 دول، للتباحث في كيفية تعزيز الديمقراطية دولياً، في وقت تعاني فيه الديمقراطية الأميركية من أعطاب عميقة كانت ذروتها في غزوة 6 يناير/ حزيران الماضي لمبنى الكونغرس التي كشفت تحقيقات مجلس النواب فيها (لم تنتهِ بعد) عن ارتكابات وخروقات فاضحة للدستور ولحرمة انتخابات 2020.
وجاء الإخفاق الكبير والمحرج في الخروج من أفغانستان، بعد أن كشف عن فجوات وأخطاء كثيرة، ليزيد من الأزمة، إذ يرى خبراء أن تلك الكبوة أعطت موسكو، كما بكين، جرعة زخم إضافي لتأكيد الندية مع الولايات المتحدة والانتقال في العلاقات معها من الرد إلى المبادرة ورسم الخطوط الحمراء، سواء في الحشد العسكري الروسي المتواصل على حدود أوكرانيا، أو في رفع الصين لدرجة التوتر بخصوص تايوان.
وإزاء تلك الحالتين، وقف الرد الأميركي عند تحذير موسكو من دون أن يفلح ذلك في حملها على سحب الحشود الروسية من دون ضمانات بعدم ضمّ أوكرانيا إلى حلف ” الناتو”. واكتفت واشنطن في الرد على بكين بعدم إيفاد وفد دبلوماسي أميركي للمشاركة في احتفالات الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها بكين في فبراير/ شباط القادم.
الخلاصة التي تتقاطع عندها قراءات واستنتاجات كثيرة، أن هناك شيئاً من الاستضعاف للإدارة في الداخل، وحتى في صفوف الديمقراطيين، كما في الخارج.
فيما تتميز سياسات إدارة بايدن بالتراجعات والغموض وتدوير الزوايا، مثل ما جرى في مشروع البنية التحتية في الداخل، والالتزامات الشرق أوسطية في السياسة الخارجية، ومنها على سبيل المثال الوعد الذي لم يترجم حتى الآن بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية. وهذا أقل المطلوب.
يعود ذلك إلى اعتماد الرئيس على مفاهيم ومعادلات ومقاربات الماضي التي “لم تعد صالحة كأدوات للتعامل بها مع تحديات العصر ” كما تقول آن ماري سلوتر، مديرة مركز “أميركا الجديدة” للدراسات في واشنطن.
وتضيف: “العمل بهذه المقاربات انتهى إلى خسائر تجمعت مع نهاية العام لتشكل فاتورة عالية بالنسبة إلى إدارة تقاتل من موقع الدفاع على أكثر من جبهة، فيما تشتبك لأول مرة مع الدب والتنين في آن واحد بحرب شبه باردة يخشى من تحولها إلى نوع من الساخنة في لحظة انسداد أو خطأ في الحسابات، أو وجود حاجة لتحويل الاهتمام إلى الخارج. خاصة أن هناك من يدفع باتجاه التلويح بالعصا”.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: