لم يضطر لبنان حتى للجلوس على طاولة عليها علم الاحتلال أو أن يتحدث مباشرة مع المحتلين.
كان لبنان ندا للكيان الذي يملك القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة، وحتى مع دول عربية لا “تهضم” بعض الأطراف اللبنانية.
أحضر معه أخيرا اتفاقا يلائم لبنان، ويلبي طموحاته، ولا ينتقص من سيادته، ولا يجره إلى التطبيع أو الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا يغلق الملفات العالقة مع الكيان.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن موقف وتهديدات حزب الله كان لها دور بارز، وربما الأبرز، في تمتين ومنعة الموقف اللبناني.
*****
بقلم: عبدالله المجالي
لبنان الصغير شبه المنهار اقتصاديا المنقسم على نفسه طوليا وعرضيا الذي من النادر أن يتفق شعبه على شيء الذي تحكمه الطوائف، استطاع التفاوض مع الاحتلال الصهيوني بندية دون انبطاح أو ارتماء في أحضانه أو حتى اعتراف بشرعيته، ولم يضطر حتى للجلوس على طاولة عليها علم الاحتلال أو أن يتحدث مباشرة مع المحتلين.
فاوض لبنان الكيان الصهيوني على ترسيم الحدود البحرية بشكل غير مباشر، وكان ندا للكيان الذي يملك القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة، وحتى مع دول عربية لا “تهضم” بعض الأطراف اللبنانية.
وقف الكيان المتغطرس حائرا أمام الصلابة والندية اللبنانية، فلم يتجرأ على استكمال مشروعه بنهب الغاز من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان في البحر الأبيض المتوسط، وهو الذي نهب غاز فلسطين كله، يبيعه للأردن ومصر دون أن يعرف أحد السعر، وهو الذي يحظر على السلطة في رام الله استغلال حقول الغاز المكتشفة قبالة شواطئ غزة!
استمرت الولايات المتحدة في لعب دور الوساطة للوصول إلى اتفاق، وحلّ المبعوث الأمريكي الخاص لهذه القضية، يهودي كان خدم في جيش الاحتلال، في بيروت أكثر من مرة حاملا معه مسودات ومقترحات مترافقة بتهديدات مبطنة وغير مبطنة، لكن بيروت ظلت صامدة ولم ترضخ رغم كل المشاكل التي يعاني منها لبنان.
ظل المبعوث الأمريكي يجيء ويذهب إلى أن أحضر معه أخيرا اتفاقا يلائم لبنان، ويلبي طموحاته، ولا ينتقص من سيادته، ولا يجره إلى التطبيع أو الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا يغلق الملفات العالقة مع الكيان.
كانت المقترحات الأولى تنتقص من سيادة لبنان وتتعامل معه كأنه فريسة سهلة يمكن ابتلاعها بسرعة، لكن سرعان ما اكتشف الكيان ومن ورائه واشنطن أن لحم لبنان مر ولا يمكن أكله أو هضمه بسهولة، رغم الأوضاع الصعبة التي يمر بها.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن موقف وتهديدات حزب الله كان لها دور بارز، وربما الأبرز، في تمتين ومنعة الموقف اللبناني، والجميع تعامل مع الملف وعينه على موقف الحزب، لذلك فإن “فتحة العداد” لأي اتفاق كانت معروفة سلفا لدى الكيان الصهيوني وحليفته واشنطن.
تهديدات حزب الله كانت سلاحا ماضيا، واستثمار الرئاسة والحكومة اللبنانية لذلك، من وراء الكواليس، كان سلاحا ماضيا كذلك، واستثمار البيئة الدولية الناشئة عن حرب الطاقة على هامش الحرب الروسية كانت سلاحا ماضيا.
المفارقة أن عوامل ضعف لبنان كانت هي عوامل قوته في تلك المفاوضات، فالانقسام الطائفي لا يسمح بذهاب طرف لاتفاق مع الكيان الصهيوني على حساب مصلحة لبنان، وغياب الزعيم القائد الملهم كالذي ابتليت به معظم الدول العربية ساعد في ذلك أيضا.. أليس كذلك.
* عبدالله المجالي كاتب صحفي أردني
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: