حول انتخابات البحرين الأخيرة.. وما سبقها
- تستهدف السلطة بأرقامها المرتفعة للمشاركة الانتخابية إقناع الداخل والخارج بشرعيتها واستنادها لاختبار انتخابات منتظمة.
- يدعو رئيس مجلس النواب لـ”محاسبة المواطنين المقاطعين للانتخابات ومعاقبتهم بعدة طرق كتأخير طلباتهم الإسكانية وتأجيل قبول طلبات تقاعدهم”.
- بجانب تهديد الداعين لمقاطعة الانتخابات بمحاكمتهم جنائيا بتهمة “الإخلال بحرية الانتخاب والاستفتاء”، أتى اعتقال النائب العشيري ليكون تحذيراً إضافياً.
- لم يعد مسموحاً للمعارضين التعبير عن مواقفهم الشخصية ولا القيام بحملة لتحريض الآخرين على مقاطعة الانتخابات.
بقلم: عبد الهادي خلف
أُجريت الجولتان الأولى والثانية من الانتخابات النيابية والبلدية في البحرين في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر والأول من الشهر الجاري، وهي انتخابات دعت فصائل المعارضة اليسارية والشيعية إلى مقاطعتها. إلا أن التقارير التي نشرها الإعلام الرسمي تؤكد إن إقبال المواطنين على المشاركة في الجولتيْن كان نشطاً وكثيفاً.
وحسب تلك التقارير لم يختلف المشهد في الجولتين من حيث “تهافت المواطنين بكافة الأعمار والفئات على التصويت وممارستهم حقهم في هذا الاستحقاق الوطني”. بالمقابل أكدت بيانات التنظيمات المعارضة عن تحقيق “أكبر إجماع وطني في البحرين على المقاطعة” بمشاركة “جميع جمعيات المعارضة وجميع القوى والتجمعات المهنية”.
الانتخاب في ظل قمعٍ متصاعد
بعد أشهر من تداول إشاعات عن “قرب الإعلان عن انفراجات سياسية”، فاجأت محكمة الاستئناف العليا المتفائلين. ففي الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قررت هذه المحكمة إلغاء حكم سابق ببراءة الشيخ علي سلمان، النائب السابق وأمين عام جمعية الوفاق، من تهمة “التخابر مع قطر”. وقررت المحكمة الحكم على الشيخ بالسجن المؤبد.
بذلك الحكم انضم الشيخ علي إلى العشرات من قادة المعارضة ونشطائها الذين قضت المحاكم العسكرية أو الجنائية عليهم بالسجن المؤبد. ولتأكيد إنهاء سراب “الانفراجات السياسة القادمة” استمرت محاكم البحرين العسكرية والجنائية في إصدار الأحكام القاسية على نشطاء المعارضة بما فيها أحكام الإعدام والمؤبد والتجريد من الجنسية.
فعشية الجولة الثانية للانتخابات صدر الحكم (29/11/2018) بإعدام اثنين من نشطاء المعارضة. وبهما يصل عدد نشطاء المعارضة المتواجدين في زنازين انتظار تنفيذ حكم الإعدام إلى العشرين.
وفي الفترة نفسها أعلنت النيابة العامة عن إحالة عددٍ من الموقوفين إلى المحاكمة بتهم “الإخلال بحرية الاستفتاء والانتخاب والتأثير على سلامة العملية الانتخابية والتشويش عليها، وتمزيق إعلانات انتخابية مرخص بها وسب أحد المرشحين علانية”.
وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، أي قبل أسبوع من الجولة الانتخابية الأولى، اعتقلت سلطات الأمن النائب السابق عن كتلة الوفاق علي العشيري بعد أن نشر في حسابه على تويتر تغريدة يعلن فيها إنه وعائلته لن يشاركوا في التصويت في الانتخابات المقبلة.
وأضاف “أنا مواطن بحريني محروم من حقوقي السياسية والمدنية لذلك أنا وعائلتي سوف نقاطع الانتخابات النيابية والبلدية (لنقول) لا لقانون العزل السياسي”. بعد قضاء خمسة عشر يوم رهن الاحتجاز أخلت النيابة سبيل العشيري بكفالة مالية انتظاراً لموعد محاكمته في العاشر من هذا الشهر..
بجانب تهديد الداعين لمقاطعة الانتخابات بتقديمهم للمحاكم الجنائية بتهمة “الإخلال بحرية الانتخاب والاستفتاء”، أتى اعتقال النائب العشيري ليكون تحذيراً إضافياً. فلم يعد مسموحاً للمعارضين التعبير عن مواقفهم الشخصية ولا القيام بحملة لتحريض الآخرين على مقاطعة الانتخابات.
تزامن مع تلك الإجراءات نشر كثيف لتهديدات مبطنة ومعلنة كان أكثرها وضوحاً تصريح رئيس مجلس النواب أحمد الملّا قبل ثلاثة أيام من يوم الانتخاب بأن “التردد أو التخاذل في المشاركة يجب أن يقابله مسائلة ومحاسبة صارمة”.
وأشاد الملّا بتوجه الأجهزة المعنية إلى تأكيد “أهمية اقتران الخدمات المقدمة من الدولة للمواطنين، والموظفين الحكوميين خاصة، مع المشاركة الانتخابية والتصويت” وأشار إلى أهمية “محاسبة المواطنين المقاطعين للانتخابات ومعاقبتهم بعدة طرق بما فيها تأخير طلباتهم الإسكانية وتأجيل البت في قبول طلبات تقاعدهم”.
بطبيعة الحال لم تعتبر النيابة العامة تصريحات الملّا فعلاً يندرج تحت بند جرائم “الإخلال بحرية الانتخاب والاستفتاء”. بل سانده في الترويج لها عددٌ من الأجهزة الرسمية بما فيها الإعلام الرسمي والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (الحكومية) علاوة على أعضاء في مجلسي النواب والشورى.
العزل السياسي
في بداية هذه السنة أدخلت تعديلات على قانون “مباشرة الحقوق السياسية في البلاد” هدفها تشريع إجراءات “العزل السياسي”. تستثني تلك التعديلات من ممارسة الحقوق السياسية كل من كان “محكوماً بعقوبة جنائية أو بعقوبة الحبس لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإن صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة”. كما لا يُسمح بالترشيح لأيٍ من “قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي”. كما يشمل المنع من الترشح كل “من تعمَد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية وذلك بإنهاء أو ترك العمل النيابي بالمجلس أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب”.
في وقت إعلان تلك التعديلات توقع كثيرون أن ينحصر تطبيقها على بضعة عشرات من قادة وكوادر تنظيمين معارضين تمّ حظرهما وهما وعد (اليسارية) والوفاق (الشيعية). إلا إن السلطة توسعت في تفسير نصوص تلك التعديلات فرفضت قبول ترشيحات آخرين ليس لهم علاقة بالتنظيمين المحظورين.
“25 سبباً للامتناع عن المشاركة”
ذكر النائب السابق علي الأسود في مؤتمرٍ صحافي أن لدى المعارضة 25 سبباً تدفعها إلى الامتناع عن المشاركة. أبرز تلك الأسباب “غياب دستور تعاقدي، ووجود نظام انتخابي غير عادل لا يحقق المساواة بين المواطنين، واعتماد منهج التمييز في الدوائر، وكون السلطة التشريعية منقوصة الصلاحيات، وتفعيل المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، وانحياز السلطة القضائية، وغياب الإرادة الشعبية في تشكيل الحكومة”.
أغلب هذه الأسباب ليست جديدة. بل إنها كانت بارزة وبوضوح منذ منتصف شباط/ فبراير 2002 أي منذ أن أعلن الملك (الأمير وقتها) بشكل منفرد دستور المملكة الذي رفضته تنظيمات المعارضة.
في حينها قام إجماعٌ عابرٌ للطوائف شمل جمعيات المعارضة وشخصيات عامة على رفض ذلك الدستور لأنه لا يرقى لمستوى دستور البلاد لعام 1973، ولأنه لا يفي بتوافقات فصّلها ميثاق العمل الوطني الذي عُرض للاستفتاء الشعبي في 2001.
بل هو دستورٌ وصفه عضو مجلس الشورى البحريني عبد العزيز أبل بأنه “أكثر تخلفاً من دستور مصر الملكية لعام 1923 ودستور العراق الملكي لعام 1925 ناهيك عن الدستور الحالي في مملكتي المغرب والأردن”.
فيما بعد، أخلَّت الصفقات والتسويات السياسية اللاحقة بذلك الإجماع الوطني ولكنها أدت إلى أن تتمثل الوفاق، أكبر تنظيمات المعارضة، بثمانية عشر نائباً في دورتين برلمانيتين (2006 و2010).
ورغم من ذلك، بقيت البلاد طيلة تلك الفترة كما قبلها وبعدها تعاني من أزمة مركبة سياسية وأمنية تؤججها الأسباب الخمسة وعشرين التي أشار إليها تصريح النائب السابق علي الأسود.
غواية الأرقام
تتقاذف السلطة والمعارضة أرقاماً متباينة لا سبيل للتحقق من صحتها، في ظل إصرار السلطة في البحرين على منع حضور جهات محايدة، دولية أو إقليمية، لمراقبة عملية الانتخابات وتفاصيلها. ولهذا يستمر التجاذب بين السلطة وقوى معارضة حول تقديراتهما المتباينة عن نسبة المشاركة/المقاطعة.
وهو ما حدث في أربع دورات انتخابية متتالية.
ففي انتخابات برلمان 2002 التي قاطعتها جميع تنظيمات المعارضة (فيما عدا الشيوعيين السابقين في جمعية المنبر التقدمي)، بلغت نسبة المشاركة 53.4 في المئة.
وفي انتخابات 2006 التي شاركت فيها جميع التنظيمات المعارضة ارتفعت نسبة المشاركة إلى 73.6 في المئة.
وفي انتخابات 2010 (التي جرت قبل أسابيع من اندلاع انتفاضات الربيع العربي) انخفضت نسبة المشاركة إلى 67.7 في المئة، ثم انخفضت مرة أخرى إلى 52.8 في المئة في انتخابات 2014 التي امتنعت جميع التنظيمات المعارضة عن المشاركة فيها.
لا تختلف الأرقام في 2018 عن بعض سابقاتها. فبعد إعلان نتائج المرحلتين الأولى والثانية بذل بعض المتحدثين باسم المعارضة جهداً ملحوظاً في تأكيد نجاح المقاطعة.
وبالمقابل بذل ممثلو السلطة وبحماسة أكبر وبقدرات إعلامية أكبر بكثير جهوداً لتأكيد فشلها. ففيما يكرر معارضون إن نسبة المشاركة تتراوح بين 30 و40 بالمئة يصِّر الجانب الحكومي على إن تلك النسبة تجاوزت 67 في المئة.
من السهل معرفة الأسباب التي تدفع السلطة في البحرين، كغيرها من السلطات الاستبدادية، إلى اللجوء إلى مختلف الأساليب بما فيها التزوير لكي ترفع أرقام نسبة المشاركة في الانتخابات.
فأحد الأهداف التي تتوخاها السلطة بأرقامها المرتفعة هو تأكيد شرعيتها وإقناع الداخل والخارج استناد تلك الشرعية إلى الاختبار الدوري المتمثل في انتخابات منتظمة. ولذلك تقوم السلطة بكل ما يمكنها القيام به لضمان نجاحها في تلك الاختبارات الدورية.
ولا تختلف السلطات في البحرين عن غيرها من السلطات الاستبدادية حين تعيد ترسيم الدوائر الانتخابية أو حين تعيد تشكيل الكتل الانتخابية. بل هي ترى أن من حقها فرض المواصفات التي تناسبها على من يحق لهم الترشح في تلك الانتخابات، وأنه من حقها أن تفرض مواصفات من يتم إدراجهم في الجداول الانتخابية.
السلطة لم تكتشف هذه الأساليب في 2018 بل كانت تمارسها منذ 2002 وحتى الآن. نعم، تطورت خلال تلك الفترة أساليبها في التحكم بالعملية الانتخابية وفي ضمان ملائمة مخرجاتها.
ولهذا ترى السلطة الآن إنها تستطيع أن تكتفي بنسبة أقل بكثير من نسبة 73.6 في المئة التي تحققت في انتخابات 2006 التي شاركت فيها جميع قوى المعارضة.
* د. عبد الهادي خلف أكاديمي بحريني أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة لوند بالسويد.
المصدر: السفير العربي