ما نوع الشباب والشابات الذين يراد لهم أن يوجدوا في بلدان الخليج العربي مستقبلاً؟
حملات مركزة تهدف إلى خلق جيل بلا هوية عروبية جامعة، وبلا قناعات بضرورة إيمانهم بالتزامات وطنية وقومية تجاه أمتهم.
مطلوب الاكتفاء من التزامات الشباب الوطنية والقومية بالولاءات الفرعية الطائفية أو القبلية أو الشعارات الطفولية الممجدة ببغاوياً لأقوال من مثل «بلادي الفلانية أولاً».
التخلص من الالتزام القومي بقضية فلسطين بعد أن تبين لمسؤولين (عرب) أن الكيان الصهيوني واحة سلام ومصدر تقدم علمي وتكنولوجي وصانع أسلحة بلا مثيل.
* * *
بقلم: علي محمد فخرو
ما نوع الشباب والشابات الذين يراد لهم أن يوجدوا في بلدان خليج العرب مستقبلاً؟ تتبع ما يكتبه وينطق به بعض ناطقي وممثلي شتى سلطات المال والوجاهة والاستخبارات الخارجية والداخلية في هذه الدول، يقود إلى الصورة التالية المطلوبة بالحاح كما يظهر من قبل تلك السلطات.
أولاً، المطلوب شابات وشباب يكفرون بهويتهم العروبية، أو غير واعين بوجودها ـ فيكتفون من لغتهم العربية بلهجات عامية لا تربطهم بتاريخ، ولا بأدب وشعر، ولا بفكر عربي ذاتي نهضوي، ولا بوسط ثقافي رفيع المستوى، ولا بتراث ديني مستنير يسمو بأرواحهم.
ويكتفون من التزاماتهم الوطنية والقومية بالولاءات الفرعية الطائفية أو القبلية أو الشعارات الطفولية الممجدة ببغاوياً لأقوال من مثل «بلادي الفلانية أولاً».
أما على الصعيد السلوكي فالمطلوب أن لا يكون سلوكهم اليومي أو اهتماماتهم العاطفية مرتبطة بالسياسة. يكفي أن يكونوا من مشجعي لعبة كرة قدم، ومن المتعلقين بأحد أبطالها بجنون وبشكل أهوج. ويكفي أن يمارسوا ثقافة الاستهلاك النهم للغذاء واللباس وشتى أنواع التسلية، حتى يشعروا بالاطمئنان إلى أنهم جزء من حضارة العصر وصرعاته.
وثانياً، أن يتخلصوا من التزامهم القومي بالموضوع الفلسطيني، بعد أن تبين لبعض المسؤولين العرب، أن الكيان الصهيوني هو واحة سلام ومصدر تقدم علمي وتكنولوجي متميز وصانع لأسلحة لا مثيل لها.
وبالتالي فهو يسبق أمة العرب بقرون من الحضارة، أما أن ذلك الكيان قد استحوذ على تسعين في المئة من أرض فلسطين التاريخية وشرد سبعة ملايين من إخوانهم الفلسطينيين، ويومياً يقتل ويسجن ويهدم البيوت ويدنس مقدسات المسلمين والمسيحيين.
وأن قادته يجاهرون باحتقار أمة العرب فهذا غير مهم، فالمهم هي الاستثمارات الصهيونية التي ستنعش الحياة والسياحة والبذخ اللاأخلاقي في بلاد العرب، وستخلق الوظائف، وستنقل العلم والتكنولوجيا إلى العرب المتخلفين.
ومن أجل بناء ونشر تلك الثقافة وتلك السلوكيات، وتسهيل عملية التجنيس لإضعاف الهوية العروبية في بلدان الخليج العربي، وجعل المجتمع المدني غير فاعل ومنشغل بالتفاهات من الأمور، تتضافر جهود مشتركة من بعض الجهات الرسمية، ومرتزقة بعض الوسائل الإعلامية، والمرتشين المرتبطين بالاستخبارات، ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعي المجيشة والمدربة في الكيان الصهيوني.
تقوم كل تلك الجهات، بتناغم وتعاضد، بحملات شتم وكذب وتشويه سمعة كل من يرفعون فكر وشعارات القومية العروبية الجامعة. إنها حملات مركزة تهدف إلى خلق جيل بلا هوية عروبية جامعة، وبلا قناعات بضرورة إيمانهم بالتزامات وطنية وقومية تجاه أمتهم، وبلا أهداف حياتية وقيمية أخلاقية يناضلون من أجلها، وبلا مشاركة في الحياة السياسية وفي النضالات الإنسانية.
المهم هو أن يكونوا جزءاً من ماكنة الإنتاج الاقتصادي بكفاءة وبلا تأفف وبلا مطالب عمالية عادلة وبلا مواطنية منتمية. إنها صورة حزينة بائسة لما يمكن أن يكون عليه المستقبل في هذا الجزء من الوطن العربي. ولا نعرف إن كان حكام دول الخليج العربي يدركون، أن أحفادهم سيحكمون شركات وتجمعات عمل، إذ لن توجد آنذاك مجتمعات ولا أوطان بهوية وقيم والتزامات يريد لها البعض أن تدفن في مقابر التاريخ.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: