حل المجلس التشريعي الفلسطيني: عبثٌ، وفوق ذلك هراء!
- المحكمة (الدستورية) نموذج معبر عن “واجهات” لتمويه حكم المستبد، والالتفاف (قانونيا) حول ما يعيق تسلطه.
- الناس في فلسطين، المكتوون بنار الاحتلال وتجبر سلطة رام الله بالضفة وحكومة حماس بغزة، سئموا الألاعيب وتخلوا عن الاهتمام بها.
- يبقى أنه – وعلى مستوى شخصي تماماً – من العجيب أن يختتم السيد محمود عباس حياته على هذه الشاكلة. رحم الله الدكتور حيدر عبد الشافي!
بقلم: نهلة الشهال
هو مجلس لم ينعقد منذ بعيد انتخابه في العام 2006. فقد فازت فيه حركة حماس بأغلبية 56 في المئة من المقاعد (74 من أصل 132 مقعداً، بينما نالت فتح 45 مقعداً فيه، ونالت سائر الفصائل والمستقلين بقية المقاعد)، ما أدى الى تشكيل حكومة برئاسة إسماعيل هنية قاطعتها فتح وفصائل منظمة التحرير.
وانقضى العام التالي على ذلك، بأكمله، في اشتباكات عسكرية ميدانية عنيفة ذهب ضحيتها المئات، وتميزت باعتقالات وحتى بتصفيات لعناصر حماس في الضفة وبحرب ضروس شنتها القوات الفلسطينية التابعة لفتح – وكانت بقيادة محمد دحلان – في قطاع غزة، قابلتها حماس بمستوى موازٍ من العنف.
ورغم تدخلات عربية عديدة ومفاوضات واتفاقات للمصالحة الوطنية، أبرزها “إتفاق مكة” بين الفصيلين، إلا أن الصدام استمر وتُوِّج بما سمي “الانقسام”، أي سيطرة حماس العسكرية التامة على قطاع غزة في حزيران/ يونيو 2007 ونشوء سلطتين وحكومتين.
بعدها بدأ الحصار المحْكم على غزة وتتالت الحروب الاسرائيلية المريعة عليها: 2009 – 2012 – 2014. ومذاك، ينعقد المجلس التشريعي – الجزئي بالطبع – في القطاع!
ذاك هو المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني بعد اتفاقات أوسلو. الأول جرت انتخاباته في 1996، وقاطعتها حركتي حماس والجهاد الاسلامي (لمعارضتهما لأوسلو)، وفازت فيها قائمة فتح بشكل كاسح.
وكان يفترض ان تنتهي ولاية هذا المجلس قبل العام 2000، ومع انتهاء ما سمي “المرحلة الانتقالية” بحسب الاتفاق مع إسرائيل، إلا أنه استمر لعشر سنوات.
فـ”التسوية النهائية” (بحسب نصوص الاتفاق) لم تكن واردة في عرف السياسة الاسرائيلية التي، عوضاً عنها، أوغلت في الاعتداءات الى أن تفجّرت بوجهها الانتفاضة الثانية التي تؤرخ لانتهاء اتفاقيات أوسلو..
ولو أن جثتها المحنّطة تتحلل بسرعة، من دون تبلور البديل الفلسطيني لها، أي خطة النضال الوطني وتعريف الأهداف وتعيين سبل تحقيقها.
حسناً، لماذا إذاً كل هذا الضجيج حول قرار حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني الذي اتخذته “المحكمة الدستورية” مؤخرا، ويدّعي الرئيس محمود عباس أن لا يد له فيه ولا عليها.. وهذه المحكمة منشأة حديثاً، في العام 2016، بقرار رئاسي فلسطيني، ولتكون كما يبدو واحدة من أدوات “شرعنة” تدابير كبرى.
وهي نموذج معبر – ليس في فلسطين وحدها بل في عموم المنطقة – عما يمكن تسميته بـ”الواجهات” النظامية لتمويه أساليب الحكم الاستنسابي والمستبد، وللالتفاف “بشكل قانوني”(!) على كل ما يعيق أو يعرقل رغبات المتسلطين..
ويقول مرسوم تشكيلها أنها السلطة الأرفع في مواجهة السلطات الثلاث التقليدية المعروفة: التشريعة، والتنفيذية، والقضائية. بل يمكنها أن تقضي ببطلان القانون الذي على أساسه انتخب البرلمان، وبالتبعية حلّه.
وتطال سلطتها ما يصدر عن السلطة التنفيذية من قرارات بقوانين ولوائح، سواء بالإلغاء أو بالطلب من السلطة التنفيذية بتعديلها عند الحكم بعدم دستوريتها. بل قد تقضي المحكمة بعدم أهلية رأس السلطة التنفيذية.
ووجه تشكيل هذه المحكمة بنقد واعتراض كبيرين، باعتبارها تأسست على غير الشروط الدستورية، وأولها قيام انتخابات عامة تشريعية وتنفيذية، وتحقق المصالحة الوطنية.
لكن التبرير الضمني لانشائها على هذا الشكل المتسرع كان تدبر انتقال السلطة في حال الغياب المفاجئ لرأسها، وهو الذي استلم منصبه في 2005، ومرّ مؤخراً بأزمات صحية أثارت سؤال ما بعده، وإنْ رمزياً، حيث رحلت كل شخصيات القيادات التاريخية لفتح ولمنظمة التحرير.
والأهم، أن اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية ومعهما دول عربية تقف على رأسها السعودية بقيادة محمد بن سلمان والامارات بقيادة محمد بن زايد، تريد الانتهاء من هذه “المرحلة الانتقالية” الرثة الى تحقيق ما سمي “صفقة القرن” التي تصفي كل المرتكزات التاريخية المؤسِّسة للمسألة الوطنية الفلسطينية.
وصفقة القرن تلك ستكون مجرد تتويج لمسار طويل بدأ مع أوسلو ذاتها، ولم ينفك مذّاك يسجل وجهته تلك. جرت مقاومته نعم، وما زالت تتواصل وتتجدد كل حين، إلا أن القوى التي تحمله وتقف خلفه حاضرة هي الأخرى وبقوة.
فهل تُعيِّن المحكمة الدستورية الخلف، وهي نفسها المعينة أصلاً من قبل سلطة نفذت صلاحيتها بحكم الزمن وبحكم الشروط المحيطة بها؟
ثم إن حل المجلس التشريعي يكرس ذلك “الانقسام”. فهذا المجلس، رغم الممارسة التي طبعته وتحيط به، ما زال يمثل رسمياً المؤسسة الجامعة لكل التعبيرات السياسية الفلسطينية.
صحيح انها هي نفسها تعبيرات مفوتة وبائسة وتخترقها كل العيوب من الاستبداد الى الفساد الى العجز والفشل وكل انواع الانحرافات، الا أن الصحيح أيضا أنه لن تجري انتخابات لمجلس تشريعي جديد، لا خلال ستة أشهر ولا بعدها، لأن اسرائيل لن تسهل هذه العملية في الضفة الغربية نفسها (فماذا عن القدس؟)، وبالطبع ليس في قطاع غزة.
ويبدو أن الناس في فلسطين، وهم المكتوون كل لحظة بنار الاحتلال الاسرائيلي، وبالتجبر المتنوع للسلطة الفلسطينية في الضفة ولحكومة حماس في غزة، قد سئموا هذه الألاعيب وقرفوا منها، وتخلوا عن متابعتها والاهتمام بها.
يبقى أنه – وعلى مستوى شخصي تماماً – فمن العجيب أن يختتم السيد محمود عباس حياته على هذه الشاكلة. رحم الله الدكتور حيدر عبد الشافي!
* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير “السفير العربي”.
المصدر: السفير العربي – بيروت
عذراً التعليقات مغلقة