يصبح السؤال مشروعا لمصلحة من عدا إسرائيل يكمن طرح هكذا مشاريع؟
إسرائيل اليوم في مأزق حقيقي وتاريخي، فلمصلحة من يحاول البعض إخراجها من هذا المأزق؟
اليمين الإسرائيلي يحاول اقتلاع شعب فلسطين والاستيلاء على كامل فلسطين ومنع وجود أغلبية فلسطينية بها لكنه لم ينجح فصموده على أرضه ماثل للجميع.
هناك عدد أكبر من العرب مقارنة باليهود بين المتوسط ونهر الأردن فإسرائيل تسير نحو دولة واحدة ذات أغلبية عربية وتحكم شعبا محتلا دون حقوق.. وضع لن يسود في القرن 21.
سيبقى مأزق الأغلبية الفلسطينية شوكة بحلق إسرائيل وسيحاول الإسرائيليين اقتراح حلول (خلاقة) تصب في ترحيل المشكلة إلى الأردن لئلا تضطر إسرائيل للتعامل معها ضمن حدود سيطرتها!
الجدية العربية المطلوبة لدعم فلسطين هي دعم صمود شعبها على أرضها وليس اقتراح حلول تتماهى مع مصلحة إسرائيل في الاستيلاء على أراض فلسطين ومنع شعبها من تحقيق تطلعاتهم على ترابهم الوطني.
* * *
تواجه إسرائيل اليوم مأزقا حقيقيا، فالفلسطينيون باتوا أغلبية داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وبنظرها الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، خاصة وقد بدأت العديد من المنظمات الدولية بنعت إسرائيل بتطبيق نظام الفصل العنصري أو “أبارتهايد”.
اليمين الإسرائيلي لا يرغب بإقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، ويفعل كل ما في وسعه لتهجير الفلسطينيين من أرضهم والاستيلاء على كامل الأرض الفلسطينية ومنع وجود اغلبية فلسطينية عليها، ولكنه لغاية الآن لم ينجح في ذلك، فالصمود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية ماثل للجميع.
أما اليسار الإسرائيلي، أو ما تبقى منه، فلا يرغب في إنهاء الحلم الصهيوني بدولة يهودية على ما يتيسر من أرض فلسطين، ولكنه يصطدم هو الآخر بحقيقة الغالبية الفلسطينية اليوم.
ولذا يحاول التخلص من هذه الأغلبية عن طريق اقتراح بأن تضم هذه الأغلبية الى الأردن ومصر، أو الطلب منهما إدارة هذه المناطق بعد أن يتم ضم القدس والمستوطنات وغور الأردن إلى إسرائيل.
في مقابلة مع صحيفة هآرتس عام 2019، قالها المؤرخ الإسرائيلي الشهير بني موريس، وهو من أوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام 1948، وبكل صراحة:
«لا اعرف كيف سنخرج من هذا المأزق. هناك اليوم عدد أكبر من العرب مقارنة باليهود بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. نحن نسير نحو دولة واحدة ذات أغلبية عربية، وهو وضع نحكم بموجبه شعبا محتلا دون حقوق. هذا وضع لن يسود في القرن الحادي والعشرين».
في العام 2008، شاركت في مناظرة علنية في واشنطن مع الجنرال الإسرائيلي غيورا أيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، حيث كان يعرض حلا لقضية فلسطين يتم بموجبه ضم أجزاء لا تريدها إسرائيل من الضفة الغربية، أي المدن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية ناقصة القدس وأراضي المستوطنات وغور الأردن، إلى المملكة الأردنية الهاشمية وضم غزة إلى مصر.
قلت له علنا في حينه إن هذا حل تتمناه إسرائيل ولا يحقق أيا من التطلعات الوطنية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وإن أيا من الأردنيين أو الفلسطينيين لا ولن يقبل به.
جوابه دل على البروباغندا الإعلامية التي تمارسها إسرائيل مرارا في التُرويج لسيناريوهات وهمية، إذ قال إن المسؤولين الأردنيين أحيانا يقولون في السر ما لا يجاهرون به، وإنه مقتنع أن الأردن سيقبل بهذا الحل. وعندما تحديته علنا أن ينطق باسم مسؤول أردني واحد يوافق على مثل هذا الحل، لم يستطع أن يفعل.
ليست خطة الجنرال أيلاند الأولى التي يطرحها إسرائيليون، ولن تكون الأخيرة. وطالما بقي مأزق الغالبية الفلسطينية شوكة في حلق إسرائيل، سيحاول العديد من الإسرائيليين اقتراح حلول «خلاقة» تصب جميعها في إطار ترحيل المشكلة إلى الأردن بشكل خاص، حتى لا تضطر إسرائيل للتعامل معها ضمن الحدود التي تسيطر عليها، وحتى لا يموت الحلم الصهيوني بدولة يهودية خالصة لدى كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي، المتشددة منها كما الليبرالية على حد سواء.
ضمن إطار هذه السردية، يمكن لنا فهم المحاولات الإسرائيلية المتكررة حل القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين والأردن على حد سواء، وإيهام الناس أن مثل هذه الحلول تحظى بقبول أردني أو فلسطيني. ولكن ما هو ليس مفهوما أن تتبنى هذه الحلول جهات عربية، سواء كانت من أفراد أو جهات مدعومة من آخرين.
شهدنا في الآونة الأخيرة مقالات لشخوص عربية لم يعرف عنها أي تاريخ فكري أو سياسي، يتم فيها اقتراح حلول لا تلبي التطلعات الوطنية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، بل تقترح أشكالا تكاد تكون الأقرب لدولة فلسطينية خارج التراب الفلسطيني، أو تحديدا على الأرض الأردنية، وهو ما لا يقبل به أي وطني فلسطيني أو أردني.
لا تكمن المشكلة في مثل هذه المقالات والتي ستظل تطل علينا بين الحين والآخر من هواة في السياسة وبأطروحات غارقة في التبسيط، لكن المشكلة تكمن فيما إذا كانت مثل هذه المقالات بمثابة بالونات اختبار من جهات داعمة لكتاب هذه المقالات.
فإذا كان الحال كذلك، يصبح السؤال مشروعا لمصلحة من عدا إسرائيل يكمن طرح هكذا مشاريع؟
مع هذا كله، وبغض النظر عن الجهات التي قد تقف وراء مثل هذه المقالات، فإن واقع الحال يشير بوضوح الى أن الشعب الفلسطيني صامد على أرضه، وأن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كما أولئك تحت الاحتلال يشكلان معا، وبشكل أكثر توحدا من أي فترة سابقة، رأس حربة ضد المشاريع الإسرائيلية العنصرية، وأن ما عجز السلاح والدبلوماسية عن تحقيقه سيتم عن طريق الغالبية العددية المتزايدة.
إن الجدية العربية المطلوبة لدعم الجانب الفلسطيني يجب أن تتمثل بدعم صموده على الأرض الفلسطينية، وليس عن طريق اقتراح حلول تتماهى مع المصلحة الإسرائيلية في تمهيد الطريق للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية ومحاولة منع الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم على ترابهم الوطني. إسرائيل اليوم في مأزق حقيقي وتاريخي، فلمصلحة من يحاول البعض إخراجها من هذا المأزق؟
* د. مروان المعشر وزير الخارجية الأردني الأسبق
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: