الخلافات المتزايدة بين حلفاء واشنطن صعبت على البيت الأبيض مهامه في المنطقة، الكل بطبيعة الحال سيقول لواشنطن “نحن جاهزون للمشاركة، ولكن….”!
بقلم: ماجد محمد الأنصاري
منذ وصول الرئيس الأمريكي إلى السلطة تكشفت أحلامه الكثيرة، ونقول هنا “أحلام” لأن معظمها لا يستند إلى رؤية واقعية منطلقة من معطيات السياسة الدولية، هي أحلام يعتقد ترامب أن شخصيته الاستثنائية قادرة على إنجازها باعتباره “صانع صفقات”.
كان لديه حلم أن ينهي الطموح النووي الكوري الشمالي، كان يحلم بإيران خاضعة، وروسيا متعاونة، كان يريد صفقة القرن أن تمر دون أدنى مشكلة! وفي الخليج كان ترامب يريد خليجاً متوافقاً على خدمة مشاريعه، يدفع لتمويلها مالاً وجنوداً وعتاداً.
كان ترامب يرى في الخليج الحساب الجاري الذي يمول مشاريعه والعصا التي يؤدب بها “المارقين” في المنطقة، وكما هي أحلامه الأخرى، سمعنا الكثير من الجعجعة دون حبة طحين واحدة تلوح في الأفق.
تبدو أحلام ترامب معطلة، كوريا الشمالية اليوم ورغم القمة التاريخية بين رئيسها وترامب عادت إلى ممارساتها القديمة. إيران اليوم تزيد من نشاطها في المنطقة وترفع قضية على واشنطن في محكمة العدل الدولية.
وحتى صفقة القرن التي توقع ترامب أن تمضي بسهولة بدعم من وضعوا له القمر في يد والشمس في يد تبدو اليوم في مهب الريح مع رفض الأطراف المعنية القبول بالتنازلات المجانية لصالح الكيان الصهيوني.
لذلك يبدو أن ترامب لديه حلم جديد يريد من خلاله تمرير المعطل من أحلامه السابقة، كان يطمح بعد قمة هلسنكي أن يكون التحالف ضد الإرهاب هو العنوان الذي ينطلق من خلاله لجمع العرب والمسلمين في صفه لتنفيذ أجندته في المنطقة، بعد فشل ذلك يلجأ اليوم لمقترح جديد، هذه المرة يريد ترامب “ناتو خليجي”.
يتنقل المسؤولون الأمريكيون خلال هذه الفترة بين العواصم الخليجية والعربية لتسويق فكرة “التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط” وحسب المصادر تكمن الفكرة في تشكيل حلف شبيه بحلف شمال الأطلسي وموجه ضد إيران وإلى حد ما روسيا، فيجمع دول الخليج وبعض الدول العربية بقيادة أمريكية.
وهو عملياً مأسسة للدور الأمريكي في المنطقة عبر جمع حلفاء واشنطن على طاولة واحدة، بالنسبة لواشنطن يبدو ذلك ضرورياً لسببين:
الأول أن الخلافات المتزايدة بين حلفاء واشنطن صعبت على البيت الأبيض مهامه في المنطقة فكيف يمكن إخضاع أعداء واشنطن إذا كان حلفاؤها في خلاف مستمر دون أن تتمكن واشنطن من حله؟
الأمر الثاني هو فشل المحور السعودي الإماراتي في تنفيذ الوعود التي قدمت لواشنطن حيال دعم أجندة ترامب في المنطقة، فلم تتمكن الرياض وأبوظبي من تسويق صفقة القرن عربياً ومازالت إيران ووكلاؤها يحققون انتصارات على حساب خصومهم في اليمن وسوريا.
لذلك يرى صناع السياسة في واشنطن أن الحل يكمن في جمع الجميع على طاولة واحدة، لكن هل ذلك ممكن؟
تكمن الصعوبة في تحقيق حلم ترامب في عائقين:
العائق الأول هو أن لكل طرف أولويات سابقة للانضمام لهكذا تحالف، بالنسبة للإمارات والسعودية لا يجب أن تؤثر مشاركتهم في هذا التحالف على حصار قطر، والعكس صحيح بالنسبة لقطر.
فلا يمكنها المشاركة في التحالف طالما استمر أربعة من أعضائه المرتقبين في حصارها، ودول مثل الأردن ومصر لا تقبل أن يسحب البساط منها فلسطينياً مقابل الارتباط بهذا التحالف، والكل بطبيعة الحال سيقول لواشنطن “نحن جاهزون للمشاركة، ولكن….”،
العائق الثاني: هو الانطباع الذي يزداد رسوخاً يوماً بعد يوم بأن ترامب ليس شريكاً يمكن التعويل عليه، أثبت ترامب من خلال قرابة العامين في البيت الأبيض أنه أقسى يداً على حلفاء واشنطن من أعدائها.
فهو ينتقد الاتحاد الأوروبي ويفسد قمة الناتو ثم يجتمع بالرئيس الكوري الشمالي ويفضل لقاءه ببوتين على نظرائه في الناتو، ومن المفارقة هنا أن الحديث عن ناتو خليجي يأتي في خضم الانتقادات المتواصلة لترامب لحلف الناتو الأصلي.
التحالف مع ترامب لا يبدو إستراتيجية ناجعة في ظل هذه التجارب، كما أن أسلوب ترامب المتعمد في إطلاق مشاريع أو توجهات ثم العدول عنها أقنع من يتعامل مع الإدارة الأمريكية أن التعامل الأمثل معه هو الموافقة المبدئية على مشاريعه ثم تحقيق مكاسب في فترة الإعداد لها ثم وضع العقدة في المنشار حتى يتراجع عنها.
هذا التحالف المزعوم ولد ميتاً، وحتى إن نجح ترامب في جمع الفرقاء وإعلان التحالف أمام الإعلام فمصيره كمصير التحالف ضد الإرهاب والذي لم يزد على اجتماعات شكلية وبيانات صحفية.
من الناحية الخليجية وجود هذا التحالف سيكون التحول الأسوأ في مجلس التعاون الخليجي فبعد أن كان طموح المواطن الخليجي هو خليج موحد مؤثر في العالم أصبحنا نتحدث عن مجلس خليجي يرأسه ترامب.
- د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.
المصدر: “الشرق” القطرية
مفاتيح: أحلام ترامب، التحالف ضد الإرهاب، حشد العرب والمسلمين، “صفقة القرن”، “ناتو خليجي”، “التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط”، المحور السعودي الإماراتي، حصار قطر، الاتحاد الأوروبي، أزمة الناتو الأصلي،