كما أن داود لم يستطيع أن يسيطر ديموغرافياً وعسكرياً على كامل مدينة أورشاليم التى تفصل بين قبائل الجنوب وقبائل الشمال وبقى محصوراً بالأبنية المهجورة أصلاً فى حصن صهيون اليبوسى ، ( نقد النص التوراتي ج1 ص 290 ـ (30) . وتتضح دلائل الكذب والوهم من فشل المحرر ( التوراتى ) فى أن يزاوج وينسق بين الروايات المختلفة بشأن كل القصص التى كانت ترد بنمطين وروايتين مختلفتين للحادثة نفسها وعلى سبيل المثال لا الحصر ــ فقد ورد فى أخبار الأيام الأول : 21 ” ودفع داود لأرنان عن المكان ذهباً وزنة ست مئة شاقِل ” أما فى صموئيل الثانى :
24 ” فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة “. وأيضاً جاء فى أخبار اليوم الأول 9 ” وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ” أمافى سفر الملوك الأول 5 ” وكان لسليمان أربعون ألف مذود خيل” وكل التاريخ التوراتى يمكن اعتباره يشكل مجمل عملية تضخيمية مشابهة لتضخيم الأربعة آلاف مذود ( العدد المضخم أصلاً ربما عن رقم أربع مئة مذود ، أوحتى أربعون مذود ) إلى أربعين ألف مذود (31) . ويمكن أن نضيف أن حدود دولة إسرائيل الشمالية لم تكن تضم الجليل الأعلى الذى كان تحت حكم ملك صور وبالتالى فإن أسباط أشير ونفتالى وزبولون ودان الذين حسب التوراة ينتشرون فى الجليل الأعلى هم تحت سيادة ملك صور ، وقد جاء أن الملك حورام ملك مدينة صور أرسل لسليمان الصائغ ( حيرام أبى ) .
ابن امرأة من بنات دان وأبوه رجل صورى ( وفى الملوك الأول جاء أنه ابن امرأة أرملة من سبط نفتالى وأبوه رجل صورى) . وهذا يشير إلى أن الدانيين قد تفاعلوا وتعايشوا وتزاجوا مع الفينيقيين وهناك أيضاً بعض الأسباط الأخرى التى لا يرد لها أى ذكر ، ومن خلال القرأة المتأنية نستنتج أن المملكة الموحدة إن كانت قد تشكلت فلم يكن لها أى سيطرة جغرافية إلا على بعض المستوطنات على الجبال الجرداء جنوب أورشليم هذا حسب المقولة التوراتية .
( 32) وقصة زواج سليمان من ابنة فرعون التى أراد محررو التوراة أن يعلوا من شخصية سليمان ، فقد قاموا أيضا ــ ودون روية وكدليل على التلفيق ــ بتقزيم إمبراطورية سليمان التى أتى ذكرها فى التوراة على أنها تمتد من الفرات إلى النيل، بحيث بدت صغيرة إلى درجة أن سليمان لم يكن له سيادة على قرية صغيرة على بعد 17 كم من عاصمة ملكه هى قرية جازر والتى قام فرعون صهر سليمان باحتلالها ، وقدمها مهرا لابنته (33) ، وكما يزعمون .
ومن الناحية الأخلاقية المزعومة التى أسس إليها النظام الألهى السرمدى فعلى العكس من ذلك الزعم جعلت التوراة من داود ( وسليمان ) من خلال سيرته أحط وأخس القادة العبرانيين ولم يتركوا موبقة لم يلصقوها به ، فصوروه على أنه شخصية أنانية بلا أخلاق، نفعية بلا مبادئ، رئيس عصابة مرتزقة كانت تقوم على السطو والسلب والنهب والقتل ، وعلى دفع الإتاوات، وقد تحالف مع أعداء شعبة ( الفلسطينيين ) ضد شعبه دون سبب أخلاقى ، وهو غدار بحيث أوصى أبنه سليمان بعد أن عينه ملكاً على إسرائيل من بعده ، بقتل قائد جيشه وصانع أمجاد إسرائيل يؤاب بن صروية الذى أخلص له طوال فترة حكمه ، كما أوصاه بقتل شمعى الذى كان قد عفا عنه فى أواخر أيامه ، كما زنى بامرأة أوريا الحثى أحد قادة جيشه المخلصين أيضاً ثم تآمر على قتله ، بطريقة مفضوحة، وحمله رسالة موته ، كما أنه لم يتورع فى قتل بعض أزواج النساء من أجل المال ، وذلك من أجل نزواته الجنسية ، وانغماسه فى عالم النساء ، وقد تغلبت فيه الشهوة على الأخلاق والحكمة والضمير ، بحيث استطاع الشيطان أن يغويه ” ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى إسرائيل ” ( أخبار الأيام الأولى 21 )
كما أن المحرر التوراتى حاول أن يوحى للقارئ أن داود كان على علاقة جنسية شاذة مع ابن شاؤل يونثان ، فقد رثا داود يوناثان عندما قتل بقوله ” كنت حلواً لى جداً . محبتك لى أعجب من محبة النساء ” ( صموئيل) ، أو على العكس قام المحرر التوراتى بحزف أو إسقاط ما يؤكد هذه العلاقة . وكان داود قد رثا يوناثان ودونت تلك المرثاه فى سفر ياشير الذى تم إسقاطه ، وليس من المستبعد أن يكون هذا السفر قد حذف من الكتاب المقدس لأنه يظهر بجلاء هذه العلاقة الجنسية الشاذة ــ على حد رأى الدكتور إسماعيل ناصر الصمادى (34) .
وعلى الرغم من أن محررى التوراة قد استبعدوا حق البكورية ، والملكية من كل رجل ليس ذا دم عبرانى صاف منذ إبراهيم حتى القضاة ومنهم إسماعيل بكر إبراهيم ، وعيسو بكر اسحق ، حاولوا أن يظهروا ويؤكدوا دون مسوغ أن داود وسليمان من بعده من أصل زنا ، وذوى دماء خليطة حتى قاموا بدس سفر راعوث فى مرحلة لاحقة على ذلك، كما أعادوا نسبه إلى سلالة اشتهرت بالأعمال الجنسية المشينة ، فهو من أحفاد يهوذا من كنته ثومار ( زوجة عير ابن يهوذا ، وزوجة ابنه الثانى أونان ) ، وقد حملت ثومار من يهوذا سفاحاً وولدت له توأمين هما فارص ، وزراح ، ومن ابن الزنا فارص انحدر داود ، أما جدته فكانت راعوث الموآيية التى زنت مع بوعز قريب زوجها الذى كان قد مات ، ومن ثم تزوجها ، أى أن فى عروقه دم أجنبى ، كما يعتقد بعض اليهود أنه ابن زنا ، اعتمادا على ما جاء فى المزامير ، قوله ” بالخطيئة حبلت أمى ” مزمور 51 ” (35)
. المراجع :ـــ 30 ـ نقد النص التوراتى ، د . إسماعيل ناصر الصمادى ، دمشق ، الطبعة الأولى 2005 ،ج 1ص 290 31 ـ نفس المصدر ج 1 ص 294 32 ـ نفس المصدر ج 1 ص 296 33 ـ نفس المصدر ج1 ص 303 34 ـ نفس المصدر ج 1 ص 299 35 ـ نفس المصدر ج 1 ص 299ص
قد يهمك أيضا
فاعليات الأمن القومى الإسرائيلى السيبرانى
عذراً التعليقات مغلقة