لا تختلف حساسية الحكم في السعودية تجاه قضايا حقوق الإنسان وحرية الإعلام والديمقراطية عن حساسية البلدان السلطوية الحليفة له.
تعتمد الرياض دبلوماسية الابتزاز والشيكات وشراء المواقف، من أجل إسكات الدول الغربية على انتهاكاتها حقوق الإنسان.
بقلم: خليل العناني
لا تتحمّل الأنظمة السلطوية النقد، ولو كان خفيفاً. ولا تقبل أن يتوجّه إليها أحد بكلمةٍ، أو نصيحةٍ، فيما يخص أوضاعها الداخلية، خصوصا عندما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية.
فقد قامت الدنيا ولم تقعد في السعودية، بعد بيان الخارجية الكندية، علقت فيه على أوضاع حقوق الإنسان المزرية في السعودية، خصوصا في ظل الاعتقالات المستمرة التي لم تترك أحداً من الناشطين خارج السجون.
فقد تم طرد السفير الكندي في السعودية، وسحب السفير السعودي من كندا، ووقف العلاقات التجارية، وتعليق الرحلات الجوية، واستدعاء الطلاب السعوديين الذين يدرسون في كندا مع عائلاتهم، والذين يقدر عددهم بحوالي 12 ألفاً، حسب تقارير صحافية.
لم تتحمل السعودية مجرّد تصريح مقتضب، ينتقد التجاوزات التي تقوم بها سلطاتها تجاه المعارضين، وانتفض الإعلام السعودي، ومنصاته الإلكترونية التي تحرّكها أجهزة الأمن والمخابرات ضد كندا.
ووصل الهزل إلى حد توجيه انتقادات لها على “إبادتها أهل البلاد الأصليين”، والمطالبة بالإفراج عن معتقلين من النازيين الجدد في سجونها.
واستمر الإعلام السعودي في الهجوم على كندا، بشكلٍ يذكّر بما حدث عند اندلاع الأزمة الخليجية قبل عام ونيف، حين تم تحريك جيشٍ من المحللين والمعلقين، من أجل الهجوم على قطر على مدار الساعة. شيء من هذا القبيل حدث، ولا يزال، في الأزمة مع كندا.
ولعل السؤال المهم الذي يشغل بال كثيرين: كيف يمكن تفسير هذا الاندفاع السعودي في تصعيد العلاقة مع دولةٍ قويةٍ مثل كندا؟ هناك عدة تفسيرات.
أولها وأهمها أن القائمين على الحكم في السعودية يتّبعون المثل “اضرب المربوط يخاف السايب”. ويعني أن الرياض لن تقبل أي انتقاد، ولو كان خجولاً، لسجلها المشين في انتهاكات حقوق الإنسان.
وهي رسالة ليست موجهةً فقط لكندا التي تعد حليفاً عسكرياً وتجارياً مهمّا للرياض، بل أيضا لكل من يجرؤ على انتقاد السلطات السعودية، في مسألة حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية.
ثانيها، اعتماد الرياض على دبلوماسية الابتزاز والشيكات وشراء المواقف، من أجل إسكات الدول الغربية على انتهاكاتها حقوق الإنسان. وهناك قناعة لدى الحكم السعودي، خصوصا ولي العهد محمد بن سلمان، أن في مقدوره شراء سكوت الدول الغربية على تهوّره وسلطويته واستباحته المعارضة، على غرار شرائه مسؤولين عربا كثيرين، أو كما يفعل مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو مع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي.
لذلك لم يكن غريباً أن توقف الرياض اتفاقا لشراء أسلحة كندية، تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، كان قد تم توقيعه قبل سنوات قليلة، وذلك نوعا من العقاب لأوتاوا على انتقادها حقوق الإنسان.
وثالثها، اعتقاد الحكم في السعودية أن الغرب سيصمت على انتهاكاته حقوق الإنسان، وأن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها بن سلمان كافية للصمت على انتهاكات حقوق الإنسان.
وقد ازداد هذا اليقين، بعد الجولة التي قام بها بن سلمان في أميركا وأوروبا قبل شهور، من أجل تسويق نفسه، وتلميع سياساته في الصحافة الغربية، باعتباره “المنقذ” للسعودية من التخلف والرجعية.
لا تختلف حساسية الحكم في السعودية تجاه قضايا حقوق الإنسان وحرية الإعلام والديمقراطية عن حساسية البلدان السلطوية الحليفة له.
كما هي الحال مع الإمارات التي لا تتحمل أيضا أية انتقاداتٍ لسجلها المزري في مجال حقوق الإنسان، وإن كانت لا تتعامل معها بالاندفاع والتهور نفسيهما اللذين تتعامل بهما القيادة السعودية الحالية مع كندا.
- د. خليل العناني استاذ العلوم السياسية الزائر بجامعة جونزهوبكنز الأميركية.
المصدر: العربي الجديد
مفاتيح: السلطوية، حقوق الإنسان، الديمقراطية، الإعلام السعودي، الأزمة الخليجية، الأزمة السعودية الكندية، السعودية، الإمارات، دبلوماسية الابتزاز والشيكات، إصلاحات بن سلمان،