- أصبحت إدلب «ملاذاً» وخيار للمسلحين والنظام والدول المعنية بأزمة سورية مباشرة: روسيا وتركيا وإيران.
- النظام يتصرف بمنطق المنتصر ويضغط على خصومه ما يجعل اندلاع الحرب خياراً قريباً ربما لا مفر منه.
بقلم: حسن مدن
كان لكلٍ من أطراف الصراع في سوريا حساباته في إدلب، وهي حسابات مختلفة حد التناقض، فمنذ حسم معركة حلب التي شكلت هزيمة المعارضة المسلحة بتلاوينها كافة، بداية العد التنازلي لهذه المعارضة، وبداية التقدم الميداني الملموس لقوات النظام وحلفائه فيما تلا ذلك من معارك، أصبحت إدلب «ملاذاً» لكل من يرفض إلقاء السلاح من المسلحين.
ولم يكن هذا الملاذ خيار المسلحين وحدهم، وإنما هو أيضاً خيار النظام، وخيار الدول المعنية بالأزمة السورية مباشرة: روسيا وتركيا وإيران.
أصبحت إدلب مخرجاً للجميع: للمعارضة المسلحة التي أدركت أنها تخوض معارك خاسرة، لا أفق لها فيها، وبالتالي فإنها من أجل تجنب المزيد من الخسائر في صفوف مقاتليها كلما أطبقت عليها قوات النظام وحلفائه، توافق على صعود مقاتليها الباصات الخضراء من مواقعهم السابقة التي يستعيدها النظام نحو إدلب.
والأمر يصح على النظام نفسه، فالدخول في معارك هدفها القضاء على جيوب المعارضة في المناطق التي حتى ولو باتت في حكم الساقطة، عسكرياً، سيكلف قواته خسائر إضافية والمزيد من الدمار للمدن والبلدات التي يتحصن فيها المسلحون، ناهيك عن المزيد من الضحايا المدنيين، فشكلّ ترحيل المسلحين إلى إدلب مخرجاً مناسباً له هو الآخر.
المسلحون، ورعاتهم في الخارج، خاصة تركيا، كانوا يراهنون على أن جمعهم في إدلب بنوع من «الرعاية» المتوافق عليها دولياً وإقليمياً يبقي منهم ورقة تفاوضية في التسوية القادمة للنزاع.
لعلهم ينتزعون مكاسب سياسية كانوا يمنون أنفسهم بها، اعتقاداً منهم أن اجتياح إدلب من قبل قوات النظام مستبعداً، ليس فقط بسبب الكلفة الباهظة لذلك، عسكرياً وبشرياً، وإنما أيضاً لأن الرعاة الخارجيين لن يسمحوا به.
أما بالنسبة للنظام وحلفائه، بمن فيهم روسيا فإن «تجميع» المسلحين في إدلب ليس سوى «مصيدة» لهم، وأن معركة إدلب الفاصلة آتية لا ريب فيها، بعد الانتهاء من حسم معارك ما تبقى من مواقع تحت سيطرة المسلحين، بعد أن بات واضحاً أن ثمة توافقاً دولياً على إنهاء الأزمة السورية، في شقها العسكري على الأقل.
وهانحن قد بلغنا الفصل الأخير، أو ما قبله بقليل، في ذلك، حيث يتوعد النظام مدعوماً من روسيا بتنفيذ ما كان قد عقد العزم عليه بحسم وضع إدلب بالقوة، فيما رعاة المعارضة المسلحة في الخارج، خاصة الأتراك، يحذرون من الكلفة الباهظة لأي معركة قادمة في إدلب على المدنيين.
ويعولون على أن تؤدي ضغوطهم إلى حمل النظام، وروسيا بالنتيجة، على قبول تسوية أو توافق على وضع إدلب، في إطار سياسة نهائية، قد ينال المعارضون، في نتيجتها مكاسب من نوع ما.
ظاهر الأمور يشي بأن النظام يتصرف بمنطق المنتصر، ويضغط على خصومه وحلفائهم من مواقع القوة، ما يجعل من سيناريو اندلاع حرب إدلب المؤجلة خياراً قريباً، وربما لا مفر منه.
- د. حسن مدن كاتب بحريني.
المصدر: صحيفة «الخليج» الإماراتية