الحرب ضد أوكرانيا ومن ورائها الدول الأوروبية والولايات المتحدة تشكل تهديدا آنيّا لروسيا.
مهما كانت أهداف وخلاصات قمة جدة وقمة طهران فإن الثابت المؤكد هو أن المنطقة تشهد منعطفا هاما بصدد التشكل.
تعوّل روسيا على أعداء واشنطن بالمنطقة مطالبة إيران تزويدَها بالطائرات المسيّرة التي ستستفيد منها على الجبهة الأوكرانية.
توجّه روسي لترميم تحالفات قديمة مستفيدة من التهديدات الأميركية لإيران حول برنامجها النووي ودعمها قوات سوريا الديمقراطية ضد تركيا.
توسع عضوية تركيا في حلف الناتو هامش مناورة محفوف بالمخاطر من ناحية تحقيق التوازن بين واجباتها الأطلسية وتحالفاتها خارجة نطاق الناتو.
تواجه تركيا تهديدات إرهابية من مجموعات كردية ممثلة بـ«قوات سوريا الديمقراطية» و«حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.
تعي إيران صعوبة موقف أميركا الذي لا يريد أن يدفعها بقوة نحو حضن روسيا إن بالغ في تهديد برنامجها النووي مما يفسّر تماديها بتخصيب اليورانيوم بالأشهر الأخيرة.
يبقى ملف محاربة الإرهاب نقطة خلافية بين الدول الثلاث رغم اتفاقهم الظاهر من حيث المبدأ لأن الجماعات الإرهابية التي تقصدها إيران غير التي تستهدفها تركيا.
العرب الغائب الأكبر في حركة الشطرنج على الأرض العربية بدون تجاوز الخلافات وتأسيس مرحلة جديدة يكون فيها للفاعل العربي كلمته في تقرير مصير الأجيال القادمة.
* * *
بقلم: محمد هنيد
ما إن انتهت «قمة جدة للأمن والتنمية» بحضور الرئيس الأميركي «بايدن» حتى انطلقت قمة طهران التي جمعت الرئيس الإيراني والروسي والتركي في لقاء يبدو كأنه إجابة فورية للقمة السابقة، لكن مهما كانت الأهداف والخلاصات فإن الثابت المؤكد هو أن المنطقة تشهد منعطفا هاما بصدد التشكل.
كل القوى التي اجتمعت في طهران تبحث عن تعزيز نفوذها في مجالها الإقليمي والحدّ من الأخطار التي تهددها سواء على حدودها المباشرة كما هو الحال بالنسبة لتركيا وروسيا أو من خلال التهديدات الأميركية حول البرنامج النووي بالنسبة لإيران.
تواجه تركيا تهديدات إرهابية جديدة من قبل المجموعات الكردية ممثلة في «قوات سوريا الديمقراطية» و«حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.
أما روسيا، فإن الحرب ضد أوكرانيا ومن ورائها أوروبا وأمريكا تشكل التهديد الآنيّ لها وهو ما يفسر توجّهها نحو ترميم تحالفاتها القديمة مستفيدة من التهديدات الأميركية لطهران حول برنامجها النووي ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية ضد أنقرة.
من جهتها تتميز تركيا عن الحليف الروسي والإيراني بكونها عضوا أساسيا في حلف الناتو وهو الأمر الذي يوسع هامش المناورة بالنسبة لها لكنه يكون هامشا محفوفا بالمخاطر من ناحية القدرة على تحقيق التوازن بين واجباتها الأطلسية من جهة وتحالفاتها الواقعة خارجة نطاق الحلف من جهة أخرى.
أما إيران فهي على وعي بصعوبة الموقف الأميركي الذي لا يريد أن يدفع بها بقوة نحو الحضن الروسي إن هو بالغ في التهديد حول برنامجها النووي الأمر الذي يفسّر تماديها في تخصيب اليورانيوم خلال الأشهر الأخيرة.
أما روسيا فتعمل على التعويل على أعداء واشنطن في المنطقة من خلال مطالبتها إيران تزويدَها بالطائرات المسيّرة التي ستستفيد منها على الجبهة الأوكرانية.
يبقى ملف محاربة الإرهاب نقطة خلافية بين الدول الثلاث رغم اتفاقهم الظاهر من حيث المبدأ لأن الجماعات الإرهابية التي تقصدها إيران هي غير تلك التي تستهدفها تركيا.
أما حقيقة الأمر في الملف السوري فلا تظهر عبر ملف محاربة الإرهاب بقدر ما تظهر من خلال محاولة كل طرف الحصول على أكبر قدر من النفوذ بعد انحسار الموجة الثورية واستتباب الأمر للنظام القائم في دمشق بفضل التدخلين الروسي والإيراني.
يبقى العرب الغائب الأكبر في حركة قطع الشطرنج على الأرض العربية ما لم ينجحوا في تجاوز الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة تكون فيها للفاعل العربي كلمته في تقرير مصير الأجيال القادمة.
* د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس.
المصدر: الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: