حركة «فتح» والأسئلة الصعبة
- كيف للحل التفاوضي والتعاون الأمني أن يحقق شيئاً لقضية فلسطين؟ السؤال الكبير الذي لا تملك «فتح» إجابته!
- «فتح» تمنح العدو «احتلالاً فاخراً» وليس السلطة لأن الأخيرة تغدو لا شيء لو تمردت عليها أو رفعت عنها الغطاء.
- عقلية القبيلة التي تتبع شيخها بصرف النظر عن وجهته.. نفس القبيلة وقفت مع عرفات ضد القيادة الحالية، حين فرضها الخارج.
بقلم: ياسر الزعاترة
كثير هو الكلام السطحي الذي يتردد حول هذا البؤس الذي تعيشه القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، لكن أكثره تداولاً هو ذلك الذي يحيل المسؤولية إلى الانقسام الواقع في الساحة الفلسطينية، بين حركتي «فتح»، و»حماس»، أو بين سلطتين في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويُمعن هذا التحليل في سطحيته حين يتحدث عن الانقسام بوصفه صراعاً على السلطة لا أكثر، ولا صلة له بالبرنامج السياسي للحركتين، كما يتجاهل أنه بين طرفين.
تحتكر حركة «فتح» تمثيل الطرف الأول، مع حركات هامشية الحضور والتأثير، بينما تلتحم مع «حماس» في المعسكر الثاني، أو تقترب منها حركات مهمة، في مقدمتها حركة «الجهاد»، وقريباً منها الجبهة الشعبية.
اقرأ/ي أيضا: التسريبات الإسرائيلية إن صحّت؟!
لا يسأل أصحاب هذا التحليل أنفسهم عما كان عليه الحال قبل الانقسام الذي وقع منتصف عام 2007، وهل كان الحال على ما يرام قبلها؟ أم أن الوضع هو ذاته من حيث السياسات التي تتبعها القيادة الفلسطينية المعترف بها عربياً ودولياً كممثل للشعب الفلسطيني؟!
ثم إن جوهر القضية الراهن لا يتعلّق بقطاع غزة، لأن إخراجه تماماً من الصراع المباشر لا يغير الكثير، إذ يمكن أن يغدو بمثابة دولة «مجاورة»، كما هو الحال مع ما كانت تسمى «دول الطوق»، أي سوريا ولبنان ومصر والأردن.
ثم غدت «دول جوار» لدولة الاحتلال، سواءً اعترفت به ووقعت معه اتفاقيات، كما هو الحال مع مصر والأردن، أم بقي الأمر مجرد ترتيبات أمنية مع هدوء مفروض، كما هو الحال بالنسبة لسوريا ولبنان.
لا «حماس» تقبل بذلك طبعاً، ولا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لكننا نتحدث في سياق من الحوار مع أولئك الذين يحيلون المشكلة برمتها إلى الانقسام، ويتجاهلون بُعده السياسي في الخلاف بين برنامجين. ما تريده القيادة الفلسطينية التي تسيطر على السلطة و«فتح» ومنظمة التحرير لم يعد سراً بحال.
فهي تريد ضمَّ القطاع إلى الضفة الغربية في سياق من «التعاون الأمني»، والتعويل على التفاوض، حتى وهي تعلم تماماً أنه ما من قيادة إسرائيلية من اليمين إلى اليسار يمكنها أن تقدم للشعب الفلسطيني عرضاً مقبولاً، والنتيجة أن ما يجري هو تجريب للمجرّب.
اقرأ/ي أيضا: السلطة الدينيّة أعلى..
من يراقب واقع السلطة في الضفة الغربية يدرك أنه أمام قيادة متعايشة مع واقع الاحتلال، راضية بالإبقاء على سلطة تشبه الدولة في خدمته، حتى لو رفضت التوقيع على اتفاقيات نهائية تضع حداً للصراع. إذ ما قيمة هذا الرفض مقابل تكريس سلطة في خدمة الاحتلال، مع تغييب لأي مقاومة يمكن أن تكون مكلّفة للاحتلال، وتدفعه تبعاً لذلك إلى تغيير مواقفه؟!
هنا ينهض السؤال الكبير المتعلق بحركة «فتح»، فهي اليوم تقبل بدور حزب سلطة تحت الاحتلال، وتكتفي بتوجيه سهامها إلى حركة «حماس»، مع شيء من الخطابة ضد الاحتلال، والافتخار برفض «صفقة القرن» أو ما يشبهها.
كيف لبرنامج من هذا النوع أن يحقق شيئاً للقضية الفلسطينية؟ إنه السؤال الكبير الذي لا تملك «فتح» ولا كوادرها إجابة عنه، والإجابة الوحيدة المتوافرة هي هجاء الخصم الفلسطيني، والتذكير بنقائصه، واستخدام هذا الموقف في حشد الحركة وكوادرها، بدل أن يتم حشدهم ضد احتلال يواصل الاستيطان والتهويد دون توقف.
إنها عقلية القبيلة التي تتبع شيخها، بصرف النظر عن الوجهة التي يذهب إليها، وهي القبيلة التي وقفت مع عرفات -رحمه الله- ضد القيادة الحالية، حين فرضها الخارج.
اقرأ/ي أيضا: إعادة الحيوية لدحر المشروع الصهيوني
ولما آلت إليها الأمور، صارت عندها (عند القبيلة) مقدّسة، وبرنامجها هو البرنامج العظيم الذي ينبغي الالتفاف من حوله. برنامج المقاومة الحقيقي للاحتلال ينبغي أن يكون في الضفة الغربية، حيث يوجد جيش الاحتلال ومستوطنوه، لكن «فتح»، تمنحه «احتلالاً فاخراً»، فيما توجّه سهامها للخصم الفلسطيني، الذي أصبح العدو الأهم.
نعم، «فتح» هي التي تمنح العدو «احتلالاً فاخراً»، وليس السلطة، لأن الأخيرة تغدو لا شيء لو تمردت عليها الحركة، أو رفعت الغطاء عنها.
والنتيجة أن أزمة القضية الكبرى هي في القيادة الفلسطينية الحالية، لكن جوهرها هو في الحركة التي تمنح الغطاء لتلك القيادة وتسير وراءها وتهتف لها، حتى وهي تأخذ القضية من تيه إلى آخر.
* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني
المصدر: العرب – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة