ترتبط الآثار المباشرة للحرب الروسية على أوكرانيا بمسألة الأمن الغذائي للشعوب العربية.
تحديات إضافية للأمن الغذائي لإقليم يعد بين أكبر مستوردي القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل الزراعية القادمة من روسيا وأوكرانيا.
فرضت الحرب قلقا عاما بشأن توفر المحاصيل الزراعية ما أدى لارتفاع صارخ بأسعار القمح التي لا تحتاج صدمات سعرية جديدة بعد أن رفعتها الجائحة 80 بالمئة.
ليس أمام البلاد العربية غير تقليل اعتماد أمنها الغذائي على السوق العالمي والتوظيف الجيد للموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة لتوسيع المساحات المزروعة.
بينما استمر استيراد مصر والسعودية والجزائر للقمح في 2021 بمعدلات السنوات السابقة، سبب شح المياه وسوء إدارة الموارد المائية بسوريا والعراق والمغرب زيادة وارداتهم من القمح عما قبل 2021.
* * *
بقلم: عمرو حمزاوي
للحرب الدائرة رحاها اليوم على الأراضي الأوكرانية العديد من التداعيات المباشرة والخطيرة علينا في بلاد العرب. بعيدا عن الأحاديث الرائجة عن انهيار النظام العالمي كما تبلور في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وما شهدته تسعينيات القرن العشرين من صعود الهيمنة الأحادية الأمريكية التي بات عليها أن تفسح المجال لتعددية مراكز الهيمنة وتنوعها من بكين وموسكو إلى بروكسل وواشنطن..
وبعيدا أيضا عن الاستشرافات الكثيرة المطروحة عربيا عن انعكاسات المواجهة بين الغرب وروسيا على بلادنا وعلى مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة وعلى قضايانا الكبرى من فلسطين إلى مستقبل سوريا وليبيا واليمن والعلاقة مع إيران؛ بعيدا عن كل ذلك ترتبط الآثار المباشرة للحرب الروسية على أوكرانيا بمسألة الأمن الغذائي للشعوب العربية.
تنتج روسيا وأوكرانيا معا ما يقرب من 30 بالمائة من محصول القمح العالمي، وتنتجان معا أيضا 19 بالمائة من الذرة ونسبا مرتفعة من محاصيل زراعية أخرى ومشتقاتها الغذائية كزيت عباد الشمس الذي تسهمان في إنتاجه العالمي بنسية 80 بالمائة.
وبالنظر إلى مساحة أراضيها مقارنة بمساحة الأراضي الروسية، تتسم معدلات إنتاجية أوكرانيا من القمح والذرة بجودة عالية بحيث تصل إلى تصدير 13 بالمائة من الذرة و12 بالمائة من القمح المتداولين عالميا.
خلال الأيام الماضية، فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا حالة من القلق العام بشأن إمدادات المحاصيل الزراعية وأدى ذلك إلى ارتفاع صارخ في الأسعار الراهنة وأسعار التعاقدات المستقبلية خاصة للقمح الذي لم يكن يحتاج للمزيد من الصدمات السعرية بعد أن سببت الجائحة ارتفاع سعره بنسبة 80 بالمائة خلال العامين الماضيين.
فرضت الحرب أيضا الخروج السريع للعديد من شركات المحاصيل الزراعية الغربية العاملة في أوكرانيا على توريد وتصدير القمح والذرة إلى العالم (عبر بوابة ميناء أوديسا)، وباعدت بين المزارعين الأوكرانيين وبين رعاية محاصيلهم خاصة القمح الذي تبدأ زراعته في الخريف ويحصد في الصيف ويحتاج للكثير من العمل لضمان إنتاجية مرتفعة.
بل أن العمليات العسكرية الروسية، وهي تتركز في المجمل في شرق أوكرانيا، تضرب الأراضي الزراعية الأعلى خصوبة والأوفر محصولا فيما خص القمح والذرة على نحو يمكن معه توقع حدوث تراجع في معدلات الإنتاج الأوكراني.
وبالنسبة لنا في بلاد العرب يعني ذلك تحديات إضافية للأمن الغذائي لإقليم يعد من بين أكبر مستوردي القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل الزراعية القادمة من روسيا وأوكرانيا.
تعاني بلادنا، ولظروف تتفاوت من شح المياه ودرجات الحرارة المرتفعة إلى الاشتعال المتكرر للصراعات والنزاعات المسلحة، من اعتماد شبه كامل على الخارج وعلى استيراد المحاصيل الزراعية للوفاء بمتطلبات مواطنيها وضمان أمنها الغذائي.
في 2021، استوردت البلاد العربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط 36 مليون طن (متري) من القمح، نسبتهم الأكبر من روسيا وأوكرانيا.
وبينما استمرت بلدان كمصر والسعودية والجزائر في استيراد القمح في 2021 بنقس معدلات السنوات السابقة، سبب شح المياه وسوء إدارة الموارد المائية المحدودة في سوريا والعراق والمغرب زيادة وارداتهم من القمح عن معدلات ما قبل 2021.
تمثل أخطار انقطاع أو تعثر إمدادات القمح العالمية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا تحديا مباشرا للأمن الغذائي العربي وتدفع الحكومات العربية إلى البحث عن مصدرين جدد للقمح والذرة وغيرهما إن في أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو أمريكا الشمالية.
وفي المقابل، يضع ارتفاع أسعار القمح خاصة الحكومات العربية في وضع تحد آخر وهو استمرار السيطرة على سعر القمح المستهلك محليا الذي دأبت سياسات الدعم الرسمية على التحكم به وتواجهها الأسعار المرتفعة للقمح وكذلك ارتفاع أسعار الوقود وتصاعد معدلات التضخم عربيا وعالميا بصعوبات وضغوط جديدة.
على المدى الزمني القصير، فلا بديل أمام الحكومات العربية غير تنويع مصادر استيراد القمح (والذرة أيضا) والبحث عن تعاقدات للاستيراد من بلدان كرومانيا وكندا والأرجنتين وألمانيا وفرنسا.
وفي بلدان مثل لبنان التي لا تملك مخزونا استراتيجيا من القمح إلا لأشهر قليلة واليمن الذي لا يملك مخزونا استراتيجيا يعتد به، يصبح تنويع مصادر استيراد القمح أولوية أمن غذائي عاجلة وأولى.
على المدى الزمني القصير أيضا، يتعين على الحكومات العربية الاستعداد لتحمل تبعات الارتفاع العالمي لأسعار المحاصيل الزراعية والوقود والبحث في سبل ترشيد سياسات الدعم دون الانتظار للمزيد من الصدمات السعرية.
أما على المدى الزمني المتوسط والطويل، ليس أمام البلدان العربية من حل غير التقليل من تبعية أمنها الغذائي على السوق العالمي والبحث في سبل التوظيف الجيد للموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة لتوسيع المساحات المزروعة قمحا وذرة بهدف رفع معدلات الإنتاج المحلي.
ويمكن للبلدان العربية الاستفادة المتبادلة من خبراتهم في هذه المجالات؛ فللحكومة المصرية تجربة جيدة ومتوازنة في ترشيد سياسات دعم القمح (رغيف الخبز) ولديها خطة طموحة للتوسع في زراعة القمح من مائتي وخمسين ألف هكتار إلى مليوني هكتار بحلول 2024 وللحكومة المغربية تجربة جيدة فيما خص إنتاج الطاقة المتجددة (خاصة في حقول الطاقة الشمسية) وللإمارات تجربة مبشرة في مجال ترشيد استخدام الموارد المائية المحدودة.
ليست كل أمور الدنيا وأحوال بلادنا متعلقة بتقلبات النظام العالمي وتعددية الأقطاب القادمة والمواجهات العسكرية، بل الكثير منها يرتبط بأوضاع المواطنات والمواطنين وتداعيات ما يحدث عالميا بمتطلبات ومقتضيات حياتهم.
٭ د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: