مسار واشنطن محفوف بمخاطر عديدة ويمكن أن يسير الدعم الأمريكي لأوكرانيا على نحو خاطئ.
في حين تشحن واشنطن أسلحة فعالة وأسلحة ثقيلة بسرعة شديدة لأوكرانيا، يعتبر الروس ذلك عملا هجوميا.
في مرحلة ما سيقول الروس سنستهدف شحنات الأسلحة الأمريكية داخل أراضي حلف الناتو في بولندا أو رومانيا وهي لحظة لا يريدها أحد إذ تعهد بايدن مرارا بالدفاع عن كل شبر من أراضى الناتو.
* * *
بقلم: محمد المنشاوي
منذ بداية الحرب فى أوكرانيا، كان لدى إدارة جو بايدن خطا أحمر واضحا جدا تؤكد على أنها لن تعبره. وهذا الخط هو أن القوات الأمريكية لن تتدخل فى القتال ضد القوات الروسية الغازية فى أوكرانيا؛ حيث إنها دولة لا تتمتع بعضوية حلف شمال الأطلنطى «الناتو».
وقال بايدن «كما تعلمون أن تدخل قواتنا من شأنه أن يؤدى إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة». وأكد بايدن أن بلاده ستتدخل عسكريا فقط للدفاع عن كل شبر من أراضى دول حلف الناتو إذا تعرضت أى منها لأى اعتداء.
لكن من شأن متابعة دقيقة لتطورات وخطوات التعامل الأمريكى تجاه الحرب الأوكرانية أن تترك بعض الشكوك فى مصداقية تأكيدات واشنطن بعدم التدخل فى الصراع بصورة مباشرة، سواء تم ذلك برغبتها المباشرة، أو أنها ستضطر للتدخل رغما عنها.
وأتصور أن ما تشهده ساحة التعامل الأمريكى مع الحرب فى أوكرانيا خلال الأسبوعين الأخيرين، ما هو إلا اقتراب أمريكى أكثر وأكثر من الخط الأحمر السابق الإعلان عنه بتجنب التورط فى القتال.
* * *
منذ بداية أزمة أوكرانيا، هدف الرئيس بايدن لعدم جعلها أزمة روسية أمريكية، وأراد أن يصورها فقط كأزمة تتعلق بسيادة أوكرانيا وانتهاكات روسيا للقانون الدولى. وتبنت واشنطن سياسة مبدئية ثلاثية الأبعاد، أولها تمثل فى فرض عقوبات ضخمة على روسيا، وثانيها تمثل فى إرسال آلاف الجنود الأمريكيين للانتشار فى دول حلف الناتو القريبة من أوكرانيا، وثالثها تقديم مساعدات عسكرية ومالية للجانب الأوكرانى.
إلا أن هذه الاستراتيجية شهدت تطورا وتغييرا دفع بوزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف للتهديد بما تعتبره بلاده عداء أمريكيا سافرا يتمثل فى تقديم أسلحة هجومية للجانب الأوكرانى بما يتسبب فى مقتل مئات وربما آلاف الجنود الروس.
وتحدث لافروف عن الخطر المتزايد لحرب نووية أو لاشتعال حرب عالمية ثالثة، وقال الوزير الروسى قبل أيام إن «المخاطر الآن كبيرة» عند تقييم احتمال تحول الحرب في أوكرانيا إلى صراع نووي.
* * *
قبل أيام طالب الرئيس بايدن الكونجرس بتخصيص تمويل إضافى بقيمة 33 مليار دولار بهدف زيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا لتمكينها من مواجهة الجيش الروسى. وقال بايدن «نحن بحاجة إلى مزيد من الأموال لضمان استمرار الولايات المتحدة فى إرسال الأسلحة وتقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا».
واستشهد بايدن فى بيان طلبه المالى الضخم بتأثير المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا حيث اعتبرها السبب وراء صمود الأوكرانيين فى ساحة المعركة، حيث ساعدتهم فى الدفاع عن بلادهم والانتصار فى معركة السيطرة على العاصمة كييف. وناشد بايدن الكونجرس بالإسراع بتخصيص الـ 33 مليار دولار «للمساعدة فى ضمان انتصار الديمقراطية فى أوكرانيا على عدوان بوتين على المدى الطويل».
ويوميا وعلى مدار الساعة، تصل أوكرانيا أسلحة وذخائر أمريكية بما فى ذلك أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار وقاذفات القنابل اليدوية وأكثر من 50 مليون طلقة من الذخيرة.
إضافة إلى تقديم السلاح، تبذل واشنطن جهودا مضنية لدعم الجانب الأوكرانى استخباراتيا وماليا مع تجنب الظهور بأنها فى مواجهة مباشرة مع روسيا.
* * *
ورغم رفض جهاز الخدمة السرية الخاص بحماية الرئيس بايدن قيامه بزيارة كييف، قررت واشنطن إرسال وزيرى الخارجية أنتونى بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن معا. ومثلت زيارة الوزيرين، وما أعقبها من زيارة كبار أعضاء الكونجرس لكييف ولقائهم مع الرئيس فلوديمير زيلينسكى خطوة هامة إضافية فى التصعيد الأمريكى وإظهار الدعم الكامل لأوكرانيا فى الوقت ذاته.
وعقب زيارته لكييف، سُئل وزير الدفاع أوستن عن أهداف واشنطن فى أوكرانيا، رد بالقول «نريد أن نرى روسيا تضعف إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بما قامت به فى غزو أوكرانيا مرة أخرى». وببساطة يعنى ذلك أن تخرج روسيا من الصراع الأوكرانى دولة ضعيفة استراتيجيا.
وأشارت تصريحات الوزير إلى أن هدف واشنطن الحقيقى هو إضعاف القوة العسكرية الروسية لسنوات قادمة.
ثم شكلت واشنطن مجموعة اتصال من 40 دولة، اجتمعت الشهر الماضى فى ألمانيا، بهدف تنسيق إعادة تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية على المدى الطويل. وأعلنوا أن أوكرانيا ستبدأ بمرور الوقت فى استخدام أنواع الأسلحة الحديثة التى تستخدمها جيوش الناتو، وما يستتبعه ذلك من تدريبهم على استخدامها.
وقامت واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة بتدريب الآلاف من الأوكرانيين خارج البلاد على الأسلحة ثم نقلوها لداخل أوكرانيا.
* * *
فى بداية الحرب، ذكرت واشنطن أن أهدافها فى هذا الصراع تتعلق بأوكرانيا أكثر مما تتعلق بروسيا. كان الأمر يتعلق بمحاولة إدارة بايدن دفع الروس إلى سحب قواتهم بعيدا عن الحدود، وشمل ذلك محاولات إقناع الروس بالدخول فى مفاوضات وعملية دبلوماسية مع الأوكرانيين. وتزامن ذلك مع فرض عقوبات اقتصادية لزيادة تكلفة الحرب بالنسبة لروسيا.
وبعد بدء القتال ودخول الحرب أسبوعها العاشر، تغير موقف واشنطن لتنظر إلى فرصة متاحة لانتصار أوكرانيا فى الحرب الجارية، وذكر بلينكن «لقد انتصر الأوكرانيون بالفعل. لقد هزموا الهدف الأول للروس المتمثل فى الاستيلاء على البلاد بأكملها، الروس اضطروا إلى التراجع بعد تكبدهم خسائر فادحة».
* * *
ما تقوم به واشنطن يعكس مسارا محفوفا بالمخاطر من عدة جهات، ويمكن أن يسير الدعم الأمريكى لأوكرانيا على نحو خاطئ. ففى الوقت الذى تشحن فيه واشنطن أسلحة فعالة وأسلحة ثقيلة بسرعة شديدة إلى أوكرانيا، يعتبر الروس هذا عملا هجوميا. وعلينا أن نتخيل أنه فى مرحلة ما، سيقول الروس، إننا سنستهدف هذه الشحنات داخل أراضى حلف الناتو سواء فى بولندا أو رومانيا. وهذه هى اللحظة التى لا يريدها أحد، فقد تعهد بايدن مرارا وتكرارا بأنه سيدافع عن كل شبر من أراضى الناتو.
وهذه هى المقامرة الكبيرة التى يخوضها جو بايدن دون أن يدرى.
* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشأن الأمريكي من واشنطن.
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: