جِراح السكان الأصليين

محمود زين الدين7 أبريل 2022آخر تحديث :
السكان الأصليين

فظائع ارتُكبت ضد السكان الأصليين بأمريكا على مدار قرون بعدما وصل المستوطنون البِيض إلى أمريكا.
لم يقتصر الزحف من الساحل الشرقي للساحل الغربي على سلب الأراضي من السكان الأصليين بل شمل مذابح واسعة ارتُكبت بحقهم.
سلب الأراضي واجه مقاومة شديدة من أصحابها السكان الأصليين فكان استمرار الزحف يعنى استمرار محاربتهم وطردهم من الأرض.
وصف أحد قادة الجيوش وقتها تلك الاستراتيجية القائمة على إجبارهم على الانسحاق فى ثقافة البِيض بأنها «أقل تكلفة من محاربتهم»!
تعرض الأطفال المختطفون لأشكال الاعتداء الجسدي والجنسي وكانت أغلب المدارس تستوعب أطفالا أكثر من طاقتها وندرت مواردها المالية والتعليمية والصحية ما أدى لموت عشرات الآلاف منهم.
* * *

بقلم: منار الشوربجي
توشك إدارة بايدن على إصدار تقرير، هو الأول من نوعه، عن الفظائع التى ارتُكبت ضد السكان الأصليين على مدار قرون كاملة، فبعدما وصل المستوطنون البِيض إلى أمريكا، لم يقتصر الزحف من الساحل الشرقى على المحيط الأطلسي للساحل الغربى على المحيط الهادى على سلب الأراضى من السكان الأصليين، وإنما انطوى أيضًا على مذابح واسعة ارتُكبت فى حقهم.
لكن سلب الأراضى واجه مقاومة شديدة من أصحابها الأصليين، فكان استمرار الزحف يعنى استمرار محاربتهم وطردهم من الأرض.
ومن هنا، تفتق ذهن قادة الجيوش وقتها عن أفكار بإمكانها تحقيق الهدف نفسه. وكانت واحدة من تلك الأفكار تقوم على دمجهم بالقوة فى الثقافة الغربية عبر محو ثقافتهم، فالارتباط بالأرض جزء لا يتجزأ من ثقافة السكان الأصليين وبنائهم الروحى.
لذلك كان لابد من اقتلاع تلك الثقافة. وقد وصف أحد قادة الجيوش وقتها تلك الاستراتيجية القائمة على إجبارهم على الانسحاق فى ثقافة البِيض بأنها «أقل تكلفة من محاربتهم»!. لكن المقاومة العنيفة لتلك السياسة أدت إلى إصدار قانون قضى بانتزاع الأطفال من أسرهم بالقوة.
وأنشأت الحكومة مدارس داخلية كان يودع بها أولئك الأطفال المختطفون، حيث كانوا يُجبرون على الانسحاق بالكامل فى ثقافة البِيض، فقد حُرموا من لقاء ذويهم، واستعمال أسمائهم الأصلية ولغاتهم، وأُجبروا على اعتناق المسيحية والتحدث فقط باللغة الإنجليزية.
وكان الطفل الذى يقترب من المحظورات يتعرض للعقاب والتعذيب. وقد أُلحقت بتلك المدارس مزارع كان إنتاجها وفيرًا لأن الأطفال كانوا يُجبرون على العمل بها كالعبيد.
وقد مورست ضد أولئك الأطفال كافة أشكال الاعتداء الجسدى والجنسى. ومع بداية القرن العشرين كانت أغلب تلك المدارس تستوعب أكثر من طاقتها من الأطفال، وندرت فيها الموارد المالية والرعاية التعليمية والصحية. وقد أدت كل تلك الفظائع إلى موت عشرات الآلاف من أولئك الأطفال.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، فقد كان يتم دفنهم فى تلك المدارس نفسها بمقابر جماعية لا يعرف عنها ذووهم شيئًا. وقد ظلت تلك المدارس قائمة حتى ثمانينيات القرن العشرين، بل ظل بعضها موجودًا حتى اليوم بعد نقل إدارتها إلى السكان الأصليين.
وقد تركت كل تلك الفظائع جروحًا نفسية ومادية غائرة، نتجت عنها كوارث بالجملة عاشتها أجيال متعاقبة ولا تزال تعانى منها مجتمعات السكان الأصليين حتى اليوم.
وقد ظلوا على مدار عقود طويلة يطالبون بتوثيق ما جرى للأطفال والكشف عن مواقع مقابرهم دون جدوى. لكن اكتشاف ألف مقبرة لأطفال السكان الأصليين بالمدارس الداخلية بكندا العام الماضى سلط الأضواء على القضية بالولايات المتحدة.
ولحسن الحظ، تزامن ذلك مع لحظة تاريخية صارت فيها الوزيرة المسؤولة عن ذلك الملف فى إدارة بايدن تنتمى إلى إحدى قبائل السكان الأصليين، فأعلنت عن تشكيل لجنة تفحص أرشيف الدولة وتستخدم أحدث التقنيات للكشف عن تلك المقابر.
ورغم أن التقرير المنتظر سيكشف بالتأكيد عن الكثير، فإن أرشيف الدولة لا يسجل سوى المدارس التى كانت تابعة مباشرة للحكومة الفيدرالية.
أما ثلث مجموع تلك المدارس، التى كانت تابعة للجمعيات الدينية، والتى قامت بتلك الممارسات نفسها قبل قرون من إنشاء الحكومة الفيدرالية لتلك المدارس، فليست مسجلة أصلا.
والأهم من هذا كله أنه لم يتضح بعد ما إذا كان تقرير إدارة بايدن سيكون بمثابة خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى تهدف إلى تضميد بعض جِراح السكان الأصليين وإعادة الاعتبار إليهم، أم أنه سيكون نهاية المطاف.
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر: المصري اليوم

موضوعات تهمك:

القدس على صفيح ساخن

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة