تحدث جنود في الجيش النظامي السوري كانوا مأسورين لدى الجيش الحر في خربة الجوز إحدى قرى جسر الشغور بعد الإفراج عنهم، عن حالة من الانهيار في معنويات جنود الجيش النظامي.
وروى 35 جنديا التقتهم الجزيرة نت في طريقهم من الخربة الواقعة على الحدود التركية السورية إلى تركيا تمهيدا لعودتهم إلى عائلاتهم بعد إفراج ثوار الخربة عنهم، ما وصفوه بالإهانات والمعاملة السيئة التي كانوا يلقونها من قادتهم بالجيش الذين قالوا إنهم تركوهم وهربوا عندما اشتد الحصار والقتال ضدهم من قبل الثوار.
وكانت الجزيرة نت قد تابعت الثلاثاء الماضي مراسم الإفراج عن دفعة من الجنود النظاميين من أصل 400 أسير من الجيش النظامي أسرهم ثوار الخربة والقرى المجاورة لها، وأجرت مقابلات مع المفرج عنهم حيث رافقتهم حتى وصولهم إلى الأراضي التركية.
تنوع:
وكان لافتا أن الجنود المفرج عنهم يمثلون إلى حد كبير تنوع المجتمع السوري، حيث التقينا من بينهم العرب والأكراد والدروز، كما لاحظنا أن الجنود ينتمون لمناطق من السويداء في أقصى الجنوب حتى حلب في الشمال، إضافة إلى الحسكة ودير الزور والرقة وإدلب ودمشق وريفها وغيرها من المدن والمحافظات السورية.
أثناء مسيرنا معه وسط الغابات المحترقة بفعل قذائف جيش النظام، تحدث إلينا الملازم أول “عيد” -وهو كردي من مدينة الحسكة- عما وصفها بالمعنويات المنهارة للضباط وحتى الجنود، واقتناع الغالبية منهم أنهم يخوضون معركة خاسرة لا محالة.
ولفت إلى أنه مع المئات من الجنود والضباط سلموا أنفسهم للجيش الحر رغم تخوفهم من القتل، حيث كان قائد الجيش بالمنطقة العميد محمود صبحا –يقول الثوار إنهم قتلوه بقرية الزعينية القريبة من الخربة- أن الثوار سيذبحون أي جندي يصل إليهم.
وتابع “استقبلنا الثوار بطريقة استغربناها فقد احتضنونا وأمنوا لنا المأكل والمشرب، قبل أن نعرض على هيئة تحقيق قررت الإفراج عنا”.
وزاد “أمن لنا الثوار المأكل والمشرب وحتى السجائر، وأعطوا كل واحد منا مبلغا من المال يكفيه للوصول إلى أهله”.
أما الجندي السابق عبد القادر -وهو من حلب- فقد روى كيف كان الضابط يعامل الجنود، وقال “أنا موجود هنا منذ 9 شهور رغم أن دورتي 7 شهور فقط، وكان الضابط يمنعنا من الإجازات أو أن يكون مع أحدنا هاتف، وكان يسمح لنا باتصال بعائلاتنا كل شهر ونصف بحضوره وبعد أن يفتح الخط بنفسه.
محمد أحد الجنود من منطقة الزبداني قابلناه في طريق العودة، وكان يلح بالسؤال عن وضع منطقته التي قال إنه لا يعرف عنها شيئا، وأبدى قلقا كبيرا من وضع منطقته بعدما حدثناه أنها تعرضت للقصف، وقال إنه لا يعرف مصير عائلته التي حاول الاتصال بها من هاتف أحد المرافقين دون إجابة.
تمييز:
في الطريق قابلنا أيضا الجندي نورس الشاعر وهو من محافظة السويداء وأحد أبناء الطائفة الدرزية. وكان لافتا في حديث الشاعر شكواه من التمييز ضد الدروز في الجيش النظامي تماما كما هي شكوى أبناء الطائفة السنية.
وجه نورس الشاعر من خلال الجزيرة نت نداء إلى أبناء طائفته بأن يتركوا الجيش “المنهار”، وتحدث بإسهاب عن حرص الثوار على معاملته بشكل لائق، وقال إنه ممتن لهم لأنهم أفرجوا عنه وأحسنوا معاملته رغم سوء المعاملة التي لاقتها خربة الجوز من الجيش النظامي.
اتفق الجنود والضباط على تحميل العميد صبحا مسؤولية حرق البيوت، كما اتفقوا في لقاءاتنا معهم على أن العميد تركهم وهرب مع أبناء طائفته “العلوية” وترك بقية الجنود خلفه. أحد الجنود من دير الزور قال بالحرف “لماذا نبقى في الجيش ما دام القائد أول الهاربين، وهذا ما سيحصل مع بشار الأسد الذي سيهرب بطائرته مع عائلته ويترك بقية الجيش وأبناء طائفته للثوار”.
محطات:
لا يمكن لمن عايش هؤلاء الجنود أن ينسى ثلاث محطات: الأولى محطة الوداع الحميم بينهم وبين الثوار ولحظات تقبيل الرأس العفوية منهم إلى محمد عيد أبو عبدو نائب قائد كتيبة أحرار سوريا وبكاء بعضهم أثناء ذلك.
الثانية محطة البكاء الذي ظهر على كثير منهم في طريق العودة الشاق إلى الأراضي التركية، وكان بعضهم يحدث مراسل الجزيرة نت عن أمه أو أطفاله الذين اشتاق إليهم. وكان الجندي محمد الطحان من حلب يقول إنه ينتظر بشغف احتضان أمه التي شعر قبل أيام فقط أن موعده معها قد انتهى إلى غير رجعة.
أما المحطة الثالثة فهي الحميمية الواضحة بين الثوار والجنود ودعوة الثوار لهم بأن يلتحقوا بصفوف الثورة، أو ألا يعودوا إلى الخندق المعادي على الأقل، وتوصية الجنود بمن بقي من زملائهم أسرى لدى الجيش الحر بخربة الجوز.
وأكد القائد أبو عبدو للجزيرة نت أن التحقيق مع الجنود أفضى إلى قرار بالإفراج عن 200 منهم ورغبة عدد منهم في البقاء مع الجيش الحر، وقال إن هناك قرارات بالإعدام صدرت بحق بعض من ثبت تورطهم في القتل أو الحرق أو الاغتصاب، لكنه قال إن تنفيذ هذه القرارات يحتاج إلى تصديق لجنة عليا ينتظر وصولها إلى الخربة خلال أيام من موعد مغادرتنا الثلاثاء الفائت.