خلال كلمة ألقاها وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير أمام أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي ظهر مصطلح جمهوريات الموز وهو المصطلح العتيد، مشيرا إلى أن المملكة العربية السعودية ليست من تلك الجمهوريات ولن تكون على حد قوله.
وفي الكلمة طالب الجبير الأوروبيين إلى وقف إملائهم على بلاده محاضرات مشيرا إلى أن دولته ترفض ذلك، زاعما أن المعلومات المنتشرة عن بلاده أغلبها مغلوطة، وخاطئة، وذلك على خلفية محاكمة رائف بدوي المدون الليبرالي السعودي الذي حكم عليه بالجلد في عام 2015 لمدة 20 أسبوعا قبل أن يستمر حبسه، في وقت تطالب فيه جهات دولية وحقوقية الإفراج عن الناشط السعودي، من بينهم الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي. وذلك في وقت تقول المملكة أنها تخوض خطة انفتاحية لإصلاحات اقتصادية واجتماعية بارزة، وسط حملات اعتقال طالت عدد من العلماء أبرزهم الشيخ سلمان العودة وعدد آخر من المعتقلين من النشطاء والحقوقيين.
وسبق أن نشب خلافا سياسيا بين السعودية وكندا على خلفية الانتقادات الكندية للوضع الحقوقي في المملكة، في وقت وصلت الخلافات حد سحب السفير، قبل أن تعاد العلاقات مجددا بسبب الاستثمارات السعودية في كندا بالإضافة لصفقات السلاح المبرمة بين الطرفين.
جمهوريات الموز
المصطلح أطلق لأول مرة على جمهوريات وسط أمريكا والتي كان اقتصادها يعتمد على بيع الموز في الولايات المتحدة الأمريكية عندما بدأ تلك التجارة لورينزو داو بيكر بنقل الموز من جاميكا إلى ولاية بوسطن وكسب فيه 1000 بالمائة من سعره الأصلي أي عشرة أضعاف، وعمل على ذلك خلال تلك الفاكهة في عام 1870، واستمرت تلك التجارة حتى سيطرت شركة الفاكهة المتحدة التي عرفت لاحقا باسم الاخطبوط لسيطرتها على دول وسط أمريكا ومناطق البحر الكاريبي، وهو ما زاد من نفوذ صاحبها السياسية والاقتصادية وجعله واحد من أهم صانعي القرار الوطني. وفي ثلاثينيات القرن الماضي تمكن صاحب الشركة من السيطرة على 3.5 مليون فدان من أراضي أمريكا الوسطى المزروعة.
في تعريف بسيط وموجز للمصطلح الذي ظهر لأول مرة في بدايات القرن الماضي وبالتحديد عام 1904 في مجموعة قصصية للكاتب الأمريكي أوليفر هنري، وهو يشير إلى هندوراس والتي سميت ملفوف الملوك “كرنب الملوك”، والتي تقع في أمريكا الوسطى، وهو الاسم الذي أطلق على إحدى الديكتاتوريات في أمريكا الوسطى وذلك خاصة إن كانت الدولة تقيم حكمها على الشعب وفق الديكتاتورية والانتخابات المزورة مثلا.
جمهوريات الموز أو”Banana Republic”،مصطلح يطلق عادة على الدول التي تعتمد على نظام سياسي مستبد ليس له أي وزن إلا في بلاده، بينما ليس له أي وزن إقليمي أو معنى، وتسيطر عليه مجموعات ثرية وفاسدة، ولا يزال المصطلح يستخدم حتى الآن مع النظم القائمة في عدة دول صغيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
هل السعودية جمهورية موز؟
في الفقرات السابقة قلنا أن الدولة التي تسمى بجمهورية الموز هي تلك الدولة التي تكون من بين جمهوريات الموز لابد أن تكون دولة ديكتاتورية تقيم حكمها على الشعب بالحديد والنار وفق انتخابات مزورة، وفي تلك النقطة فالإجابة واضحة، السعودية ليس فيها انتخابات بالأصل! والحكم فيها وراثي يورث فيها حكم الشعب لـ ابن الملك يوما بعد يوم.
أما عن قضية الديكتاتورية والقمع، تعتقل السعودية في سجونها ثلة من علماء الدين والمفكرين والنشطاء والحقوقيين وعدد آخر من الناس العاديين، وذلك لسبب واحد هو اختلاف رأيهم عن رأي الدولة فعندنا مثلا الدكتور الشيخ سلمان العودة اعتقل بسبب تغريدة إبان بدء الحصار السعودي على قطر، وطالب فيها بإصلاح ذات البين، هذا وفقط! يعتقل منذ عدة سنوات ويواجه تهديدا بالحكم عليه بالإعدام بقطع الرقبة بسبب تغريدة!
جمهوريات الموز أيضا دولة تعتمد على أن لا يكون لها أي ثقل إلا داخليا وليس لها أي وزن إقليمي، هنا المشاهد العربي للوضع السعودي وفتحها جبهات على عدة محاور إقليمية يقول أن نفوذ المملكة ليس له أول من آخر وأنها تفعل ما تشاء في تجويع اليمن وحرب سوريا واللعب بالعراق وتزويد الوقود في دبابات مصر وتهاجم الوجود التركي في المنطقة وتقف له سواءا بسواء أليس كذلك بالطبع؟
لا يمكن الإجابة هنا على هذا السؤال إلا من خلال استدعاء تجارة الموز كمثال يجب تشبيه النفط به إلا أن النفط أغلى كثيرا ويدر أرباحا أكثر تسيطر عليها الحكومة القائمة وتنفقه حيث تشاء أسلحة من هنا ولوحات باهظة الثمن لولي العهد ويخوت وياقوت وغيرها من المقتنيات الثمينة، إلا أنه يمكن القول بوضوح أن المملكة بكل هذه الأموال ليس لها أي ثقل إقليمي، وإن كان فلماذا لم تنهي الحرب اليمنية دون خسائر فادحة وصلت إلى حد ضربها في عقر دارها؟! وهي التي تعرضت أكبر شركاتها التي تنفق على البلاد والحكام أرامكو وتوقفت لأيام جراء قصف حوثي من مجموعة من المسلحين الذين سيطروا على اليمن ولا يمكنها استرداد السيطرة للحكومة المدعومة من قبلها حتى الآن؟ كيف انتهت تدخلاتها في سوريا لدعم المعارضة إلا من إمكانية إسقاط تلك المعارضة وتفريغها من مضمونها كما تريد إسرائيل، لكن في الوقت نفسه لم تزحزح الأسد قيد أنملة بل جرت أذيال الخيبة والروس والإيرانيون يتبخترون في شوارع دمشق وسط مخاوف عميقة من التواجد الإيراني وهو “البعبع” الذي ربته الولايات المتحدة في خيال دولة كاملة بحجم السعودية، والأمر ذاته في مواجهة تركيا التي تبحث عن مصالحها المشتركة مع العرب، تدير لها المملكة ظهرها وآخر ما يمكنها فعله هو إصدار بيانات تنديد وهجوم مبني على عداوات تاريخية أو مبني على البند الثالث!
البند الثالث أيها القارئ الفهيم هو ما يتعلق بالتبعية وعدم الاستقلالية في القرار الوطني الذي تتمتع به جمهوريات الموز وهو ما سنسألك فيه سؤالا واحدا، هل السعودية دولة مستقلة صاحبت قرار وطني مستقل من أم رأسها؟ إذا قلت نعم، فلماذا تنفق الأموال بالملايين على دول الغرب وقواعدهم العسكرية وجيوشهم وصفقات السلاح يوما بعد يوم.
كيف تمتلك السعودية قرارها الوطني ولا تكون من جمهوريات الموز وهي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية في بلادها تنفق على وجودها ملايين الدولارات المباشرة، يعني أن الأمر سابقا كان غير مباشرا من خلال صفقات الأسلحة المليارية التي تدفعها المملكة لكن اليوم أصبح هناك فاتورة مالية تدفعها تحت بند التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
يمكننا السؤال كيف لدولة ذات استقلال وكرامة أن يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لملكها الذي يملك أمر البلاد والعباد، أنه لولا بلاده لما بقي على الكرسي عدة أيام؟! أي إهانة لكرامة الدولة وملكها وشعبها، دون أن يكون هناك أي رد على تلك الإهانة، في وقت لاحق يطلب منه أن يدفع الأموال مقابل الحماية، قائلا أنهم أغنياء ويجب أن يدفعوا الأموال.
وبعد تلك البنود الثلاث ننستطيع أن نسأل وزير الخارجية السعودي السابق ووزير الدولة للشؤون الخارجية الحالية عادل الجبير، هل السعودية من جمهوريات الموز أم لا؟ وهو الوحيد الذي يمكنه الإجابة، لذا فوجب علينا أن نطالبه بأن يوقف التحذلق وينظر في الإناء الذي أمامه يردد ما كتب له وفقط.
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة