التراجع عن الدين خيانة عظمى!
وتسمى الوثيقة الجديدة الصادرة من طرف المجلس العلمي الأعلى، بـ”سبيل العلماء”، ووزعت على علماء الدين بمناسبة انعقاد دورة المجلس الأخيرة بالعاصمة الرباط، والتي ربطت قضية الردة والمرتد بالخائن للجماعة، “المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها”، أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية.
ويُعدّ هذا تحولًا واضحًا فيما كان عليه الأمر في السابق، فكما تقول راضية المنصوري، وهي باحثة في الشأن الديني، فإنّ “الفتوى السابقة للمجلس العلمي الأعلى، كانت تفضح التناقض الذي تعيشه الدولة”، مُضيفةً أنها “أثارت الكثير من الاستغراب لدى الحقوقيين والمتتبعين للشأن الديني المغربي، بخاصة وأن الدولة وقعت على العديد من المواثيق الدولية التي تؤكد على حقوق االإنسان، بما في ذلك حرية المعتقد”.
وأثنت راضية المنصوري عن تراجع المجلس العلمي الأعلى عن فتواه السابقة بقتل المرتد، لافتةً في حديثها لـ”ألترا صوت”، إلى أن الموقف الجديد للمؤسسة الدينية “يأتي في ظل التحولات الجديدة التي يمر بها الإسلام، والصورة السيئة التي يتم ترويجها بممارسات الجماعات المتطرفة”.
واستند المجلس في موقفه الجديد حول مفهوم الردة في الإسلام، إلى حديث الرسول محمد الذي ربط بين “من بدّل دينه فاقتلوه” بـ”التارك لدينه المفارق للجماعة”، ليوضّح المجلس أن ترك جماعة المسلمين حينها لم يكن إلا التحاقًا بـ”المشركين”، الذين هم خصوم المسلمين وأعداؤهم في سياق الحروب الدائرة بينهم، ليخلص في النهاية إلى أن مفهوم الردة هنا هي “الردة السياسية وليست الفكرية”.
تعلق راضية المنصوري على هذا التغيير في التعاطي مع المفهوم بقولها إن “العديد من العلماء الكبار، أكدوا أن حد الردة غير موجود في الدين الإسلامي، بل من إصطناع الفقهاء لأسباب سياسية”، مُوضحةً أنهم كانوا يعتبرون أن من خرج عن الدين الإسلامي، كمن خان الجماعة، وكانوا يصطلحون على تسمية هذا التصرف بـ”الخيانة العظمى”.
وأشارت راضية المنصوري أيضًا إلى أنه من الممكن “استحضار آيات قرءانية عديدة تبرز احترام حق اختيار الشخص لمعتقده”، قبل أن تستدرك للتوضيح بأن “اليوم لم نعد نعيش في الماضي، إذ إنّ من يربط المواطن المغربي بدولته هو حقوقه التي تؤمنها له هذه الدولة، والتي من بينها حماية حرية المعتقد”.
جدل حول “قتل المرتد”
يرفض بعض شيوخ التيار السلفي في المغرب رأي الحقوقيين وغيرهم ممن يبررون دينيًا، موقفهم الرافض لقتل المرتد بآية قرآنية تنص على أنّه “لا إكراه في الدين”. لكن الشيخ السلفي المغربي محمد الفزازي يرفض هذا التفسير لهذه الآية، التي يعتقد بأنها لا تدخل في سياق قضية الارتداد عن الدين.
رؤية الفزازي تبدو متناقضة حين يقول: “يجب أن يعلم الجميع أن الإسلام يحترم حرية معتقد الآخرين، ويستوجب أيضًا قتل المرتد”! وهو مع ذلك لا يرى أن رأيه متناقض، بل يُؤكد على نفي ذلك: “هذا ليس تناقضًا، فالآية (لا إكراه في الدين) تخص الذين لم يعتنقوا الإسلام”، أمّا الذين قد اعتنقوه فالواجب قتلهم في نظر الفزازي، كونهم أقدموا على “خيانة عظمى لجميع المسلمين”، حسب قوله.
في المقابل يرى عبد الإله الخضري، وهو رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أنّ تغيّر موقف المجلس العلمي الأعلى من قتل المرتد، أمر “مطلوب ولا بد منه”، لكنّه من جهة اُخرى ينظر إليه باعتباره موقفًا يُوسم المرتد بـ”الجرم متعدد الأبعاد”، على حد تعبيره في حديثه لـ”ألترا صوت”، فهو يعتقد أن الذي يُغير دينه من الإسلام لغيره، “يتجاوز بكثير مفهوم حرية المعتقد، ويدخل في نطاق الازدراء والكراهية”، بل ويزيد بالقول بأن “مغيري عقيدتهم الإسلامية، لا يفعلون ذلك عن قناعة مبدئية ومبدأ إيماني خالص، وإنما بالدرجة الأولى لغياب البعد التربوي والأخلاقي والقيمي في حياة هذه الفئة، سواء من الأصل أو بسبب طارئ، في ظل عولمة التواصل”!
أخيرًا أعاد عبد الإله الخضري تأكيده على “إيجابية” وثيقة “سبيل العلماء”، وفقًا لرؤيته الخاصة، لكنه مع ذلك دعا إلى “توسيع دائرة النقاش حول القضية، ليتمكن الرأي العام من تفهم ما ذهب إليه المجلس العلمي الأعلى”، داعيًا الأخير إلى “مد جسور التواصل والتعاون مع مكونات المجتمع الأخرى، من مختلف التخصصات، حتى تكون مواقفه وفتاويه منسجمة مع تطلعات المجتمع”.
من جهتنا حاولنا التواصل مع المجلس العلمي الأعلى، وبأحد أعضائه وهو مصطفى بن حمزة، لكنه رفض التجاوب مع محاولاتنا. وعلى كل الأحوال تبقى قضية “المرتد دينيًا” من أكثر القضايا إثارة للجدل في المنطقة العربية والإسلامية، رغم ما استهلك فيها من أحاديث طوال متعددة المشارب والمنطلقات.