تسببت الثورة السورية في التأثير على اليسار العربي، وأدت إلى انقسامه أساسا بين طرف مستمر في دعم النظام السوري تحت مبدأ مقاومة إسرائيل ومجابهة الاستعمار، وآخر يقف إلى جانب المعارضة لدعم الثورة والدفاع عن الحقوق الديمقراطية.
وفي مقال نشره معهد الدراسات الإستراتيجية والبحوث، قدم الباحث في المركز الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى ببيروت نيكولاس دوت بويارد، الأزمة التي مرت بها صحيفة الأخبار اللبنانية -حين استقال رئيس تحريرها رفضا لتعاطيها مع الملف السوري- كرمز للجدل المقسم لليسار العربي على الصعيدين العقائدي والإستراتيجي.
وأشار إلى أن البعض من اليساريين العرب مستمر في دعم النظام السوري باسم الصراع ضد إسرائيل ومقاومة الاستعمار, في حين يقف البعض الآخر منهم إلى جانب المعارضة بحجة الثورة والدفاع عن الحقوق الديمقراطية، بينما اتخذ فريق آخر موقفا وسطا مبنيا على التضامن مع مطالب المتظاهرين، ورفض التدخل الأجنبي والدعوة إلى المصالحة الوطنية.
وأكد الباحث أن الأزمة السورية زرعت الخلاف بين أطياف اليسار العربي سواء كانوا من الشيوعيين المتشددين أو ذوي الاتجاهات الماركسية, أو من الجناح اليساري من القوميين العرب الراديكاليين أو المعتدلين.
واعتبر أن مؤيدي الثورة بدون قيد أو شرط لا يشكلون الأغلبية, ومعظمهم من أقصى الطيف السياسي لليسار، وفي العادة هم من التروتسكيين أو الماويين، ويحتفظون بنوع من الروابط مع أطراف من المعارضة، إضافة إلى بعض المفكرين اليساريين المستقلين ممن يدعمون الثورة المسلحة، ويطالبون بإسقاط النظام واستبعاد الحوار معه.
وينأى الأنصار من أقصى اليسار بأنفسهم عن المجلس الوطني السوري بسبب اعتقادهم أن علاقاته مع قطر وتركيا والسعودية يمكن أن ترهن استقلال الحركة الشعبية.
قلق ورهان:
وأوضح الباحث أن جزءا من اليسار الراديكالي المطالب بإسقاط نظام بشار الأسد يشعر بالقلق من دعم الأنظمة الملكية في الخليج للثوار السوريين, ولا يؤيدون موقف المجتمع الدولي المناهض للأسد خاصة الولايات المتحدة, وأهم ما يراهنون عليه هو الوضع الداخلي في سوريا ومبدأ الانتفاضة الشعبية كما فعلوا في مصر وتونس.
وقال إن غالبية اليساريين العرب اختاروا الالتزام بموقف حذر من الانتفاضة السورية, فهم يدينون عسكرتها التي يقولون إنها لن تفيد سوى “المتشددين الإسلاميين” والمقاتلين الأجانب الذين يتدفقون إلى سوريا، وينتقدون كذلك الطابع الطائفي للنزاع، ويخشون من اندلاع حرب أهلية لا تنتهي.
كما أنهم -حسب الباحث الفرنسي- يشعرون بالقلق بشأن ميزان القوى الإقليمي والدولي, فمع وقوف إيران وسوريا في صف ضد ممالك الخليج وإماراته وكذلك وقوف روسيا والصين ضد أميركا، تكون سوريا قد احتلت مكانا أماميا في لعبة الحرب الدولية الكبرى, وهو ما يدفع اليسار لتفضيل سوريا وإيران والصين وروسيا على معارضيهم.
وفي الطرف الآخر -يضيف الكاتب- يبرز فريق آخر من اليسار العربي يدعو لإجراء إصلاحات تدريجية، ويراهن على حل سياسي بعيدا عن الخيارات العسكرية.
انهيار عنيف:
وقال الباحث إن جزءا كبيرا من الراديكاليين العرب اليساريين لم يعد يراهن على الثورة، لأنهم لا يريدون انهيارا عنيفا للنظام، وهم يخشون من فراغ السلطة، ومن تحالف النظام الذي سيخلف الأسد مع أميركا وحلفائها من دول الخليج، أكثر من خشيتهم من استمرار النظام الحالي.
وأشار إلى أن الناشطين العرب اليساريين يرون سوريا بوجهين, فالقليل منهم ينكرون طبيعة النظام السوري القمعية والشمولية, فيما يبرر آخرون موقفهم المدافع عن ذلك النظام بحجم العقوبات الدولية ضده التي تجد لها صدى عميقا في المشاعر المعادية للاستعمار لدى اليساريين العرب, وفيما يفسر البعض تلك المشاعر بالارتباط بالطبيعة الشعبية للثورة, يرى آخرون أنها تضخمت بسبب التدويل المتنامي للصراع.
ومن جانب آخر، طرح الباحث تقدم التيار الإسلامي في بلدان الربيع العربي كمصدر تخوف لدى اليساريين ومبرر لموقفهم من ثورة سوريا.
————————
نقلاً عن الجزيرة نت