يبدو على سعيّد الارتباك، ويطغى على ردود أفعاله التوتر والخوف من المفاجآت غير السارة.
المعارضة بدأت تحشر السلطة في زاوية صعبة. ولا يعرف حتى الآن لمن يعمل الزمن: لصالح الرئيس أم ضده؟
“رئيس الجمهورية يكتب دستوراً جديداً، ولا أحد من أساتذة القانون الذين يحترمون أنفسهم سيشارك في لجنة إعداده”.
سلوك الرئيس “لا يؤسس للديمومة، وهو يريد دستوراً على المقاس سينتهي حتماً بنهاية حكمه”، بل كل ما يحصل “مسألة عبثية”.
أبرزت الأسابيع القليلة الماضية تعرّض سعيّد إلى هجمات سياسية متعددة المصادر، وضعته أمام تحديات جديدة وصعبة إلى حد كبير.
أصبح الوقت ضاغطا وخانقا والحد الفاصل بين النجاح والإخفاق يوم 25 يوليو المقبل تاريخ استفتاء ينوي سعيّد تنظيمه لدعم شرعيته وسحب البساط من تحت أقدام خصومه.
لجأت أطراف خفية لإشعال الحرائق في الحقول والمزارع والمصانع وموانئ. ورغم أن هذه الظاهرة لا تزال في بدايتها ولم تخرج عن السيطرة إلا أن الرئيس وأنصاره سارعوا بتوجيه الاتهام إلى المعارضة.
* * *
تتسارع الأحداث في تونس نحو اتجاهين متناقضين: اتجاه يصرّ الرئيس قيس سعيّد على الالتزام به إلى آخر الطريق من دون أي تعديل أو تبديل أو تنازل إلى أن يؤسس حكمه، ويقطع مع المسار الذي انطلق بعد ثورة 14 يناير 2011، غير عابئ بكل الذين اعترضوا على أجندته، سواء بشكل جذري أو جزئي.
في المقابل، هناك اتجاه نقيض يعمل أصحابه على التصدي للرئيس بوسائل سلمية من أجل وضع حد لمغامرته السياسية، ومحاولة إنقاذ الانتقال الديمقراطي من الهوة العميقة التي وقع فيها.
فالوقت المتبقي أصبح ضاغطاً وخانقاً، والحد الفاصل بين النجاح والإخفاق سيكون يوم 25 يوليو/ تموز المقبل، تاريخ الاستفتاء الذي ينوي سعيّد تنظيمه من أجل دعم شرعيته، وسحب البساط كلياً من تحت أقدام خصومه. ولا يعرف إلى حد الآن لمن يعمل الزمن: لصالح الرئيس أم ضده؟
جبهات متعددة لحرب قيس سعيّد
يخوض سعيّد حرباً حقيقية على جبهات متعددة وفي الوقت نفسه. لهذا يبدو عليه الارتباك، ويطغى على ردود أفعاله التوتر والخوف من المفاجآت غير السارة. لهذا عندما تتعدد الضغوط عليه، ويستشعر الخطر، يلجأ إلى المؤسسة الأمنية بالخصوص، يفصح لها عن هواجسه، ويستمد منها القوة والصمود في وجه أعدائه الذين تعددت محاورهم، وتنوّعت أسلحتهم، وتكاثرت أصواتهم وحساباتهم.
فخلال الأيام الأخيرة، لجأت بعض الأطراف الخفية إلى أسلوب إشعال الحرائق في الحقول والمزارع والمصانع، وحتى في بعض الموانئ. ورغم أن هذه الظاهرة الإجرامية لا تزال في بدايتها ولم تخرج عن السيطرة، ونددت بها جميع الأطراف، إلا أن رئيس الدولة وأنصاره سارعوا نحو توجيه الاتهام إلى المعارضة، وتحديداً إلى حركة النهضة، في محاولة للمزيد من عزلها وتجريمها.
لكن من الصعب تصديق مثل هذه التهمة، خصوصاً أن الحركة تتعرض حالياً إلى تحريض واسع ضدها من قبل أنصار الرئيس، وسارعت نحو تقديم شكوى رسمية ضد مجهولين أقدموا على حرق أحد مقراتها في وقت سابق.
رغم خطورة ظاهرة الحرائق، وفي انتظار الكشف عن الجهات التي تقف وراءها، أبرزت الأسابيع القليلة الماضية تعرّض سعيّد إلى هجمات سياسية متعددة المصادر، وضعته أمام تحديات جديدة وصعبة إلى حد كبير.
تسريبات نادية عكاشة وخطوة استباقية من “جبهة الخلاص”
كان آخر هذه الهجمات مسلسل التسريبات لمكالمات هاتفية منسوبة إلى مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، والتي فُتح في شأنها تحقيق أمني وقضائي.
وتكمن خطورة هذه المكالمات الهاتفية الخاصة التي لم تثبت صحتها، في تعرضها إلى الجوانب الخفية وغير المعلومة من نشاط رئيس الدولة، بما في ذلك حالته الصحية، وقدرته على إدارة شؤون البلاد.
وإذا ما صحت هذه التسريبات، فإنها تشكّل سقوطاً أخلاقياً لمسؤولة سابقة منحها الرئيس ثقته وجعل منها كاتمة أسراره وأسرار الدولة، ومن جهة أخرى فإن تسريبات بمثل هذه الخطورة – إن تأكدت – من شأنها أن تحدث أضراراً معنوية فادحة بالرئيس في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها تونس.
على صعيد آخر، لم يتوقع الرئيس وأنصاره الخطوة الاستباقية التي أقدمت عليها “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة، حين عمد المتحدث باسمها أحمد نجيب الشابي إلى تنظيم مؤتمر صحافي الخميس الماضي، اتهم خلاله أنصار سعيّد بالتخطيط للهجوم على مقرات أحزاب المعارضة وحرقها، وقوله إن رئيس الدولة سيعتمد على أجواء الفوضى لحل هذه الأحزاب واعتقال قادتها أو وضعهم في الإقامة الجبرية.
هذا الهجوم السياسي المباغت أربك الرئيس، ودفعه إلى رد الفعل باتهامه “الجبهة” بالوقوف وراء الحرائق التي شهدتها البلاد أخيراً، فكان ذلك دليلاً على أن المعارضة بدأت تحشر السلطة في زاوية صعبة.
أزمة اقتصادية وتراجع الثقة بالرئيس
أخيراً، زادت الأزمة الاقتصادية استفحالاً بسبب عدم حدوث تغيير في موقف صندوق النقد الدولي من الملف التونسي. فنسق الغلاء لا يزال يسير في خط تصاعدي، إذ بلغت نسبة التضخم 7,5 في المائة.
كذلك تستمرّ الضائقة المالية في العصف بميزانية الدولة، في ظلّ سوء إدارة السلطة للعلاقات الخارجية مع الدول الكبرى المؤثرة في تونس. هذا كله بدأ ينعكس بوضوح على ثقة المواطنين برئيس الدولة.
وعلى الرغم من أن سعيّد لم يتخل نهائياً عن دعم القيادة النقابية المتمثلة بالاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أن هذه القيادة لم تمنحه الثقة كاملة في ما يتعلق بالتوجهات الاقتصادية، وإنما أيضاً تستمر في التأكيد أن الاتحاد “لن يشارك في أي جريمة لقتل الأحزاب”، كما ورد في تدوينة أخيراً للقيادي النقابي البارز سامي الطاهري.
وحتى زميل سعيّد الذي دافع عنه مطولاً بعد انفراده بالسلطة، أصبح لا يتوانى في نقده بطريقة جارحة، إذ قال أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، أخيراً، إن “رئيس الجمهورية يكتب دستوراً جديداً، ولا أحد من أساتذة القانون الذين يحترمون أنفسهم سيشارك في لجنة إعداده”. وأضاف أن سلوك الرئيس “لا يؤسس للديمومة، وهو يريد دستوراً على المقاس سينتهي حتماً بنهاية حكمه”، معتبراً كل ما يحصل “مسألة عبثية”.
* صلاح الدين الجورشي كاتب تونسي ناشط في المجتمع المدني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: