تهويد التراث الفكرى والحضارى للشعوب الأخرى

أحمد عزت سليم10 أبريل 2020آخر تحديث :
تهويد التراث

تهويد التراث الفكرى والحضارى للشعوب الأخرى .. من أكبر الأدلة على تهويد التراث الفكرى والحضارى للشعوب الأخرى السطو على قصة الخلق عند البابليين ووجد الباحث الأمريكى جيم بريتشارد الكثير من التطابق بين قصة الخلق البابلية (إينو إيليش) والقصة التى وردت فى سفر التكوين غير أكثر ما يدهش فى الأمر هو التسلسل المشترك للحوادث بين النصين : نشوء السماء والأجسام السماوية وعزل الماء عن اليابسة ثم خلق الإنسان فى اليوم السادس ومن ثم استراحة الإله فى العهد القديم والوليمة الكبيرة المشتركة لآلهة البابليين فى نص إينو إيليش فى اليوم السابع ويعتبر العلماء منصفين فى اعتقادهم: أن الآية الخامسة من الإصحاح الثالث لسفر التكوين التى تقول “.. وتكونان كالإله عارفين الخير والشر..” وآيات أخرى تحمل بعض معانى الإشراك، وإنما يدل هذا على أن العبرانيين القدماء لم ينتبهوا لهذا الأمر،  مما أدى إلى الحفاظ على آثار المعتقدات الإشراكية القديمة فى نصوص التوراة،  ويذكر فى الآية الرابعة من الإصحاح السادس (التكوين)  “.. إذا دخل بنو الإله على بنات الناس..” فمثل هذا التعريف تماماً مُعطى فى الأسطورة البابلية للآلهة المتمردين وذلك لأنهم كانوا فى الحقيقة أبناء للإلهين إبسو وتيامات (1) والتشابه نلاحظه فى قصة الخلق التى ترويها التوراة عن أصل الخليقة.

وكانت فكرة البعث والنشوء فى ملحمة (جلجماش) الخالدة تأثيراتها الواضحة فى التوراة بالرغم من أن التوراة دونت بعدها بألفى سنة (2) كما أن القصص الفارسية وقصص التلمود الخاصة بالخلق تقول أن الإله خلق فى بادئ الأمر إنساناً مكوناً من ذكر وأنثى متصلين من الخلف كالتوأمين الساميين،  ثم رأى فيما بعد أن يفصل إحداهما عن الآخر(3) التلمود (سنهدرين ص 2 ر 38) : ـــ أخذ الإله تراباً من جميع بقاع الأرض وكونه كتلة وخلقها جسماً ذا وجهين ثم شطره نصفين فصار أحدهما آدم والثانى حواء ”  (4) وهو الأمر الذى أشارت إليه التوراة ،  بل وأضافت أن الإله خلق الإنسان على صورة الإله نفسه ،  ورغم أن كاتب التوراة قد أغفل لون هذا التراب أو الطين فإنه استخدم الوصف الذى ذكرته جميع الحكايات التى هودها وسطا عليها حيث كان الطين أحمر اللون ،  فكانت الكلمات العبرية التى تدل على الرجل فى العموم هى ” آدم ” وعلى الأرض ” أدمه ” من الكلمة التى تطلق على اللون الأحمر وهى ” أدوم ” وبذلك نصل عن طريق التسلسل الطبيعى ،  بل الضرورى ،  للعلل ،  إلى أن الأبوين الأولين قد خلقا من التراب الأحمر ،  فإذا ساورنا شك فى هذا فربما كانت ملاحظة أن تربة فلسطين تميل حتى اليوم إلى الحمرة الداكنة تبدد هذا الشك (5) .

ومن بين قصائد الغناء التى عُثر عليها منقوشة على لوح من الطين، قصيدة سومرية تصف (أرض الخلود) التى لا يوجد فيها مرض أو موت أو حزن.. هذه القصيدة فيها تطابق مذهل مع وصف التوراة لـ”جنة عدن” (6) إلى حد أن الجنة هى نتاج الخيال السومرى: فى الأسطورة عن الإله إينكا، توصف الجنة أيضاً فى شكل بستان ملئ بالأشجار المثمرة يعيش فيه الناس والحيوانات بسلام وتفاهم ولا وجود فيه للشقاء والمرض، كما أن نظرية خطيئة الإنسان الأولى،  خطيئة آدم وحواء موجودة فى الأسطورتين ففى الأسطورة التوراتية أغرت الحية آدم وحواء ليأكلا من ثمرة شجرة معرفة الخير والشر وفى أسطورة ما بين النهرين يأخذ الإله إيا مهمة التغرير على عاتقه فالروايتان تحملان معنى مضمونه أن معرفة الخير والشر، أى الحكمة،  تضع الإنسان على مستوى واحد مع الإله لتساويه وتمنحه الخلود لنتذكر هنا أنه بالإضافة لشجرة معرفة الخير والشر كانت هناك فى الجنة شجرة الحياة أيضاً فالإله طرد آدم وحواء من الجنة ليس فقط لعدم انصياعه لأوامره بل لخوفه من أن يأكلا من شجرة الحياة فيخلدان  ففى الإصحاح الثالث من التكوين حرفياً: وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً للخير والشر والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد كذلك يتضح لدرجة ما من الوضوح منشأ صفة الكتاب المقدس الوسواسة، فالبطل السومرى جلجماش يتجه إلى جزيرة الجنة حيث يعيش محبوب الآلهة أوتنابشتيم كى يأخذ من عنده نبتة الحياة، لكن أحد الآلهة أبى أن يصبح الإنسان خالداً ويتساوى مع الآلهة فتحول إلى هيئة حية ولاقى جلجماش، حين كان هذا يعبر النهر عائداً، وغطس فى الماء، وانتزع من جلجماش النبتة السحرية (7) .

ويرى جوردون أن أول عهد بأسطورة التنين كان على ختم أسطوانى من بلاد النهرين، يرجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهو الختم الذى يصور أبطالاً يقضون على وحش ذى سبعة رؤوس . ويضيف جوردون أن المعركة بين الرب والتنين،  و هى ما أطلق عليه ( معركة الازدواج ) كانت معروفة بل وراسخة الدعائم فى كنعان منذ عصور ما قبل العبرانيين،  حيث هضمها العبرانيون – على حد قوله –  مع اللغة والمؤثرات الكنعانية منذ تاريخ العبرانيين المبكر فى أرض كنعان … وقد وردت أسطورة التنين فى العهد القديم مبعثرة فى مستواها الأول، أى فى العالم الإلهى، حيث دار الصراع بين يهوه (الرب) والتنين وهو الصراع الذى ارتبط بالخليقة بشكل مباشر فى أغلب الأحيان (8) ويذكر كاستر أن اللفظ العبرى لوثان تعادل اللفظ الكنعانى والذى يعنى الذى يرى (9).

المراجع:

1) الأسطورة والحقيقة فى التوراة  ص12

2) أثر الكتابات البابلية فى المدونات التوراتية ص9

3) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل ص140

4) أثر الكتابات البابلية فى المدونات التوراتية ص29

5) الفلكلور فى العهد القديم ص102

6) أثر الكتابات البابلية فى المدونات التوراتية ص10

7) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص14

8) الأسطورة فجر الإبداع الإنسانى ص186

9) نفسه ص 294

موضوعات تهمك:

السرقة الصهيونية لتاريخ الشعوب

تداخل المصادر الصهيونية الكاذبة لامتلاك أرض فلسطين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة