أشار مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى إلى أن إيران استأنفت تزويد الجيش السوري بمعدات عسكرية عبر الأجواء العراقية، في محاولة جديدة لتعزيز وضع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
ومن جهتها، ضغطت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على العراق لإغلاق الممر الجوي الذي كانت إيران تستخدمه مطلع العام الحالي، وناقشت الموضوع مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. على الرغم من ذلك، ضاعفت إيران من دعمها للرئيس السوري بعد التقدم الملحوظ الذي حققه الثوار السوريون على الأرض، والضربة الموجعة التي تلقتها حكومة الأسد عقب التفجير الذي أدى إلى مقتل عدد كبير من المسؤولين السوريين البارزين.
وقد تم استئناف الرحلات التي تنقل التجهيزات العسكرية من إيران إلى الجيش السوري في شهر يوليو (تموز) الماضي، ولم تتوقف منذ ذلك الحين، وهو ما يشكل مصدر إزعاج كبير للمسؤولين الأميركيين. وقال خبراء عسكريون إن هذه الرحلات الجوية مكنت إيران من تقديم إمدادات للحكومة السورية؛ على الرغم من الجهود التي يبذلها الثوار للسيطرة على عدد من المعابر الحدودية التي تمر منها الإمدادات الإيرانية.
وقال هشام جابر، وهو لواء متقاعد في الجيش اللبناني ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في بيروت: «لا يواجه الإيرانيون مشكلة في الجو، ولا يزال النظام السوري يسيطر على المطارات».
وناقش جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي الذي لعب دورا في السياسة العراقية لإدارة أوباما، الأزمة السورية في محادثة هاتفية مع المالكي في 17 أغسطس (آب) الماضي، لكن البيت الأبيض رفض نشر تفاصيل المكالمة، غير أن مسؤولا أميركيا قال في حديث غير مسجل إن بايدن أبدى قلقه تجاه هذه الرحلات.
وتمثل الرحلات الإيرانية أسئلة بحث بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أبدت إدارة أوباما ترددها في تقديم السلاح إلى الثوار السوريين أو إنشاء منطقة حظر للطيران على سوريا؛ خشية التورط في النزاع السوري، لكن الدعم الذي تقدمه إيران يؤكد على حقيقة أن إيران لا تملك مثل هذا التردد في تقديم الدعم العسكري والمستشارين لإبقاء الأسد في السلطة.
تهاون المالكي في استخدام إيران للمجال الجوي العراقي يشير إلى ضعف تأثير إدارة أوباما على الحكومة العراقية، على الرغم من الدور الأميركي في إسقاط صدام وتقديم الدعم للحكومة الجديدة. ويبدو النفوذ الأميركي محدودا أيضا على الرغم من تأكيداتها أنها تبني شراكة استراتيجية مع العراقيين.
وكان المالكي قد سعى للحفاظ على العلاقات مع إيران، على الرغم من قيادة الولايات المتحدة جهودا دولية لفرض عقوبات على حكومة طهران. في الوقت ذاته يرى رئيس الوزراء العراقي أن سقوط الأسد تطور يمكن أن يقوي شوكة خصومه السنة والأكراد في المنطقة. وعدد من الدول التي ترغب في رحيل الأسد مثل السعودية وقطر وتركيا تربطها علاقات سيئة بالمالكي والحكومة التي يسيطر عليها الشيعة.
يمكن للعراق اتخاذ عدة خطوات لوقف الرحلات الجوية، بما في ذلك الإصرار على أن تخضع طائرات الشحن الإيرانية التي تمر بأراضيه إلى سوريا للتفتيش في بغداد، أو أن تعلن صراحة أن المجال الجوي العراقي لا يمكن استخدامه لمثل هذا النوع من الرحلات.
لا يملك العراق قوة جوية فاعلة، ومنذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم تملك الولايات المتحدة طائرات متمركزة في العراق. وبحسب مسؤولين أميركيين، فقد شارك عدد من شركات الطيران في نقل الأسلحة، من بينها شركة «ماهان إير»، الخطوط الجوية التجارية التي قالت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي إنها نقلت الأفراد والإمدادات والمال لفيلق القدس شبه العسكري وحزب الله. ويشير أحد المسؤولين الأميركيين السابقين إلى أنه لم تتضح بشكل كامل نوعية الشحنات التي ترسل إلى سوريا قبل توقف الشحنات في مارس (آذار)، لكن نوعية الطائرات المشاركة في هذه الرحلات، وطبيعة الشركات الناقلة والتردد الإيراني في تفتيش الطائرات في العراق، أظهرت أنها معدات عسكرية قتالية.
في ذلك الوقت تم تعليق الرحلات، وكان العراق يستعد لاستضافة اجتماع القمة العربية التي حضر خلالها إلى بغداد الكثير من القادة المعارضين للأسد، وفي أعقاب الاجتماع اتصل الرئيس أوباما في الثالث من أبريل (نيسان) وأعاد التأكيد على ضرورة عدم استمرار الرحلات مرة أخرى.
وتمتلك إيران مصالح كبيرة في سوريا، فهي حليف إيران العربي القوي، وتطل على البحر الأبيض المتوسط وجارة للبنان ومعبر للدعم الإيراني إلى حزب الله.
وكجزء من المساعدات الإيرانية لحكومة الأسد قدمت للسلطات السورية التدريب وتكنولوجيا اعتراض الاتصالات الهاتفية ومراقبة الإنترنت، بحسب مسؤولين أميركيين أشاروا أيضا إلى أن قوات من فيلق القدس شاركت في تدريب الميليشيات الشيعية التي تعتمد الحكومة عليها بشكل كبير إلى جانب القوات السورية التي تحمي القواعد الجوية، حتى إن الإيرانيين قدموا طائرات شحن يمكن للقوات العسكرية السورية استخدامها في نقل الجنود والإمدادات في أنحاء البلاد، بحسب مسؤولين أميركيين.
وفي تطور جديد، أوضح مسؤول أميركي وجود تقارير موثقة تفيد بأن مقاتلين شيعة من العراق، ممن تلقوا دعما من إيران خلال مساعيها لصياغة الأحداث في العراق، يتوجهون إلى سوريا لمساعدة حكومة الأسد.
وعلى الرغم من عدم مناقشتهم على وجه الخصوص المساعدات التي تنقلها جوا إلى سوريا، قال المسؤولون الأميركيون إنهم تحدثوا بشكل علني عن التورط الإيراني في سوريا. وقال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الشهر الماضي: «إيران تلعب دورا أكبر في سوريا من عدة نواحي، وهناك مؤشرات الآن على أنهم يحاولون نقل أو تدريب رجال ميليشيات داخل سوريا للقتال إلى جانب النظام».
كما صرح ديفيد كوهين، المسؤول البارز في وزارة الخزانة المختص بشؤون مكافحة الإرهاب، الشهر الماضي، بأن حزب الله كان يدرب موظفين حكوميين سوريين، وساعد في تدريب قوة القدس للقوات السورية.
وأصر بانيتا في تصريحاته الشهر الماضي على أن الجهود الإيرانية «ستعزز نظاما نعتقد أنه سيسقط في النهاية»، لكن بعض الخبراء الإيرانيين يعتقدون أن القيادة الإيرانية لا يتوقع أن توقف تدخلها في سوريا حتى إن سقط الأسد، معتقدة أن سوريا المضطربة أفضل من حكومة جديدة قد تكون منحازة للغرب.
ويقول محسن سازكارا، الناشط الإيراني المؤيد للديمقراطية الذي يعيش في الولايات المتحدة والذي كان أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني: «الخطة A هي الحفاظ على الرئيس الأسد في السلطة، أما الخطة B فهي أنهم إن لم يتمكنوا من الإبقاء عليه في السلطة فسيحاولون صنع عراق أو أفغانستان أخرى (حرب أهلية) ثم يمكنك إنشاء حزب الله آخر».
ونتيجة الصخب الدائر حول هذه القضية تحاول وزارتا الدفاع والخارجية الأميركيتين عن الدور الإيراني، تجنب مناقشة الرحلات الإيرانية علانية أو الأسئلة الحساسة المتعلقة بالعلاقات الأميركية مع حكومة نوري المالكي. فعندما سئلت وزارة الخارجية عن الرحلات الإيرانية فوق الأجواء العراقية والجهود الأميركية في بغداد لحث الحكومة العراقية على وقفها، التزمت الخارجية الصمت حيال ذلك.