تفاعل ثقافي أم تبعية ثقافية
- ليس مطلوبا الركون إلى تبعية ثقافية تفرضها العولمة لصالح الأقوى ثقافيا.
- مطلوب استنهاض الثقافات المحلية لتكون نداً للثقافات الأخرى، فلا تكتفي بالانجرار الأعمى وراءها.
- ينبغي أن نكون في وضع القادر على غربلة الآتي وحمل ثقافتنا إلى الآخر، كي تكون مؤثرة، لا مجرد تابع ذليل له.
* * *
بقلم | حسن مدن
يحتدم النقاش حول العلاقة بين العولمة الثقافية والثقافات المحلية، متمحوراً حول وجهتي نظر، كلتاهما لا تخلو من غلو.
الأولى يقول أصحابها: لماذا كل هذا التطيّر بالعولمة، والعولمة الثقافية بخاصة؟
ألم يصبح العالم قرية صغيرة، بفضل وسائل الإعلام وثورة التقنيات والتطور المذهل في الاتصالات التي اختزلت المسافات بين القارات، على ما بينها من بُعد، في ساعات محدودات، بينما كان يلزم الأجيال الأقدم أياماً لقطع المسافة بين بلد وآخر مجاور له؟
يسأل هؤلاء أيضاً: أليس الكثير من أوجه العولمة، والعولمة الثقافية خاصة، تعيش معنا داخل بيوتنا، في الأفلام التي نشاهدها أو يشاهدها أبناؤنا وبناتنا، أو في الأغاني الأجنبية التي يسمعونها، ويطربون لها أكثر مما تفعله فيهم أغانينا العربية؟
أليست العولمة حاضرة في اهتمام أجيالنا الجديدة باللغات الأجنبية، الإنجليزية بخاصة، حتى أوشكت هذه الأجيال أن تنسى لغتنا الأم؟
يستمر هؤلاء في السجال نفسه: أليست العولمة أفضل لنا من الانغلاق على الذات، والبقاء أسرى للأفكار المتزمتة التي تبقينا في دائرة التخلف، فيما العالم ذاهب إلى المستقبل بما يشبه سرعة الضوء؟
أما أصحاب وجهة النظر الأخرى، فيحصرون سجالهم في نقطة أساس هي: ألا ترون أن ثقافتنا القومية وعاداتنا وتقاليدنا وحتى معتقداتنا الدينية في خطر جراء طوفان العولمة الذي يجتاحنا، ولسنا قليلي الحيلة إزاء هذا الطوفان.
ألسنا نملك من المصدّات ما يحمي عقولنا وعقول أبنائنا من آثاره التي هي، في تقديرهم، مدمرة في كل الأحوال، وأن لا خير منها يرتجى؟
والحل برأي هؤلاء يكمن في الحفاظ على الذات القومية أو المحلية في مأمن من شرور العولمة ما أمكن ذلك، وبرأيهم أن ذلك ممكن لو أننا زدنا الوعظ بمخاطر الآتي إلينا من وراء الحدود، لتحصين الأنفس والعقول مما يحمله من تخريب ثقافي وفكري.
المغْفَـل في هذا السجال، أو فلنقل ما لم يحظَ بما له من أهمية، هو التفريق بين أمرين: المثاقفة والتبعية الثقافية.
ليس كل ما تأتي به العولمة رديئاً ومخرباً. في ما يقوله أصحاب الرأي الأول الكثير من الوجاهة، ولكن المطلوب ليس الركون إلى التبعية الثقافية التي تفرضها العولمة لمن هو أقوى ثقافياً، وإنما العمل على استنهاض الثقافات المحلية لتكون نداً للثقافات الأخرى، فلا تكتفي بالانجرار الأعمى وراءها، وإنما نكون في وضع القادر على غربلة الآتي منها، وفي الوقت ذاته حمل ثقافتنا إلى الآخر، كي تكون مؤثرة، لا مجرد تابع ذليل له.
* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر | الخليج – الشارقة
موضوعات تهمك:
الثقافة العربية في طريق الموت والهاوية
بؤس التراثيين العرب أحمد برقاوي موقفه من طيب تيزيني وغيره من المتفلسفين
عذراً التعليقات مغلقة