بقلم: طارق الحميد
يتردد الحديث كثيرا هذه الأيام عن ضرورة تطمين الأقليات السورية لتتخلى عن نظام بشار الأسد، والحقيقة أنه من الصعب القول بأن الأقليات كلها مع الأسد، بقدر ما أنها مترددة باتخاذ موقف حاسم. فبكل تأكيد، أن تلك الأقليات -وتحديداً العلوية والمسيحية- ترى أن مركب الأسد يغرق لا محالة.
أفضل عملية تطمين لتلك الأقليات هي المشاركة في رسم مستقبل «سوريا ما بعد الأسد» بنفسها، وذلك من خلال إعلان الأقليات موقفا واضحا. فعلى تلك الأقليات أن تقول كلمتها الآن، من أجل الحفاظ على سوريا ككل، وضمان مستقبلها هناك. فالأسد ساقط لا محالة، وكل المؤشرات تؤكد ذلك، حتى إن وثائق «ويكيليكس» الأخيرة تثبت أن طهران نفسها باتت تحاول تدبر أمرها من أجل مرحلة «سوريا ما بعد الأسد». أمام الأقليات السورية – وتحديدا العلويين والمسيحيين – تجربة حديثة تدل على خطورة قراءة المشهد السياسي بالأماني، أو إنكار الوقائع، وهي التجربة السنية في «عراق ما بعد صدام حسين»، حيث قرر السنة هناك – خطأ – مقاطعة العملية السياسية في أولى لحظاتها، وها هم يدفعون الثمن إلى الآن.
لذا، فإن بإمكان الأقليات السورية، أن يكونوا غير ومختلفين عن سنة العراق، وذلك من خلال المشاركة الآن، وليس بالضرورة علنا، فبعض كبار ضباط معمر القذافي أسهموا في إسقاطه من دون أن يعلنوا ذلك، وبالتنسيق مع الثوار الليبيين، والطرق بالطبع كثيرة، المهم أن تضمن الأقليات مستقبلها بنفسها. وبالطبع، من واجب كل السوريين ضمان وحدة سوريا، واندماج نسيجها الاجتماعي، لتكون سوريا دولة قانون، لا دولة أكثرية وأقلية، فالأحقاد لا تعمر الأوطان.
ومن هنا، فإن أفضل من يضمن مستقبل أقليات سوريا، الأقليات نفسها، ومن خلال مشاركتها في هذه الثورة الحقيقية، التي قُدم فيها من التضحيات الكثير، فما يحدث في سوريا اليوم هو أن الأقلية تفتك بالأكثرية. وهناك من يحتج على هذا المنطق، لكنه يتناسى أن أكثر من يكرس لهذا المنطق هم المدافعون عن الأقليات، وعلى طريقة «كلمة حق يراد بها باطل». فكيف تتم المطالبة بضرورة تطمين الأقلية بينما تذبح الأكثرية؟ منطق لا يستقيم.
ولذا؛ فمن المهم أن تقوم الأقليات بتطمين نفسها من خلال وضع قدم لها في مشروع سوريا ما بعد الأسد، لا من خلال التمسك بالطاغية. وبالطبع من الصعب القول إن أقليات سوريا مع الطاغية، وإنما الإشكالية هي في القراءة الخاطئة للمشهد السياسي من بعض الأقليات السورية، أو إنكار الواقع، لكن بكل تأكيد هناك مؤشرات تقول إن بعض الأقليات السورية تشارك هي أيضا في الثورة، فقبل أمس كان هناك خبر مهم عن تشكيل أول سرية علوية بـ«الجيش الحر».
مختصر الحديث أن أفضل من يطمئن أقليات سوريا الأقليات نفسها حين تقول كلمتها الحاسمة، وتسهم في رسم مستقبل «سوريا ما بعد الأسد»، أما التردد، والقول بأن هذه ثورة سنية، فهو ليس في مصلحة سوريا، وأهلها، والمنطقة ككل، فيجب أن ينال الطاغية جزاءه، وتطوي هذه المنطقة صفحة رديئة من صفحاتها.