ردا على تصريحات وزير الخارجية البحرينى
حقيقة أكاذيب ومزاعم الوجود التاريخى للدولى الصهيونية
رغم وجود أكثر من 300 موقع تقوم فيها البعثات الأثرية بأعمال الحفر، في إسرائيل والضفة والقطاع، لم يتمكن الأثريون من العثور على أى دليل أثرى يؤكد أوحتى يشير إلى مملكة داود وسليمان في فلسطين، كما لم ترد أية إشارة لهؤلاء الملوك في المصادر التاريخية وأكد ذلك كله كذب المزاعم التوراتية بوجود مملكة إسرائيلية متحدة أيام شاؤول وداود وسليمان، وأنها روايات أسطورية لا تعبر عن الأحداث التاريخية الحقيقية.
وتبين الآن أن قصص التوراة تضمنت أحداثا تاريخية لشعوب وممالك أخرى في الشرق الأوسط، تم اقتباسها لتكون جزءا من تاريخ مملكة بني إسرائيل، فقد استعار كتبة قصة داود الرواية المتعلقة بتكوين تحتمس الثالث للإمبراطورية المصرية بين النيل والفرات قبل عصر داود بخمسة قرون ـ ونسبوها إلى ملكهم وكما يؤكد ويبين باحث المصريات الكبير العالم أحمد عثمان: لا تزال تفاصيل المعارك التي استعارها الكهنة لقصة داود بني إسرائيل ، مسجلة حتى أيامنا هذه على جدران معبد الكرنك وفي سجلات حروب تحتمس الثالث. ونحن نجد هنا صدى لأهم معركة خاضها تحتمس الثالث ـ عام 1468ق . م ـ عندما تجمع 350 ملكاً بجيوشهم لمحاربته، عند حصن “مجيدو” بوسط كنعان، وصار اسم هذه المدينة في اللغة ، منذ ذلك الوقت هو “المجد”، تعبيرا عما حققه الملك المصري في هذه المعركة من أعلى درجات الانتصار.
ولا عجب في هذه الحالة لو وجدنا أن هذه المعركة نفسها، هي التي اختار كتبة سفر صموئيل الثاني اقتباسها لصالح داود بني إسرائيل . كان ملك “قادش” التي كانت تقع في منتصف الطريق بين دمشق وحمص في شمال سورية، تزعم تحالفا من ملوك سورية وكنعان في حركة تمرد على السلطة المصرية . وخرج تحتمس الثالث بجيشه من مدينة “زارو” الحربية عند القنطرة شرق وسار في “طريق حورس” بشمال سيناء متجهاً إلى كنعان . ووصل الملك إلى مدينة غزة بعد عشرة أيام، وهناك احتفل بعيد جلوسه الثالث والعشرين. وكانت المعلومات التي وصلت إلى القيادة المصرية تفيد بأن ملك قادش جمع عدداً كبيراً من ملوك سورية وكنعان، عند مدينة “مجيدو” بوسط كنعان وهي أكبر مدينة محصنة في البلاد.
سار تحتمس بجيشه في “طريق البحر” حتى وصل عند سلسلة جبلية وعرة، كان لا بد من عبورها للوصول إلى مجيدو التي تقع عند الجانب الآخر للجبال ، وكانت هناك ثلاث طرق تؤدي إلى المدينة، واحدة تقود إلى شمال غربي مجيدو والثانية إلى جنوبها الشرقي ، أما الثالثة والتي تقود مباشرة إلى جنوب المدينة فكانت ضيقة ووعرة . فاختار الملك أصعب الطرق الذي يمر وسط الجبال، وفوجئ خصومه عندما ظهر الملك أمامهم على رأس جيشه ، فأسرعوا بدخول المدينة والاحتماء بها.
وبعد حصار دام حوالي ستة أشهر، سقطت مجيدو أمام تحتمس، إلا أن زعيم التمرد ملك قادش تمكن من الهرب. فسار تحتمس إلى قادش في شمال سورية، التي استولى عليها قبل أن يعبر نهر الفرات ليقيم لوحته في جنوب بلاد الاناضول وكما هو واضح، فإن هذه الأحداث ليست لها علاقة بقصة داود بني إسرائيل ، وإنما تتفق مع أخبار حروب تحتمس الثالث كما وردت في المصادر التاريخية المصرية. هكذا تم السطو على التاريخ الإنسانى وتزييفه وانتقل فى العصر الحالى إلى “الدولة الصهيونية” لتسعى جاهدة فى سرقة الآثار من التوابيت والأحجار والتماثيل ونقلها إلى متاحفهم لتكون ذريعة لتأكيد للعودة وإقامة الإمبراطورية اليهودية بإعادة مملكة داود وسليمان المزعومة المتمثلة فى “الدولة الصهيونية”، وانطلاقا من لاهوت حتمية تكرار العصر الذهبى، ففى إعلان قيام “دولة إسرائيل” عام 1948 نص على “إعادة إنشاء الدولة اليهودية” Re–establishment of The Jewish State انطلاقاً من هذه المزاعم العنصرية التى تدعى أن إعادة إنشاء الدولة ما هو إلا “إعادة بناء لمملكة داود” والتى يُدعى أنها كانت العصرالذهبى للتاريخ الإسرائيلى الذى تحقق فيه ” أعلى درجات التطور السياسى ويميز إسرائيل عن غيرها باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة لا تخضع للسيطرة الاستعمارية (1) وكما يرى أولبرايت أن إسرائيل هذه هى مرأة عاكسة لإسرائيل المعاصرة ( 2) أو على حد تعبير جورج إنست رايت ” إنها كيان فريد مفصول بشكل حاد عن محيطة الوثنى إلى درجة أنه لا يمكن فهم هذا الكيان بشكل كامل فى السياق التطورى أو البيئى.. وأنها تحول فجائى بفعل إلهى وليس نتيجة حادثة عرضية فى التاريخ” ( 3 ) وذلك بناء على -وطبقاً لرأى رايت- أن الحضارة والديانة الكنعانيين كانتا أضعف و أحط وأكثر الثقافات اللاأخلاقية التى عرفها العالم المتحضر آنذاك وهكذا فإنه يعتقد: أن إسرائيل كانت الواسطة الإلهية فى تدمير حضارة فاسقة إذا أنه ضمن النظام اللاأخلاقى للحضارات السماوية يجب تدمير مثل هذا الفجور الفظيع، ومن ناحية أخرى فإن هناك غاية إلهية من وراء اختيار إسرائيل للقيام بهذه المهمة وبإعطائها تلك الأرض، وهذه الغاية موضحة فى الوعود الإلهية لآباء إسرائيل كما فى سفر التكوين ، (4 ) وهكذا ــ على حد رأيه ــ فإن احتلال فلسطين لا يشكل معضلة لأن هذا فى واقع الأمر هو جزء من الخطة الإلهية (5) ويتفق غونفالد مع مندنهول على ” أن عقيدة يهوه إله إسرائيل هى التى جعلت من إسرائيل حالة فريدة (6 ).
تصير هذه الإقامة الإلهية فى سياق الزمن والتاريخ مبرراً لوجود “إسرائيل” فما هى إلا إعادة بناء للدولة اليهودية وأن هذا السياق التاريخى أو السرد التاريخى كما يقول هومى بابا مرتبطاً بشكل وثيق بحقائق الحاضر ويؤدى إلى استبعاد تمثيلات أخرى محتملة للماضى أو أى تصرف مختلف له (7 ) وهكذا تصبح هذه الدولة هى فرضاً على تاريخ المنطقة لا يتفسر وجود المنطقة إلا بوجود هذه الدولة، وكما أن هذه الدولة بهذا الزعم إمبراطورية” إذ كان داود سيدا على إمبراطورية مترامية الأطراف، وهنا يتكلم برايت عن “إمبراطورية” تضم عمون، وسوريا فى الشمال وأدوم ومؤاب فى الشرق، حتى أن برايت يستنتج أن فتوحات داود حولت “إسرائيل بشكل مفاجئ تماماً إلى أكبر قوة فى فلسطين وسوريا، بل فى الواقع، ربما كانت إسرائيل فى تلك اللحظة لا تقل جبروتاً عن أى قوة عظمى فى عالمها” (8 ) ويزعم نوث ـ مضيفاً إلى ذلك ـ أصبحت المملكة برمتها بنية سياسية شديدة التعقيد وكبرت إلى أبعد كثيراً من حدود الدولة الإسرائيلة البحتة لقد أصبحت إمبراطورية فلسطينية ـ سورية، اتحدت بشخص الملك وضمت شعوباً عديدة مختلفة، إن نظام داود السياسى كان أول قوة عظمى مستقلة فى الأراضى الفلسطينية كما نعرفها ، وقد ضمت بشكل مباشر أو غير مباشر معظم فلسطين وسوريا: وكانت ظاهرة هائلة من وجهة نظر التاريخ العالمى ، وفى الواقع كانت إنجاز شخص واحد ذكى وناجح بشكل غير عادى ، كان الوضع التاريخى العام فى الشرق فى مصر ومابين النهرين فى مصلحة داود، إذ لم يكن هناك أية قوة أخرى أكبر منهما تستطيع أن تعتدى على فلسطين وتفرض هيمنتها عليها.” (9) وكما يرى أيضاً إنها تعتبر عنصراً أساسياً فى النظام الإلهى السرمدى، والمملكات الفعلية فى يهوذا وإسرائيل كانت جزءاً من ــ هذا ــ النظام العالمى والسرمدى الثابت (10).
المراجع:
1 ـ اختلاق إسرائيل القديمة ـ إسكات التاريخ الفلسطينى، كيت ويتلام، ترجمة سحر الهنيدى مراجعة د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة 249، الكويت 1999، ص 177
2 ـ نفس المصدر ص136
3 ـ نفس المصدر ص136
4 ـ نفس المصدر ص139
5 ـ نفس المصدر ص143
6 ـ نفس المصدر ص164
7 ـ نفس المصدر ص179
8 ـ نفس المصدر ص182
9 ـ نفس المصدر ص195
10 ـ نفس المصدر ص197
موضوعات تهمك:
أين أنتم يا رؤساء ويا ملوك العرب من كلمة نيتانياهو؟!
التصرفات الإجرامية .. مذبحة غزة نموذجا
عذراً التعليقات مغلقة