نشرت مجلة ذا نيو ستيتسمان، مقابلة أجراها كبير محرري المجلة البريطانية جورج إيتون مع نعوم تشومسكي المؤرخ والفيلسوف الأمريكي واستاذ اللغويات، والتي كشف فيها عن آراء حول منعطف خطير تمر به البشرية في الوقت الراهن، مع محفظات الأمل في المستقبل.
تشومسكي يحذر من أخطر مراحل التاريخ
تشومسكي في مستهل حديثه روى أنه كان في العاشرة من عمره عندما تصدى أول مرة لمخاطر العدوان الأجنبي، وتذكر ذلك عندما تحدث مؤحرًا في مكالمة عبر الفيديو قائلًا: “أول مقال كتبته كان لصحيفة مدرستي الإبتدائية عندما سقطت برشلونة عام 1939”.
وأضاف أن مقاله هذا كان يتحدث عن تقدم السحابة الفاشية القاتمة على مستوى العام، ثم بشكل ساخر تابع: “لم يتغير رأيي من وقتها فقط ازداد الأمر قتامة وأن سبب أزمة المناخ خطير مثل خطر الحرب النووية، وهي أخطر مراحل تاريخ البشرية، حيث نواجه احتمال تدمير الحياة البشرية المنظمة على وجه الأرض”.
رأي تشومسكي في الحرب
نعوم تشومسكي الفيلسوف الأمريكي علق على الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا قائلًا: “لماذا فعل بوتين هذا؟ هناك طريقان للإجابة الأول هي الطريقة العصرية في الغرب والتي تندرج ضمن سبر أعماق عقل بوتين الملتوي ومحاولة تحديد ما يتحدث به مع نفسه، أما الطريقة الثانية هي النظر للحقائق، حيث أصدرت الولايات المتحدة 2021 بيانًا سياسيًا قويًا يدعو لتعزيز التعاون العسكري المتقدمة وكل هذا كان جزء من البرنامج الخاص بتعزيز انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي ويمكن أن تختار أي من الطريقتين إذا نعرف حقًا أيهما الخيار الصائب وما نعرفه هو أن أوكرانيا ستتعرض لمزيد من الدمار وبما يتم الانتقال لحرب نووية نهائية إذا لم نقتنص الفرص الموجودة حاليًا للتوصل إلى تسوية تفاوضية”.
ويتابع الفيلسوف الأمريكي على الخيار الذي طرحه قائلًا: “هل خوف بوتين الأكبر ليس تطويق حلف الناتو لبلاده وإنما انتشار الديمقراطية الليبرالية في أوكرانيا والخارج القريب من روسيا؟”.
يجب عن سؤاله الذي طرحه: “بوتين مهتم بالديمقراطية مثل الغرب إذا كان بإمكانه الخروج من فقاعة الدعاية لدقائق وللولايات المتحدة تاريخ كبير في تقويض الديمقراطية وتدميرها، فهل هناك حاجة لذلك الوقائع؟ إيران 1953، جواتيمالا 1954، تشيلي 1973، وغيرها، والآن المفترض بنا أن نحترم التزام واشنطن الهائل بالسيادة والديمقراطية ونعجب به وما حدث في التاريخ لا يهم لذلك حدث لأشخاص آخرين”.
وعن توسع الناتو قال أن هناك “تعهد لا لبس فيه أطلقه وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر والرئيس الأمريكي جورج بوش الأب لميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي أنه في حال وافق على انضمام ألمانيا الموحدة لحلف الناتو فإن الولايات المتحدة ستضمن له أن لن يكون هناك تحرك قيد أنملة واحدة باتجاه الشرق وهناك قدر كبير من الحديث حول هذا الأمر يتم الآن”.
وواصل حديثه: “إذا طبقت القوانين نورميرج عام 1990 وهي سلسلة من القوانين العنصرية صدرت عام 1935 وكانت من معالم السياسة التشريعية المناهضة لليهود في ألمانيا فإن كل رئيس أمريكي شغل المنصب بعد الحرب كان من المفترض أن يعدم وتحدث بازدراء عن جو بايدن”، مشيرًا إلى تصريح الرئيس الأمريكي الحالي الذي قال فيه أن الرئيس الروسي لا يمكن أن يظل في السلطة، وقال تشومسكي: “هناك حاجة بالفعل لغضب أخلاقي حول تصرفات بوتين تجاه أوكرانيا، لكن ذلك سيكون أكثر تقدمية في حال طال الغضب الفظائع الأخرى، ففي أفغانستان يواجه الملايين مجاعة وشيكة حرفيًا، لماذا على الرغم من وجود طعام في الأسواق؟”.
ويجيب على السؤال: “صحيح هناك طعام في الأسواق لكن الأشخاص يملكون قليلًا من المال وعلى إثره عليهم مشاهدة أطفالهم يتضورون جوعًا لأنه لا يمكنهم الذهاب للأسواق وشراء الطعام، لماذا؟ لأن الولايات المتحدة وبدعم بريطاني تحفظت على أموال أفغانستان في بنوك نيويورك ولم تفرج عنها”.
تشومسكي: ترامب يشبه هتلر وبريطانيا في خطر
وأكد تشومسكي أنه متقدم في العمر بما يكفي ليتذكر أوائل الثلاثينيات وهناك ذكريات تمر في عقله، ويستطيع التذكر الاستكاع لخطب هتلر عبر الراديو ولم يفهم كلماته وقتها حيث كان في السادسة من عمره، لكنه أدرك المزاج العام وكان الأمر مخيفًا ومرعبًا وعندما ترى أحد اجتماعات ترامب يصعب ألا تكون تلك الذكرى في المخيلة هذا يواجهه العالم اليوم.
الفيلسوف الأمريكي المخضرم وعلى الرغم من اشتراكيته، فإنه كشف للمحرر أنه صوّت سابقًا للجمهوريين، سواء أحبهم أم لا لكنه انتخبهم لأنهم كانوا حزب حقيقي، لكن الآن أصبحوا تمردًا خطيرًا حقًا وبسبب رجعية ترامب فإن القاعدة الدينية للحزب الجمهوري بالكاد تعد التغير المناخي مشكلة حقيقية وهذه مذكرة تنبيه بالموت لكافة الأنواع.
وفي مواجهة تلك التحديات الوجودية فليس مستغربًا أن يظل تشومسكي مثقفًا منشقًا على غرار أحد أبطاله برتراند راسل، الذي عاش حتى عمر 97 وعمل كفيلسوف وسياسي.
ولكنه لا يزال يقض عدد ساعات يقرأ الرسائل التي تصله من المعجبين والناقدين له على حد السواء ويدرّس اللغويات في جامعة آريزونا التي يعيش فيها مع زوجته الثانية فاليريا واسرمان المترجمة البرازيلية، ولا يزال منشغلًا بالسياسات البريطانية، وقد علق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قائلًا: “كان خروجًا خاطئًا بشكل كبير، وهي يعني أن بريطانيا مضطرة للانجراف أكثر نحو الخضوع للولايات المتحدة، وهي كارثة وتعني أن لحزب المحافظين هذا يعني أنهم يستطيعون التنصل من خلال الكذب لأنهم بارعون في الكذب في كثير من الأمور ويفلتون من العقاب”.
وعن كير ستارمر زعيم حزب العمال البريطاني قال تشومسيك هازءًا منه، أنه يعيد حزب العمال ليصبح خاضعًا للسلطة خضوعًا كبيرًا، وسيكون هذا خوضع للتاتشرية في إشارة لرئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر من 1979 إلى 1990، وزعيمة حزب المحافظين من 1975 إلى 1990، على طريقة توني بلير الذي كان رئيس وزراء المملكة المتحدة بين 1997 إلى 2007، لثلاث فترات متتالية كما رأس حزب العمال منذ عام 1994 حتى 2007، ولن يزعج ذلك الولايات المتحدة أو أي شخص مهم في بريطانيا.
وكان الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامشي قد نصح الراديكياليين بالحفاظ على تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة، ويقول المحرر أنه سأل تشومسكي في ختام الحديث عن الذي يمنحنا الأمل؟
يجيب تشومسكي قائلًا: “الكثير من الشباب وحركة التمرد ضد الانقراض في بريطانيا ومحاولات الشبان الصغار لمحاولة وضع نهاية للكارثة والعصيان المدني، هذه ليست مزحة لقد كنت منخرطًا في ذلك طوال حياتي ولكني كبير في السن لأفعل الآن ذلك، وليس من اللطيف أن يلقي المجتجون في السجن ويضربون ولكنهم على استعداد لفعل ذلك.
يذكر أن تشومسكي ألقي في السجن عام 1967 بسبب مشاركته في احتجاجات ضد حرب فيتنام.
واختتم حديثه قائلًا: “هناك الكثير من الشباب مرعوبون من الجيل الأكبر سنًا وهم محقّون في ذلك ومنقطعون لإيقاف هذا الجنون قبل أن يبتلع الجميع، حسنًا هذا هو الأمل في المستقبل”.
موضوعات تهمك:
تشومسكي: التدّخل الإسرائيليّ الوقح والعلنيّ بانتخاباتنا تجاوز الحدود