بقلم: عبد الرحمن الراشد
قبل تفجير مبنى الأمن القومي الذي قتل فيه عدد من أبرز قيادات النظام السوري، الأمنية والعسكرية، وصلت رسالة روسية تؤكد القبول بما يسمى “الحل اليمني”، أي تنحي بشار الأسد عن الرئاسة وإعلان حكومة توافقية. لكن الموافقة الروسية وردت مع ملاحظة تقول إنه حل شكلي، لإرضاء المعارضة، ويبقى نظام الأسد في مواقع الحكم الرئيسية. الطرف العربي الوسيط رفض الاقتراح.
ثم وقعت صدمة تفجير مبنى الأمن القومي، ووصل الثوار إلى دمشق، واستولوا سريعا، وبشكل مدهش، على المنافذ الحدودية، فجأة تردد أن النظام وحلفاءه صاروا قابلين بالحل اليمني، لكن لا نعرف جديتهم هذه المرة. ربما أصبح مستعدا لحزم حقائبه والرحيل ما لم تغرّه، ما قد يعتبرها، نجاحاته في إيقاف زحف الثوار في مناطق المواجهات، بما فيها دمشق.
إن كان مستعدا للتنحي، فهل يستحق الأمر التفاوض عليه أم أن العرض انتهت صلاحيته، وبالتالي ننتظر استيلاء المقاتلين على القصر كما حدث في ليبيا؟
من الجلي انقسام الصف السوري حول هذه المسألة. فريق يريد التفاوض ويقبل بمرحلة انتقالية. عبر عنه عضو المجلس الوطني جورج صبرا الذي قال قبل يومين صراحة: «نحن موافقون على خروج الأسد وتسليم صلاحياته لواحد من شخصيات النظام لقيادة مرحلة انتقالية على غرار اليمن». وظهرت ملامحها بظهور العميد المنشق مناف طلاس في جدة. واستبقها رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم، الذي قال على هامش اجتماع لوزراء الخارجية العرب في الدوحة: «هناك توافق على تنحي الرئيس السوري مقابل خروج آمن». وإن الدول العربية ستطلب للمرة الأولى من المعارضة السورية و«الجيش الحر» تشكيل حكومة انتقالية.
وهناك فريق سوري يريد القتال حتى النهاية، لأن وقت التفاوض، في نظرهم، فات، والمعارضة تزحف نحو القصر، وهي مسألة وقت حتى يسقط النظام.
فريق ثالث متردد، تتنازعه خلافات حول من الشخصيات التي يمكن أن يوكل إليها تشكيل الحكومة.
ومع أن العواطف أكثر ميلا للفريق الثاني، الداعي لمواصلة القتال، فإن العقل والتجربة يحذران من الانسياق وراء هذا التفكير. فإسقاط النظام أصبح شبه مؤكد مع النجاحات القتالية الكبيرة للثوار في الأسابيع الماضية، لكن لا يزال الوضع صعبا بسبب قدراته العسكرية، حيث يستخدم طائرات ودبابات ومدافع، وقادر على ارتكاب المزيد من المذابح ومحمي بـ«فيتو» روسيا. وبعد ذلك سيفر الأسد إلى إيران أو روسيا، والأخطر أن القتال حتى النهاية وليس باتفاق، قد يتسبب في انهيار مؤسستي الجيش والأمن تماما، أكثر من نصف مليون عنصر، ويتحول أفرادها إلى عصابات مسلحة منتشرة. فهل من المصلحة الوطنية تكسير الدولة وتوريط سوريا المحررة في فتن وحروب داخلية تغذيها أطراف مثل روسيا وإيران وحزب الله؟! فمن يظن أنه بنهاية بشار تنتهي دولته الظالمة مخطئ تماما؟ بشار انتهى منذ أن قامت سوريا كلها في العام الماضي تتظاهر سلميا ضد نظامه، كلنا نعرف أنه انتهى، لكن الذي نخاف منه أن يغادرها خرابا ويزرع فيها الفتن، وتتحول سوريا إلى أرض محروقة لسنوات مقبلة، وقد ينجح في تقسيمها أيضا.
هذه المخاوف حقيقية.. وبالتالي، المحافظة على الدولة أهم من الانتقام من بشار، فهو سيلاقي جزاء جرائمه مهما حاول الهرب. فإذا كان ممكنا المحافظة على الدولة من خلال التسليم والتسلم، كما حدث في اليمن، والإبقاء على مؤسسات الدولة فإن هذا سيقطع الطريق على إيران وجماعاتها. وسيمكن الشعب السوري أن يقيم نظامه الذي يريده ويبني مستقبلا أفضل لأبنائه في بلد موحد ومستقر.