ترامب في 2019.. السؤال الكبير
- ترامب لا يفهم لغة مصالح الدول الكبرى وهذا سر اشتباكه مع الدولة العميقة، والذي لا يُعرف أين سينتهي.
- مصالح الدول الكبرى ليست تجارة الربح السريع فالأولى تركز على الأبعاد المستقبلية في إدارة الصراعات، فالنفوذ يجلب المال والرفاه.
بقلم: ياسر الزعاترة
لم يكد الشهر الأول من العام 2019 ينتصف، حتى فجّرت «نيويورك تايمز» قنبلة كبرى فيما خصّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليست كسابقاتها بكل تأكيد.
ففي حين كانت جملة التحقيقات والإشاعات تدور حول تدخل روسي في انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح ترامب، قالت «نيويورك تايمز»: إن مكتب التحقيقات الفيدرالي «أف بي آي»، يحقق فيما إذا كان ترامب يعمل فعلاً لصالح روسيا.
اقرأ/ي أيضا: الحلف ضد إيران
هنا رد ترامب، وكما هي العادة إذا لم يفعل بتغريدة، عبر قناته المفضلة «فوكس نيوز» بالقول: «أعتقد أن هذا هو التقرير الأكثر إهانة الذي قرأته على الإطلاق، هذه إهانة كبيرة، لقد طردت جيمس كومي لأنه كذاب كبير، وقام بعمل رهيب عندما كان رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالي».
يحدث ذلك، فيما لا تزال الأنظار مصوّبة في اتجاه المحقق «الغامض» مولر، الذي لا يعرف أحد ما الذي ستكشفه تحقيقاته، إن كان بشأن التدخل الروسي، وهو الأهم، أم بشأن ما قيل إنها تعاملات إشكالية مع السعودية والإمارات، مع وجود تسريبات تتحدث عن أن نتائج التحقيق قد «تغرق ترامب»، بحسب صحيفة بريطانية، لكن القنبلة الجديدة تمثّل تطوراً مفاجئاً بكل تأكيد.
اقرأ/ي أيضا: بين سياسات ترامب ووعوده الانتخابية
ليس من السهل القول إن دوائر الدولة العميقة في الولايات المتحدة ستذهب إلى هذا المستوى في ملاحقتها لترامب، لأن قضية من هذا النوع لا تهينه كشخص، بل تهين الدولة برمتها، وتظهرها صغيرة أمام دولة أخرى أقل شأناً، وإن أخذت تنافس في الآونة الأخيرة، ذلك أن المسافة في كل عناصر القوة بين الولايات المتحدة وروسيا لا تزال كبيرة.
على أن السؤال الذي طرحه «أف بي آي»، «هنا القضية الأكثر أهمية في واقع الحال»، لا يبدو هامشياً، ذلك أن مجمل السياسات التي ينتهجها ترامب ما زالت تصبّ في صالح الصعود الروسي على وجه التحديد، وإن بدت مختلفة فيما يتعلق بالصين.
يحدث ذلك فيما يعلم أبسط العارفين بقضايا السياسة، أن التحدي الاستراتيجي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة، لا يتمثل في إيران وصواريخها، بل يتمثل في الصعود الصيني والروسي، ومن الطبيعي أن يمثل تبعاً لذلك أهم أولوية بالنسبة لأي رئيس للولايات المتحدة، أكان جمهورياً أم ديمقراطياً.
اقرأ/ي أيضا: الاستثناء الأمريكى المزدوج
ولما كانت سياسات ترامب تصبّ في صالح روسيا بشكل فاضح، فقد كان من الطبيعي أن تُطرح القضية في دوائر «أف بي آي» وعموم الدولة العميقة، وهذا ما حدث كما يبدو!
لكن واقع الحال الأقرب إلى المنطق ما زال يقول إن الرجل يفعل ذلك، ليس من منطلق العمالة «يبقى وارداً من زاوية أخرى تتمثل في أن لدى روسيا ممسكاً ما عليه، ويخشى من كشفه»، بل يفعله من منطق الجهل بتعقيدات السياسة والشؤون الاستراتيجية.
وفوق ذلك بطبيعة الحال هواجسه الشخصية، ممثلة في إرضاء جمهوره المعني بكسب سريع على الصعيد الاقتصادي، بجانب الأولوية الصهيونية تبعاً لحاجته لدعم اللوبي في مواجهة الضغوط عليه.
وهذا الجانب الذي يدفعه إلى وضع الهواجس الإسرائيلية في مقدمة اهتماماته، كما هو الحال في قضية اتفاق إيران النووي، الذي أدخله نقضه في مشاكل مع حلفائه الكبار في أوروبا.
السياسة، خاصة فيما يتصل بمصالح الدول الكبرى شيء، وتجارة الربح السريع شيء آخر، فالأولى تركز على الأبعاد المستقبلية في إدارة الصراعات، لأن النفوذ هو الذي يجلب المال والرفاه على المدى المتوسط والبعيد، أكثر من الابتزاز الرخيص والبلطجة التي تليق بحلبات الملاكمة.
تلك لغة لا يفهمها ترامب، وهذا هو سر الأسرار وراء اشتباكه مع الدولة العميقة، والذي لا يُعرف في واقع الحال إلى أين سينتهي.
لكن المؤكد أن 2019 سيكون عاماً بالغ الصعوبة عليه، ولا يمكن الجزم بما إذا كان سينهيه رئيساً أم لا، وحين يكون الوضع على هذا النحو، فهذا يعني أن المشهد الدولي -وتبعاً له الإقليمي- سيزداد غموضاً فوق غموضه الراهن.
* ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني
المصدر: العرب – الدوحة
عذراً التعليقات مغلقة