تطور العلاقات بين المغرب وإسرائيل تعتبر الجزائر ذلك موجهًا ضدها.
الحرب الدبلوماسية والاقتصادية والبحث عن محاور واستقطاب سيفاقم المواجهة بين المغرب والجزائر في إطار حرب باردة، ستستمر سنوات طويلة.
قد تكون شرارة الحرب قصف جزائري لقاعدة مغربية ما في منطقة الصحراء الغربية تضم طائرات بدون طيار كرد على مقتل المواطنين الجزائريين الثلاثة.
فرضية المواجهة العسكرية بين البلدين تتراجع وينخفض التوتر لأسباب أولها القمة العربية المقبلة وخوفهما من التفريط بالمكتسبات العسكرية على مستوى التسلح.
لا يستبعد انتظار دول أوروبا نشوب حرب بين البلدين حتى ينهكان بعضهما ويتراجع مستوى التوازن العسكري مما يفسر إحجام الغرب عن أي وساطة للمصالحة.
* * *
بقلم: حسين مجدوبي
بعد قرع طبول الحرب بين المغرب والجزائر منذ شهر أغسطس/آب الماضي، بدأت الآن فرضية المواجهة العسكرية بين البلدين تتراجع وينخفض التوتر لأسباب معينة، على رأسها القمة العربية المقبلة، ثم خوف البلدين من التفريط في المكتسبات العسكرية على مستوى التسلح التي جرى تحقيقها خلال السنوات الأخيرة.
وتمر العلاقات بين المغرب والجزائر بوضع شائك للغاية، من أبرز عناوينه قطع العلاقات الدبلوماسية خلال أغسطس الماضي، الذي اتخذته الجزائر. وتفاقم الحديث عن فرضية الحرب خلال الأسابيع الماضية، نتيجة ما تعتبره الجزائر تورط المغرب في مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين يوم الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ثم تطور العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وتعتبر الجزائر هذه العلاقات موجهة ضدها.
وكانت كل التحليلات تذهب إلى احتمال وقوع مواجهات بين البلدين، في الغالب مخفضة من خلال مناوشات عسكرية، وقد تكون على شاكلة ما يجري بين الهند وباكستان، قد تكون شرارتها قصف جزائري لقاعدة مغربية ما في منطقة الصحراء، تضم طائرات بدون طيار كرد على مقتل المواطنين الثلاثة.
وتعاظمت هذه الفرضية في ظل حشد القوات العسكرية من طرف البلدين على الحدود المشتركة، وإجراء كل بلد مناورات عسكرية تحاكي سيناريو هجمات مضادة من طرفين. وبدأت التحليلات السياسية تتناسل حول الموقف الذي قد تتخذه الدول الكبرى من النزاع، خاصة دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها دول الجنوب مثل إسبانيا وفرنسا في حالة اندلاع الحرب. وخلال الثلاثة أسابيع الأخيرة، تراجعت فرضية الحرب بين البلدين، لأسباب متعددة فرضت نفسها على مسرح الأحداث، ومن أبرز هذه الأحداث:
في المقام الأول، تستعد الجزائر لاحتضان قمة جامعة الدول العربية خلال مارس/آذار المقبل، وترغب في أن تشكل هذه القمة منعطفا تاريخيا في العمل العربي المشترك، لاسيما بعد بدء الترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة علاوة على البراغماتية، التي تميز الحوار المحتشم بين دول الخليج وإيران.
وعليه، لا يمكن للجزائر الدخول في مغامرة عسكرية على بعد ثلاثة أشهر فقط من القمة العربية، وكل مغامرة حربية ستنهي حلم احتضان القمة العربية، وتجعل بعض القضايا مثل قضية فلسطين تتراجع إلى الهامش، علاوة على احتمال مقاطعة بعض الأنظمة الملكية الجزائر.
في المقام الثاني، حقق البلدان خلال الخمس سنوات الأخيرة، تقدما في التسلح مكّنهما ولأول مرة خلال القرنين الأخيرين، من أن يقترب مستواهما من مستوى دول جنوب أوروبا، أو حدوث توازن وإن كان نسبيا في التوازن العسكري في غرب البحر الأبيض المتوسط، إذ لم يعد ذلك الشرخ العسكري قائما بين ضفتي غرب المتوسط كما كان عليه الشأن حتى نهاية 2010، وذلك بفضل أسلحة نوعية اقتناها البلدان.
إن كل دراسة لنوعية الأسلحة التي يتوفر عليها البلدان سيخرج بنتيجة تؤكد حدوث هذا التغيير التاريخي الحاصل في ميزان القوى في غرب البحر الأبيض المتوسط، ولاسيما على مستوى استراتيجية الردع أساسا. والمثير أن يأتي هذا التغيير بفضل أسلحة ليست غربية بل روسية وصينية والآن تركية.
في هذا الصدد، مثلا، لا تمتلك فرنسا القدرة العسكرية الكافية لمهاجمة الجزائر، والحسم بالحل العسكري في الوقت الراهن، لامتلاك هذا البلد الأخير أسلحة ردع حقيقية منها منظومة الدفاع أس-400 وصواريخ إسكندر وكالبير القادرة على ضرب كل الموانئ الفرنسية بدون استثناء، وصد المقاتلات الفرنسية.
في الوقت ذاته، لا يمكن لإسبانيا الضغط العسكري على المغرب، كما حدث في أزمة جزيرة ليلى سنة 2002، وذلك بفضل أسلحة صينية من راجمات وأنظمة مضادة للطيران والصواريخ، ثم طائرات بدون طيار.
لقد قلل البلدان من الردع العسكري الذي كان على رأسهما من الضفة الشمالية مثل سيف ديموقليس. وعليه، لا يمكن استبعاد أن دول أوروبا تنتظر نشوب الحرب بين البلدين حتى ينهكان بعضهما بعضا، ويتراجع مستوى التقارب العسكري المشار إليه سابقا، وهو ما يفسر إحجام الغرب عن القيام بأي وساطة للمصالحة، رغم فرضية الحرب على مشارف حدوده الجنوبية. وكان مصدر غربي قد كشف لي منذ شهور أن «حربا بين المغرب والجزائر تصب الآن في مصلحة أوروبا».
في المقام الثالث، بعد التلويح بالرد العسكري، بعد مقتل الجزائريين الثلاثة في بداية نوفمبر الماضي، والتنسيق بين المغرب وإسرائيل، كل المعطيات تشير إلى تغيير الجزائر استراتيجيتها وبدء الرهان على الاستمرار في الحرب الاقتصادية والدبلوماسية ضد المغرب.
فهي تنهج استراتيجية التضييق على المغرب، ومن أبرز الخطوات بعد قرار التخلي عن أنبوب الغاز «المغرب العربي – أوروبا» نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد خدمة منذ سنة 1996، هو محاولة خلق اتحاد مغرب عربي مصغر يضم الجزائر وتونس وليبيا، مع الحفاظ على علاقات متميزة مع موريتانيا، وتهميش كلي للمغرب.
ثم إنشاء حلف افريقي يستبعد المغرب من معظم المبادرات، بل أخرى تستهدفه مثل خلق تجمع افريقي يدافع عن موقف جبهة البوليساريو في المحافل الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. واحتضنت الجزائر قمة الأسبوع الماضي في هذا الشأن.
نعم، تراجعت فرضية الحرب بين المغرب والجزائر بسبب الوعي بفاتورتها المرتفعة تاريخيا، لكن الحرب الدبلوماسية والاقتصادية والبحث عن المحاور والاستقطاب سيفاقم المواجهة في إطار حرب باردة، ستستمر لسنوات طويلة. وهذا إنهاك آخر لقدراتهما على جميع المستويات.
* د. حسين مجدوبي كاتب مغربي
المصدر| القدس العربي
موضوعات تهمك: