«تحقيق مئة انتصار في مئة معركة، ليس قمة المهارة، بل قمة المهارة أن تخضع عدوك دون قتال»!
أخطر تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا هي التحولات الدراماتيكية على تركيبة وديناميكية النظام العالمي.
حذار من الوقوع في الحسابات الخاطئة التي تتسبب بخسارة وفشل في تحقيق أهداف الحرب وشن حروب يعني فشل الردع.
ضآلة إنجازات حرب بوتين، وكيف تحولت لحرب استنزاف لروسيا والغرب، و13 مليون أوكراني بين نازح في بلاده ومهجر خارج الحدود.
تستنزف حرب أوكرانيا الغرب في حرب بالوكالة وبلغت المساعدات الأمنية والعسكرية والاقتصادية الغربية عشرات المليارات ولا حل في الأفق مع انهيار اقتصاد أوكرانيا.
تعثرت حسابات بوتين «قيصر روسيا» في حرب أوكرانيا، فدخلت شهرها السابع دون تحقيق إنجازات استراتيجية بإخضاع أوكرانيا واسقاط النظام وتنصيب نظام دمية خاضع لروسيا.
ارتفاع التضخم وأسعار النفط والغاز والسلع عالميًا وتغيرت جيوستراتيجياً العلاقات الدولية بسبب أكبر وأطول حرب تخاض بأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية فرضها تغيير جغرافيا أوروبا بالقوة.
* * *
بقلم: د. عبد الله خليفة الشايجي
تقاس نجاحات الحروب بالنتائج. معظم الحروب التي تخاض تُحسم ليس على أرض المعارك بل على طاولات التفاوض..
قدم صن تزو المفكر العسكري والاستراتيجي الصيني الشهير قبل 2500 عاماً نصائح وحكما حول «استراتيجية خوض الحرب» في كتابه الشهير «فن الحرب» بتأكيده «تحقيق مئة انتصار في مئة معركة، ليس قمة المهارة، بل قمة المهارة أن تخضع عدوك دون قتال».
لكن أهم نصيحة قدمها صن تزو كانت عن عدم الوقوع في الحسابات الخاطئة التي تتسبب بخسارة وفشل في تحقيق أهداف الحرب «إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فلا تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعلم قدراتك، وتجهل قدرات خصمك، فمقابل كل انتصار ستعاني من هزيمة». معايير صن تزو تؤكد شن حروب يعني فشل الردع.
يزخر التاريخ بحروب بنتائج كارثية، بناء على سوء تقدير حسابات تسببت بدمار هائل ولم تحقق أهدافها، من غرور وفوقية نازية هتلر وحساباته الكارثية الخاطئة في أوروبا، وخاصة فتحه جبهة روسيا التي تسببت باستنزاف قواته وهزيمته.
وسقوط أمريكا في مستنقعات فيتنام وأفغانستان والعراق بخوضها أطول حروبها مدداً وكلفة ونزفاً، وحروب إسرائيل ضد تنظيمات عسكرية من غير الدول، حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وتعثر حرب السعودية على الحوثيين في اليمن.
وأخرها حسابات بوتين «قيصر روسيا» في حرب أوكرانيا، التي دخلت شهرها السابع دون تحقيق إنجازات استراتيجية بإخضاع أوكرانيا واسقاط النظام وتنصيب نظام دمية تتحكم فيه روسيا يسبح في فلكها كحال جمهورية روسيا البيضاء.
بجردة حساب الربح والخسارة نرى ضآلة إنجازات حرب بوتين، وكيف تحولت لحرب استنزاف لروسيا والغرب. 13 مليون أوكراني بين نازح في بلاده ومهجر خارج الحدود، مقابل 13 مليون سوري أي نصف الشعب السوري في 10 سنوات!
أزهقت الحرب أرواح 9000 عسكري أوكراني و 5600 مدني، ولكن الأرقام الحقيقة أكثر بكثير، مقابل مقتل 5000 عسكري روسي، الأوكرانيون يقولون قتلوا 45 ألف عسكري روسي!
وبرغم سيطرة روسيا على 20 بالمئة من أراضي أوكرانيا في دونباس وشبه جزيرة القرم إلا أن الأوكرانيين بدأوا بمهاجمة أهداف روسية في الداخل ويستهدفون شبه جزيرة القرم بأسلحة أمريكية.
تستنزف حرب أوكرانيا الغرب بشكل كبير في حرب بالوكالة، بلغت المساعدات الأمنية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية والأوروبية عشرات المليارات ولا حل في الأفق مع انهيار اقتصاد أوكرانيا، وفقد أكثر من 45 في المئة من مجمل الناتج القومي وبحاجة لأكثر من 200 مليار دولار على الأقل للنهوض به!
في الشهر السابع من حرب بلا أفق، تحولت من حرب خاطفة كما يريدها بوتين تسقط الحكومة الأوكرانية خلال أيام وتسيطر على مقدرات البلاد وتحول أوكرانيا أكبر دولة مساحة في أوروبا ومتوسطة الحجم من حيث عدد السكان بـ45 مليون نسمة من حليف للغرب وحلف الناتو، إلى منطقة عازلة مع حلف الناتو، لكن النتيجة كانت العكس!
اقتربت أوكرانيا أكثر من الغرب وزاد تلاحم وتماسك حلف الناتو، وصار الرئيس بوتين أفضل مسوق للحلف وتوسعت حدود الناتو مع روسيا إلى الضعف بانضمام فنلندا والسويد للحلف بعد تخليهما عن حيادهما.
حتى سويسرا التي تفاخر بحيادها، وترفض الانضمام لتحالفات إقليمية كالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تشارك بفرض عقوبات على روسيا!
تحولت الحرب في شهرها السابع لحدث يؤثر على أمن واستقرار النظام العالمي بأسره، وصلنا إلى تهديد إرهاب نووي، بخطر انفجار أكبر محطة نووية أوروبية «زابوريجيا النووية» وتهديد أمن الطاقة بقطع إمدادات روسيا عن دول أوروبية كورقة ابتزاز، وفرض عقوبات أمريكية وأوروبية على صادرات روسيا من النفط والغاز.
وبسبب الحرب تعطلت شحنات القمح والحبوب التي تشكل روسيا وأوكرانيا 30 في المئة من صادراتها للعالم، ما بات يهدد الأمن الغذائي العالمي ومخاوف من مجاعة في الدول الفقيرة خاصة في أفريقيا وآسيا.
ونشهد ارتفاع التضخم وأسعار النفط والغاز والسلع عالميا. وجيوستراتيجياً تغيرت تضاريس العلاقات الدولية بسبب أكبر وأطول حرب تخاض في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فرضها منطق تغيير الجغرافيا الأوروبية بالقوة.
لكن أخطر تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، هي التحولات الدراماتيكية على تركيبة وديناميكية النظام العالمي، تؤكد تحذيرات أجهزة الأمن والاستخبارات ومراكز الفكر والدراسات الأمريكية بأن الصين وروسيا تشكلان أكبر تهديد للمصالح والاستراتيجية الأمريكية وخاصة الصين على المدى البعيد. حيث يتبلور تحالف معادٍ لأمريكا والغرب.
سعى الغرب بقيادة أمريكا لمنعه إبان الحرب الباردة، بين الصين وروسيا. شهدنا إرهاصات ذلك بمواقف وتصريحات القيادة الصينية الداعمة لروسيا، والرافضة والمنتقدة للموقف الغربي.
وتصعيد الصين بتحديها أمريكا، في مجال نفوذها في بحر الصين الجنوبي والشرقي، ورفض روسيا استفزاز الصين بزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، وبلطجة الصين بخرق مجال تايوان الجوي بشكل يومي، ومناورات وتصريحات توقد هواجس تايوان بأنها إقليم متمرد ولا بد من عودتها للحضن الصيني.
وهذا يؤكد الهواجس أن حرب روسيا على أوكرانيا، شجعت الصين على شن حرب بطرق مختلفة لاستعادة تايوان وإنهاء استقلالها وتمردها، خاصة أنه لا تعترف أي دولة باستقلال تايوان، وتتمسك أمريكا وأوروبا بمبدأ «صين واحدة بنظامين»!
كذلك تهدد حرب روسيا على أوكرانيا استقرار اقتصاد الدول والاقتصاد العالمي، وأمن الطاقة والأمن الغذائي. وأثبتت الحرب خواء المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومحدودية قدرة الغرب على احتواء ومنع دول قوية كروسيا من العبث بأمن أوروبا ومعه تداعياته على الأمن الدولي برغم العقوبات القاسية التي تفرض على موسكو.
وتشجع الحرب حلفاء روسيا: كوريا الشمالية وإيران والنظام السوري وغيرهم من الأنظمة القمعية والشمولية على المغامرات والتمادي في مخططاتها للعبث بالأمن الإقليمي بمنطق القوة.
مجدداً لو أخذ بوتين وغيره من المغامرين بنصائح صن تزو لتجنبوا الحسابات الخاطئة وسوء التقدير والفشل الاستراتيجي وتهديد أمن النظامين الإقليمي والدولي!
* د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: