يُمكن أن تعتبر إيران توقف المفاوضات في نفس وقت حركة الاحتجاج مؤامرة خارجية لإرغامها على قبول اتفاق رديء.
لعبت حركات الاحتجاج الأخيرة في إيران، بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، دوراً أساسياً في توقف المحادثات بين واشنطن وطهران.
يعتبر طلب إيران بأن تكون هناك ضمانات أفضل أمراً له ما يبرره، في ضوء انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق.
من سيضمن أن المواد والمعدات والمعلومات النووية في أمان، إذا ما ساد الاضطراب دولة تعداد سكانها 85 مليون نسمة بمنطقة غير مستقرة بشكل سيء؟
يمكن أن تواجه إيران حركة الاحتجاج بتصعيد الملف النووي، كما فعلت سابقا لتحقيق أهداف خارجية وقد يشمل هذا زيادة التخصيب إلى 90% ما يتيح إنتاج أسلحة نووية.
* * *
واشنطن: فشلت تماماً المفاوضات الرامية إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، بعد نحو عامين تقريباً من الجهود من جانب الولايات المتحدة وإيران، حسبما يرى محلل السياسات الخارجية الأمريكي أليكسندر لانجلويس.
ويضيف لانجلويس، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، أنه رغم أن كثيراً من العوامل ساهمت في الموت القريب للمفاوضات بين الدولتين المتنافستين منذ وقت طويل، لعبت حركات الاحتجاج الأخيرة في إيران، بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، بعد إلقاء القبض عليها من قبل شرطة الأخلاق، دوراً أساسياً في توقف المحادثات بين واشنطن وطهران.
ويأتي ذلك في ظل برنامج نووي متطور بصورة متزايدة داخل إيران، ما يمثل سيناريو خطيراً تواجه فيه إيران قلاقل واسعة النطاق وسقوطاً اقتصادياً حراً بسبب العقوبات الغربية.
وكانت مدينة فيينا بالنمسا قد شهدت في الفترة من 3 إلى 8 آب/ أغسطس الماضي آخر جولة من المفاوضات بين مجموعة 1+5، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا.
وأثناء هذه الجولة أعلن جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أنه اطلع على مسودة “نهائية” لاتفاق نووي إيراني يتم إحياؤه.
واستمرت واشنطن وطهران في التفاوض بصورة غير مباشرة من خلال مجموعة الدول الثلاثة؛ المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وكذلك الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي جرت فيه المشاركة في التعليقات وتطبيقها على نص مسودة الاتفاق.
واستمر ذلك حتى مطلع أيلول/ سبتمبر، عندما أرسلت إيران رسالتين متعاقبتين تحدد فيهما مطالب متشددة خارج ما سبق مناقشته في ما يسمى بالمسودة النهائية. ووفقاً لمعلومات لـ”الحرس الثوري” الإيراني تم تسريبها.
وقد فُهِم منها أن إيران طالبت بإغلاق قضية وكالة الطاقة الذرية الدولية ضد إيران والخاصة بانتهاك الضمانات، وعدم فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع “الحرس الثوري” الإيراني، وضرورة تقديم الولايات المتحدة تأكيدات بعدم انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني.
وبطبيعة الحال تسبّب ذلك في إلحاق الضرر بالمفاوضات، حيث دفع الدول الغربية إلى التشكك في نوايا إيران واهتمامها بإحياء الاتفاق. وفي الحقيقة، يعتبر طلب إيران بأن تكون هناك ضمانات أفضل أمراً له ما يبرره، في ضوء انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وهو ما تسبب في الفشل الذريع الحالي.
وبغض النظر عن كل شيء، يمكن اعتبار هذا التوقف في المفاوضات نذير موت الاتفاق، حيث إنه مع استمرار واشنطن وطهران في اتصالاتهما غير المباشرة، عبر وسطاء مثل قطر، انفجرت حركة الاحتجاج الأخيرة في شوارع إيران.
وفي الواقع فإن قرار إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بتوقف المفاوضات وفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، إلى جانب الخطاب العلني الداعم للمحتجين، أمر يسفر عن رد فعل سلبي من جانب طهران من شأنه إلحاق الضرر بفرص نجاح إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
فالقيادة الإيرانية معروفة بمعاداتها لأمريكا، و بسبب أيديولوجيتها الثورية تنظر إلى تصرفات واشنطن بشكوك، وكذلك بسبب الكثير من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية السابقة غير العادلة.
والأهم من ذلك أن من الممكن أن تعتبر طهران توقف المفاوضات في نفس وقت حركة الاحتجاج مؤامرة خارجية لإرغامها على قبول اتفاق رديء، أو إجراء إصلاحات من شأنها أن تضعف نظامها. ومن الممكن أن يكون لذلك تداعيات خطيرة يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.
وفي أسوأ سيناريو، يمكن أن تواجه إيران حركة الاحتجاج بتصعيد الملف النووي، كما فعلت في الماضي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. ومن الممكن أن يشمل هذا زيادة قدرات التخصيب إلى 90%، ما يتيح لها إنتاج أسلحة نووية.
ورغم أن إيران صرحت مراراً أنها لا تسعى لإنتاج أسلحة نووية، ليس من الصعب تصور قيامها بذلك لتحقيق قوة ونفوذ إذا رأت أن حركة الاحتجاج بدعم من الدول الأجنبية تمثل تهديداً وجودياً لبقائها. ومن هنا يمكن أن ينهار الوضع بسرعة.
ويقول لانجلويس إنه إذا استمرت الاحتجاجات واختار النظام الإيراني زيادة قدراته النووية رغبة في البقاء، سوف يواجه العالم سيناريو إنتاج دولة غير مستقرة بدرجة كبيرة لأسلحة نووية. وكما أشار كثير من الخبراء، فإنه رغم أن انهيار إيران، أو قيامها بإصلاحات سيكون أمراً محل ترحيب ما دام يسفر عن نظام حكم مستقر وتمثيلي، من المحتمل أن تكون القلاقل الناجمة عن ذلك مروعة.
فمن الذي سوف يضمن أن المواد والمعدات والمعلومات النووية في أمان، إذا ما ساد الاضطراب دولة يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة في منطقة غير مستقرة بشكل سيء؟
وبنفس القدر من الأهمية هناك تداعيات إقليمية، إذ إن أي تصعيد في الملف النووي الإيراني سوف يؤدي إلى رد فعل من جانب المعسكر المعادي لإيران. وهذا يعني انتشاراً نووياً في المنطقة، وزيادة في سباق التسلح بها بشكل خطير. وكل هذا ليس أمراً جيداً للمصالح الأمريكية في المنطقة، ناهيك عن الصالح العام.
ورغم أن التضامن مع حركة احتجاج مشرفة، ودعم المرأة والطبقة العاملة بصورة أوسع نطاقاً أمر يحظى بالترحيب، وينبغي أن يكون أساسياً بالنسبة لأي سياسة خارجية أمريكية، فإن واشنطن ترتكب خطأ بوقفها لمفاوضات الاتفاق النووي.
ويختتم لانجلويس تقريره بأنه يتعين، في الواقع، أن يدرك المسؤولون الأمريكيون أن بوسعهم الإعراب عن تضامنهم أثناء تفاوضهم على اتفاق سوف يكون مهماً للأمن الإقليمي والعالمي. ويمكن القول ببساطة إن الملف النووي الإيراني يغيّر كل الاعتبارات، وينبغي النظر إليه بأعلى مستوى ممكن من تجنب المخاطرة .
المصدر: د ب أ
موضوعات تهمك: