تحدثت سالي كامبل إلى ديف شيري، مؤلف الكتاب الجديد: روسيا 1917، حول أهمية الثورة الروسية اليوم، ولماذا مازال طابعها الديمقراطي الشامل مخفيا داخل السرد السائد.
تمثل الثورة الروسية للعديد من الاشتراكيين الحدث الأهم في التاريخ، ولكن بالنسبة للعديد من الشباب هي مجرد قطعة أخرى من التاريخ العتيق، ما الذي يمكن أن تقوله لناشط شاب لا يرى أهمية الثورة اليوم؟
العالم اليوم قاتم ومرعب، تقريبا مثل العالم الذي انتفض ضده العمال والجنود والفلاحون الروس في فبراير 1917. إذا نظرت لما كان لينين يكتبه في ذلك الوقت، تجده مناسبا للعالم اليوم. كتب لينين في 1918 “خطاب للعمال الأمريكيين”. كان يمكن أن يكتب ذلك عن أمريكا ترامب اليوم، عندما يتحدث عن الهوة الهائلة بين “حفنة المليونيرات الكبار المتعجرفين الذين يتمرغون في القذارة والرفاهية، وملايين الشعب العامل الذين يعيشون باستمرار علي حافة العوز”.
تغير الكثير في العالم منذ عام 1917، ليس إلى الأحسن دائما، ولكن هناك تشابه ضخم بين الأزمة التي نواجهها الآن والأزمة التي واجهت العالم في عام 1917. بشرت الثورة الروسية بانفجار الثورات عبر أوروبا، وأدت إلى نهاية الحرب العالمية الأولى التي كانت مستعرة لثلاث سنوات ونصف.
ألهمت التمرد في العالم الاستعماري. هيمنت الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة على العالم كما تفعل الآن. كانت الثورة الروسية متعلقة بصعود الناس من أسفل وتحديهم لمن بدوا وكأنهم مستبدين قادرين على كل شيء. كان لذلك تأثير هائل علي الناس في الصين وايرلندا والعراق وفي أماكن أخرى.
هذا ليس درسا في التاريخ، إنه يشير إلى كيف يستطيع الناس التعامل مع عالم كعالمنا اليوم الذي يمتلك فيه ثمانية أشخاص مثل ما يملكه نصف أفقر سكان العالم.
كان هناك العديد من الثورات في القرن منذ عام 1917، ما الذي يجعل روسيا فريدة من نوعها؟
هناك ملامح للثورة الروسية تشاركت فيها سلسلة كاملة من الثورات. الثورة أكثر انتشارا مما يرغب حكامنا في أن نعتقد. وحفزت الثورة الروسية نفسها سلسلة من الثورات عبر أوروبا والتي استمرت إلى عشرينات القرن العشرين، وكان هناك المزيد في ثلاثينات نفس القرن. وعلى مدار القرن العشرين كانت هناك ثورات كل خمس أو ست سنوات وصولا إلى إيران في عام 1979.
بدأ القرن الواحد والعشرين بتمردات -حركة عالمية ضخمة لمناهضة الحرب ضد حروب بوش وبلير في أفغانستان والعراق، والتي شهدت أكبر مظاهرة على الإطلاق تحدث في بريطانيا في عام 2003. ومؤخرا شاهدنا موجة الانتفاضات عبر العالم العربي، والتي أرعبت الحكام العرب والطبقات الحاكمة الغربية وقادة دولة إسرائيل الصهيونية، لأنها مثلت التغيير ليس فقط في مصر ولكن رغبة للتغيير في فلسطين والتحرر من الحروب والقمع اللذين لحقا بالشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى.
الاختلاف أنه في الثورة الروسية استولت الطبقة العاملة، جنبا إلى جنب مع الفلاحين، فعلا علي السلطة.، ولفترة من الزمن كانوا قادرين علي تغيير المجتمع. حدث ذلك في بلد كانت شبه إقطاعية، حيث كان هناك خمسة مليون ونصف عامل فقط من إجمالي عدد السكان البالغ 150 مليون.
تأثير الحرب خلق هذا الانفجار -المطالبة بإنهاء الحرب، والتحرر الوطني من امبراطورية القيصر، وحقوق النساء. تلك الثورات كانت ستحدث بدون لينين والبلاشفة، ولكن أهمية الثورة الروسية أن لينين استطاع عبر فترة زمنية طويلة تطوير منظمة سياسية كانت متجذرة داخل الطبقة العاملة وجنود القوات المسلحة، وكانت قادرة على توحيد كافة النضالات المختلفة.
عندما اندلعت الثورة في فبراير 1917 كانت مفاجأة للبلاشفة، فهم لم يتنبأوا أنها ستبدأ بتلك الطريقة. ولكن عندما حدثت كانوا قادرين على النمو من خلال الثورة وأن يصبحوا حزبا جماهيريا من العمال والجنود والفلاحين.
وحد البلاشفة نضالات كل المضطهدين والمستغلين -النساء والأقليات القومية والعمال والفلاحين؛ ولهذا نجحت الثورة الروسية فيما فشل فيه الآخرون.
يقول البعض إن لينين والبلاشفة ليس لهم محل من الإعراب اليوم، ولكن انظر لما حدث في اليونان في الثلاث سنوات الماضية. فكرة أنك تستطيع بناء حزب يمتد بين الإصلاح والثورة، ويحاول تغيير الأشياء ببساطة عن طريق أن يتم انتخابه، فشلت، مثلما فشلت وانشقت العديد من الأحزاب في الفترة ما بين عام 1914 إلى عام 1917.
عندما تناقش الثورة الروسية في الإعلام السائد، السرد المعتاد أن لينين كان ديكتاتورا قيد الانتظار ولم يكن يختلف عن ستالين، كتابك يحاول الرد على ذلك ؟
نعم، أنا أهدف إلى إنقاذ التراث الحقيقي للينين والبلاشفة من المحاكاة الساخرة له والتي تقدمه باعتباره ديكتاتورية ودولة الحزب الواحد.
في واحدة من قنوات التاريخ الفضائية هناك فيلم من جزئين عن الثورة الروسية، هو رائع من ناحية أن هناك صورا من الثورة تظهر كيف كانت ثورة شعبية حاشدة، ولكنه يقفز فجأة من الاستيلاء على السلطة بواسطة العمال في أكتوبر 1917 إلى سحق تمرد كرونشتادت في عام 1921، والذي، كما يدعي، يظهر أن لينين أراد دولة الحزب الواحد وديكتاتورية طول الوقت.
إنه مدهش، لأنه يخرج ما حدث في عام 1921 من سياقه تماما. كيف تمت مهاجمة الثورة الروسية، وكيف أرادت الطبقة الحاكمة الأمريكية تحديدا في عهد الرئيس وودرو ويلسون، جنبا إلى جنب مع الطبقتين الحاكمتين البريطانية والفرنسية، سحق الثورة، تماما كما سيفعلون اليوم. إنه يفشل في تفسير كيف كانت روسيا محاصرة وضعيفة في عام 1921 بشكل كامل، جزئيا لأنها كانت من البداية دولة متأخرة ولذلك كانت تحتاج لانتشار الثورة، ولكن طبقات العالم الحاكمة كانت مصممة ألا يحدث ذلك.
هكذا يبدو أغلب النقاش حول الثورة -مفرغا من السياق. أكدت الأبحاث الحديثة الطبيعة الحاشدة للثورة في عام 1917، حتى المعارضين للثورة مجبرون على قبول أنها كانت ثورة عمال وليست انقلابا بواسطة مؤامرة صغيرة. كان هناك سوفيتات، مجالس عمال وجنود وبحارة حقيقية عبر روسيا، والتي دعمت الثورة وقادتها وشكلت حكومة العمال. ولكنهم كانوا معزولين، وكانت تلك العزلة تعني أن الثورة قد هزمت. لم يُسرد أي من هذا، وجزء من هدف كتابي هو أن أحكي هذا التاريخ.
مؤخرا كان هناك برنامج إذاعي، “في عصرنا مع ملفين براج”، حول الثورية البولندية الألمانية روزا لوكسمبورج والثورة الروسية. الفكرة التي قدمها هي أن لوكسمبورج كانت ديمقراطية بينما لينين كان طاغية. ما لم يتم ذكره أن من آخر الأشياء التي كتبتها لوكسمبورج كان الدفاع عن لينين والبلاشفة. لقد أكدت أن الثورة الروسية أوقفت الحرب العالمية الأولى وخلقت لأول مرة حكومة عمال ثورية أظهرت أن الطبقة العاملة يمكنها فعليا إدارة الأشياء بنفسها بشكل أفضل من سادتها. لذلك السبب، قالت، إن المستقبل ينتمي للبلشفية.
كل ذلك مخفي، وكتابي عبارة عن محاولة لإنقاذه، ليس فقط من أجل القيام بذلك، ولكن لأبين أنه في العالم الذي نعيش به اليوم سيكون هناك ثورات، ولكن من أجل أن ينجحوا يجب أن نتعلم من الثورة الروسية وما كان حزب لينين قادرا على القيام به. لقد كان حزبا جماهيريا، وليس معتمدا على أفراد قلة ولكن على حركة من أسفل.
مجلة سوشيالست ريفيو – ترجمة بالأحمر