الجهود لمنع إيران من الحصول على القوة النووية وصلت أدنى مستوياتها وتبدو أنها تسير نحو الفشل.
لو قررت إيران الحصول على السلاح النووي، فإن تركيا ومصر والسعودية تشعر بأنها مجبرة على عمل الأمر نفسه.
في عام 2018، كان الإيرانيون يبتعدون 17 شهرا عن العتبة، أما اليوم فهم بعيدون 17 يوما. وحان الوقت لمواجهة هذا الواقع
تواجه إسرائيل تغيرا خطيرا للأسوأ بميزان القوة بالشرق الأوسط وإيران تعتبر منافسا صعبا ومرّاً وتعمل ضد إسرائيل والبقية، مباشرة أو من خلال الجماعات الوكيلة.
في هذا الصيف، ستتحول إيران إلى دولة وصلت فعليا العتبة النووية. سيحتاجون ما بين 18- 24 شهرا لشحذ مهاراتهم في معالجة اليورانيوم وتعبئته في رؤوس صاروخية.
انسحاب ترامب من الاتفاق النووي سمح لإيران بـ”شرعنة” زحفها نحو وضع “العتبة النووية” أي لديها الكفاية من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة نووية وتكنولوجيا تحويلها لسلاح.
* * *
نشرت مجلة “تايم” مقالا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، قال فيه إن إيران قادرة على تحويل نفسها إلى دولة نووية وتأخر الوقت لأي عملية جراحية لمنعها.
وجاء في مقال إيهود باراك، أن الجهود لمنع إيران من الحصول على القوة النووية وصلت إلى أدنى مستوياتها، وتبدو أنها تسير نحو الفشل. وقال باراك إن الجهود الأمريكية لتوقيع اتفاقية عام 2015 لتأخير البرنامج الإيراني لم تذهب بعيدا بشكل كاف.
أما انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاقية نفسها، فقد سمح لإيران بـ”شرعنة” زحفها المصمم نحو وضع “العتبة النووية” أي لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة نووية، كما لديها التكنولوجيا لتحويلها إلى سلاح.
وفي عام 2018، كان الإيرانيون يبتعدون 17 شهرا عن العتبة، أما اليوم فهم بعيدون 17 يوما. وحان الوقت لمواجهة الواقع، بحسب ما يقول باراك.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن قد تحدث قبل ثمانية أشهر ولأسباب جيدة، بأنه لو لم يتم التوصل لاتفاقية خلال أسابيع، فعندها لن يكون هناك أي داع لتوقيعها. وهذا الكلام صحيح اليوم.
وظلت إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم، وتحولت من بلد تشرف عليه روسيا، إلى بلد يزود موسكو بالطائرات المسيرة. وفي الوقت الحالي، فاتفاق جديد قد يكون من أجل الظهور، ويوفر “مظلة إنكار” للأغراض المحلية، وبالنسبة للأمريكيين تجنب الوقائع الصعبة والخيارات، وبالنسبة للإيرانيين عدم التعرض لعقوبات جديدة.
وقال باراك: “في هذا الصيف، ستتحول إيران إلى دولة وصلت فعليا العتبة النووية. نعم، سيحتاجون إلى ما بين 18- 24 شهرا لتشذيب مهاراتهم في معالجة اليورانيوم وتعبئته في رؤوس صاروخية. لكن هذه الخطوات يمكن إنجازها في مختبرات وورش عمل صغيرة وليس من السهل متابعتها علاوة على وقفها”.
وقد يكون من الجيد للملالي أنه حتى لو تخطت إيران العتبة النووية، فإنهم سيختارون البقاء في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تجنبا لعقوبات قاسية، وبعد 20 عاما من المحاولة، فإن إيران ستجتاز نقطة اللاعودة وتصبح عضوا في النادي النووي. وكان هذا هو طموح الملالي طوال الوقت.
ونجحوا في اتباع خطوات كوريا الشمالية وباكستان، اللتين تحدّتا العالم وأصبحتا قوتين نوويتين، كما تجنبتا النهاية الإجبارية التي واجهت البرامج النووية لكل من ليبيا وجنوب أفريقيا، وأيضا مصير البرنامجين النوويين العراقي والسوري اللذين دُمرا بغارات إسرائيلية عام 1981 و2007 على التوالي.
لكن البرنامجين هذين لم يكونا في درجة متقدمة كالتي وصل لها البرنامج النووي الإيراني. ويقول باراك إنه ولأسباب غير واضحة، لم تطور لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل “خطة ب” لمواجهة المشروع الإيراني بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاقية النووية. ويعني هنا هجوما يؤخر التقدم في البرنامج النووي لعدة سنوات.
وفي الوقت الذي كان تحقيق هذا ممكنا عندما كانت إيران على بعد 17 شهرا من تحقيق اختراق، إلا أنه مختلف عندما يصبح فيه الوضع مجرد 17 يوما، ومنع تحول برنامج للأغراض المدنية وتوليد الطاقة للأغراض العسكرية.
ويقتضي هذا تخصيب نظير “يورانيوم 238” إلى درجة نقاء بنسبة 90%، ويتم التخصيب عبر أجهزة الطرد المركزي، وعملية رفعه من نسبة 60% بالمئة إلى “درجة سلاح” ستكون أسرع وأسهل من المراحل الأولى.
وتحتاج العملية الأخيرة إلى مساحات أصغر، ربما في الأنفاق العميقة بعيدا منال أي سلاح. وحتى لو كان لدى الأمريكيين والإسرائيليين المعلومات الاستخباراتية الصحيحة و”ليس هذا هو الحال طوال الوقت”، ونعرف في الوقت الحقيقي ما يجري، لكننا قد نجد أنفسنا عاجزين عن عمل أي شيء.
وحدث هذا لأمريكا أكثر من مرة مع كوريا الشمالية. وفي الواقع، يمكن لإسرائيل وبالتأكيد أمريكا، إرسال طائراتهما إلى الأجواء الإيرانية، وفوق هذا الموقع أو تلك المنشأة وتدميرها، لكن بمجرد دخول إيران فعليا العتبة النووية، فهذا النوع من الهجمات لن يعرقل الإيرانيين عن التحول لإنتاج السلاح النووي.
وبالتأكيد، فقد تدفعهم هذه الهجمات لتسريع عمليات تجميع المكونات لإنتاج القنبلة، ومنحهم صفة شرعية للدفاع عن النفس. وبعبارات أخرى، فخلافا للعمليات الجراحية التي فكرنا بها قبل 12 عاما أو كانت ممكنة قبل 4 أعوام، وهي عمليات كانت كافية وبشكل جوهري لتأخير البرنامج النووي (مع المخاطرة بحرب مع إيران) فإن الإمكانية الحالية ستجعل من خطر الحرب، خاصة لإسرائيل أكبر، وبفرصة قليلة لتأخير البرنامج النووي الإيراني.
ويمكن للولايات المتحدة ردع إيران من التحول إلى قوة نووية عبر المسارات الدبلوماسية المرفقة بتهديدات حقيقية عن حرب واسعة، ولا شيء أقل من ذلك يمكن أن يضمن نتيجة.
و”إلا فإننا نواجه تغيرا خطيرا للأسوأ في ميزان القوة بالشرق الأوسط. وإيران تعتبر منافسا صعبا ومرّاً وتعمل ضد إسرائيل والبقية، مباشرة أو من خلال الجماعات الوكيلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفي الوقت نفسه تنشر الإرهاب والفوضى والتمرد في أي مكان تستطيع الوصول إليه. ولا يمكنني ولو للحظة التقليل من قدرتهم على التحرش بإسرائيل والبقية أو رغبتهم برؤية إسرائيل مهزومة”.
ولكن عندما تصبح إيران قوة نووية، مع أن بناء ترسانة نووية يستغرق عقدا أو أكثر، فإنها ستصبح على المدى البعيد تهديدا وجوديا لإسرائيل. وهذا التهديد لا يعني من الناحية الواقعية إسقاط قنابل على إسرائيل، فالملالي متشددون ومتطرفون نعم، ولكنهم ليسوا مجانين أو أغبياء، ولا يريدون العودة للعصر الحجري. بل على العكس، فالقدرات النووية بالنسبة لإيران هي وسيلة نجاة النظام، وستردع أي قوة عن التدخل في إيران، مهما كان النظام ضعيفا.
وستعطي القدرات النووية طهران فرصة لبناء توازن قوة مع إسرائيل، وتمنحهم حرية للتصرف في المنطقة كيف يشاءون. ومن المخاطر الأولى والأخيرة الناجمة عن وصول إيران للقدرات النووية، انهيار نظام الحد من انتشار السلاح النووي، لو قررت إيران -والقرار بيدها- الحصول على السلاح النووي، فإن تركيا ومصر والسعودية تشعر بأنها مجبرة على عمل الأمر نفسه.
وسباق التسلح النووي قد يأخذ عقدا أو عقدين، إلا أن إيران نووية، ستشجع أي ديكتاتور من الدرجة الثالثة على القيام بنفس المحاولة لحماية نظامه. وأكثر من هذا، فالطريق سيكون معبدا أمام الكابوس الذي وصفه الأستاذ بجامعة هارفارد، غراهام أليسون، في كتابه “الإرهاب النووي” والذي حذر فيه من أن زيادة عدد الدول النووية سيزيد من احتمال وقوع قنبلة نووية بدائية بيد الجماعات الإرهابية.
والسؤال هو ما يجب عمله؟ أولا انظر للواقع وتحرك بناء عليه، وابدأ بالتفكير وحضّر للمرحلة المقبلة والحقيقية. فلو كان هناك اتفاق نووي جديد، وإن كان مشكوكا فيه، ولكنه يساعد في الحفاظ على معاهدة الحد من الاسلحة النووية، فإنه قد يخدم الغرض. لكن توقيع إيران عليه أقل أهمية مما ستفعله أمريكا. ويجب على واشنطن إنشاء نادٍ صغير من الدول وإسرائيل من بينها، للاستثمار العالي في الاستخبارات، بحيث لا تفوّت أي تطورات مهمة. ويجب القيام بمزيد من التعاون العملياتي والدبلوماسي، بما في ذلك العمليات السرية والسياسة العامة والتحضير لعقوبات قاسية، وكذا خطط عمليات طارئة جاهزة للتفعيل عندما يظهر أن إيران متعجلة في تجميع المكونات للسلاح النووي ووصلت مرحلة الاختراق.
ويجب تزويد إسرائيل بالوسائل التي تمكّنها من القيام بهجمات ضد البرنامج النووي، لو اعتقدت مع الحكومة الأمريكية أنها ضرورية. ويجب أن يكون لدى الشركاء الصغار القدرة لأن عملية الاختراق الحقيقي قد تحدث عندما تكون واشنطن منخرطة في أزمات، قد تكون مع فنزويلا، كوريا الشمالية، أو في بحر الصين الجنوبي، وتايوان وأوكرانيا. ويجب التركيز على إقناع تركيا ومصر والسعودية وبقية الدول بأنها محمية بشكل مناسب ضد الابتزازات النووية الإيرانية، ولا حاجة لكي تبحث عن الخيار النووي.
وقال باراك: “لن يظل الملالي في الحكم للأبد، وعادة ما تنهار الثورات في الجيل الثالث، كما في الثورة الشيوعية من بين عدة أمثلة. وإيران هي مجتمع شاب وسيصل إلى هذه المرحلة خلال عقدين. والشعب الإيراني هو شعب عظيم بحضارة تعود إلى فجر التاريخ. وكانوا أحسن صديق لإسرائيل في المنطقة قبل 45 عاما. وعلينا الوقوف بقوة لاحتواء الجمهورية الإسلامية. وستنهار في لحظة، عاجلا أم آجلا، وسيبدأ فصل جديد، وعلينا العمل من أجله معا”.
المصدر:التايم
موضوعات تهمك: